ليس من شكٍ أنّ رحيل الصادق المهدي [1935-2020م]، رئيس حزب الأمة القومي وإمام طائفة الأنصار، سيُخلّف آثارًا متراكمة ومتفرقة على مستوى الساحة السياسية بالإجمال والتخصيص. والمؤكد أنّ هذه الآثار ستمتدُ إلى خارج السودان؛ فالرجل كان فاعلًا ومساهمًا على مستويات الفكر والسياسة في الإقليم العربي. والمؤكد أكثر أن أبرز هذه الآثار ستكون على حزب الأمة وهيئة شؤون الأنصار. وتحديدًا في سؤال: من يخلف الإمام الصادق المهدي؟
قبل رحيل الإمام الصادق المهدي، كان سؤال خلافته مترددًا بكثافة، أحيانًا بغرض النيل السياسي من شخصه
قبل رحيل الإمام الصادق المهدي، كان سؤال خلافته مترددًا بكثافة، أحيانًا بغرض النيل السياسي من شخص الصادق المهدي نفسه. لكن في كل الأحوال، فالسؤال موضوعي، وله تبريراته التي لا يُوقفها أو يُحدّها الغرض السياسي. وفي البال أنّ المهدي نفسه وصل إلى رئاسة الحزب أو إمامة الأنصار بعد مناكفات بينه وبني عمومته وأعمامه، الذين يرون أنفسهم أحق بالمنصبين.
اقرأ/ي أيضًا: رحيل المهدي.. نهاية حقبة في تاريخ السودان
أو ربما يرون في احتفاظ المهدي بالمنصبين فيه شبهة احتكار ينبغي أن ينفك أو يُفك. وفي نهاية المناكفات انتهت لصالح الصادق المهدي، وقنع بنو عمّه من الغنيمة بخُلو الوفاض من المنصبين، بالرغم من عُلو أصوات الرفض منهم بين الفينة والفينة، كان ذلك في حالة مبارك الفاضل المهدي، أو الصادق الهادي المهدي، نجل الإمام الهادي المهدي.
ظل المهدي رئيسًا لحزب الأمة منذ أواسط الستينات، وتحديدًا عقب ثورة أكتوبر. ومنذها صار رئيسًا للحزب حتى وفاته. ثم فيما بعد، وبعد ثلاثة عقود، اختير إمامًا لهيئة شؤون الأنصار، فجمع بين المنصبين: الإمامة ورئاسة الحزب.
الجمع لفترةٍ طويلةٍ بين المنصبين ومؤهلات الراحل المهدي وقُدراته، تجعل الإجابة على سؤال "من يخلف الإمام؟" ليستْ سهلة. بل ويُصعّبها بشكل كبير مؤثرات وعوامل خارجية، لا تبدأ من إيقاظ رغبات أبناء عمومته في المنصبين -الإمامة ورئاسة الحزب- ولا تمر فقط وتنتهي عند أبنائه من زوجتيه الاثنتين: حفيّة وسارة.
ولمحاولة الإجابة على سؤال "من يخلف الإمام؟"، نستعرض الأسماء التي يُرشحها مراقبون ومقربون من حزب الأمة. من هذه الأسماء أبناء الإمام المهدي، وقيادات في الحزب ومقربون. يأتي في قائمة هذه الأسماء أبناؤه الذكور؛ عبدالرحمن المهدي، والصديق المهدي، بجانب ابنته؛ مريم المهدي. ونُضيف إليهم كُلٌ من: الفريق صدّيق إسماعيل، د. إبراهيم الأمين، واللواء فضل الله بُرمة ناصر.
اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان وقضايا الحوار الوطني واتفاقية السلام
الأخير: اللواء فضل الله بُرمة ناصر، وهو أحد نُوّاب الإمام الصادق المهدي؛ من أبرز المرشحين لخلافة رئاسة الحزب الآن. ويزيد من حظوظه قيامه الآن برئاسة الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر العام لاختيار رئيسٍ منتخبٍ للحزب، وكذلك إمامٌ لطائفة الأنصار. لكنها في الغالب حظوظٌ لا تصمد كثيرًا أمام كونه ليس من بيت المهدي، ولم يُعرف عنه قدرات سياسيةٍ كبيرة، ولا قدرات تنظيمية أو فكرية تُذكر. وهو الحال الذي لا ينطبق على الاثنين الآخرين. حيث يمثل الثلاثة مجلسًا قياديًا في الحزب.
تمّ تكليف كل من اللواء فضل الله بُرمة ناصر، برئاسة الحزب، وعبدالمحمود أبو، بهيئة شؤون الأنصار، لحين انعقاد المؤتمر العام
صحيح الآن، وفي إطار العمل المؤسسي، تمّ تكليف كل من اللواء فضل الله بُرمة ناصر، برئاسة الحزب، وعبدالمحمود أبو، بهيئة شؤون الأنصار. لكن هذه لا تعدو كونها تكليفات مؤقتة ومرتبطة بمرحلة انعقاد المؤتمر العام للحزب. وعليه، ليس مرجّحًا أن يُغادر منصب رئيس الحزب بيت المهدي، وبدرجة أقل أنْ يُغادر منصب إمام الأنصار البيت المهدوي، ويخرج إلى آخرين.
أما أبناء الإمام الصادق المهدي: عبدالرحمن، الصديق ومريم، فالراجح ألا يُغادر منصب رئيس الحزب إلى أحدٍ من غيرهم الثلاثة، مع اختلاف حظوظ كل واحدٍ منهم عن الآخر. بالنسبة لعبدالرحمن، اللواء والمشارك سابقًا في حقبة الإنقاذ؛ فإن تقلده منصب مساعد رئيس الجمهورية، عمر البشير، يُقلّل من حظوظه كثيرًا، بالرغم من تصدره المشهد في الأيام الأخيرة لمرض والده الصادق المهدي، وكذلك أثناء مراسيم التشييع، للدرجة التي تسرّبتْ فيها أنباء عن خلافته تنفيذًا لوصية الإمام الصادق المهدي بذلك.
لكن ما تزال مشاركة نجل الإمام المهدي؛ اللواء عبدالرحمن المهدي، للإنقاذ حتى سقوط حكومتها، تُشكّل قيدًا مانعًا لخلافة والده. وإنْ كانت هذه القيود ثقيلة لعبدالرحمن خارج حزب الأمة؛ فإنها داخل حزب الأمة ومؤسساته وعضويته أثقل. وبالتالي فإنّ حظوطه تقل أمام شقيقه الثاني، صديق الصادق المهدي، المقرّب كثيرًا من شباب الحزب ومن طائفة الأنصار، والمسؤول عن أموال الأسرة، والمهتم بالاقتصاد، وكذا ملف الاقتصاد بالحزب. وبالمقابل أيضًا، فإنّ حظوظ عبدالرحمن أقل من شقيقته مريم المهدي، الطبيبة، ونائبة رئيس الحزب، والفاعلة سياسيًا منذ سنوات.
اقرأ/ي أيضًا: سلام جنوب السودان.. انشغال الضامن وغياب الوسيط
لكن الراجح عندي هو الفصل بين المنصبين: رئاسة الحزب، وإمامة الأنصار. بمعنى أنْ يكون على رأس الحزب شخص وآخر مسؤول عن هيئة شؤون الأنصار. وأن يؤول منصب رئاسة الحزب إمّا إلى مريم المهدي، أو شقيقها: الصديق الصادق المهدي. فيما المرجح أنْ يبقى عبد المحمود أبو، الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، إمامًا للأنصار.
سؤال "من يخلف الإمام الصادق المهدي؟" لا يزال عويصًا وأكثر إلحاحًا للإجابة عليه
وعليه؛ فإنّ سؤال "من يخلف الإمام الصادق المهدي؟" لا يزال عويصًا وأكثر إلحاحًا للإجابة عليه، خاصةً بعد رحيل الإمام ورئيس الحزب. وليس متوقعًا أنْ تمر عملية الإجابة عليه بذات السهولة واليُسر. وربما ترتد آثاره السالبة على الحزب نفسه، أو على أسرة المهدي، ففي سيرة الخلافة لدى حزب الأمة فصولٌ من الخلاف.
اقرأ/ي أيضًا