28-نوفمبر-2020

أرشيفية (أخبار اليوم)

منذ إطلاق الرئيس سلفاكير لمبادرة الحوار الوطني في ديسمبر 2016، كان التساؤل الرئيسي حول جدوي المبادرة في ظل الحرب الدائرة آنذاك بُعيد انفجار الأحداث في محيط القصر الرئاسي في تموز/يوليو من نفس العام، وخروج كل من مشار وأكول إلى المعارضة وما أعقبه من مفاوضات السلام برعاية الإيقاد مرة أخرى، هل كانت رغبة الحكومة الجديدة، تحالف سلفاكير وتعبان، تحقيق هذه المبادرة، أم أنه تكتيكًا جديدًا يضاف إلى السجلات السابقة لإدامة احتكار السلطة والثروة؟

يظل السؤال الأهم هو عن ماهية الإجراءات التي اتخذتها لجنة الحوار لضمان تفادي الأخطاء السابقة

لم يكن الترحيب الحذر وقتها من عامة المواطنين فقط، بل شمل أيضًا القوى الحزبية المعارضة التي سجلت اعتراضاتٍ جوهرية، على سبيل المثال، هل تملك لجنة الحوار تفويضًا واضحًا أم أنها تتحرك وفق إطارٍ مرسوم لا يمكنها تجاوزه، ما هي آليات المشاركة، ووسائل تنفيذها، وهل هناك علاقة بين مبادرة الحوار الوطني وقضايا العدالة الانتقالية المنصوصة عليها في اتفاقية سلام آب/أغسطس 2015، لمعاجلة انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها البلاد، أم تختص أجندة الحوار الوطني بالجواب عن قضايا نظام الحكم الأمثل للدولة وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: شركة تتبع لـ"وجدي ميرغني" تفصل موظفًا بسبب منشور على "فيسبوك"

وعقب انتهاء جلسات الحوار الوطني الختامية الأسبوع الماضي، تتجدّد ذات الأسئلة السابقة، عن ماهية الإجراءات التي اتخذتها لجنة الحوار لضمان تفادي الأخطاء السابقة، خصوصًا في ظل مقاطعة القوى السياسية المشاركة في الحكومة الانتقالية الراهنة، كإعلان الحركة الشعبية بقيادة مشار عن موقفها الرافض للحوار الوطني والتركيز على إنفاذ برنامج الحكومة، باعتبار أن اتفاقية السلام شملت كل الجوانب التي تناولها أجندة الحوار الوطني، وكانت عبرت الحركة الوطنية الديمقراطية بقيادة لام أكول عن رفضها للأسباب ذاتها. كذلك غياب القوى غير الموقعة على اتفاقية السلام، والتي تتفاوض الآن مع الحكومة الانتقالية في مدينة روما الإيطالية تمهيدًا لمشاركتها في السلطة.

إن مقاطعة القوى الحزبية المعارضة المشار إليها أعلاه، تسهم في عرقلة ما توصل إليه المؤتمرين في الحوار الوطني، لانتفاء شرط الشمولية (Inclusivity)، ووسط إصرار مناصري الحوار الوطني من تياراتٍ مشاركة في الحكومة على إهمال ملاحظات هذه القوى، نظير التباين في الأولويات، أيهما أحوج إليه في الوقت الراهن، تنفيذ مخرجات الحوار الوطني أم اتفاقية السلام؟ فقد جربت هذه الثنائية من قبل، أبان مفاوضات سلام أغسطس 2015، حيث رأي وقتها فريق منظمة الإيقاد أن رعاية الحزب الحاكم في تنزانيا لمسار في وقت رعايته لوساطة بين نفس الأطراف المتحاربة يقوض مساعي مفاوضاتها، وبررت الحكومة التنزانية بأنها تعمل وفق فرضية أن توحيد الحزب يؤدى لاستقرار بلادنا، لأن انقسام الحركة الشعبية أدت للحرب، بالفعل نجح المسارين في حمل الأطراف على توقيع اتفاقيتي، أورشا وسلام آب/أغسطس 2015، بيد أن أيًا من هذين المسارين لم يحققا الاستقرار، بذلك يمكننا قول الشيء ذاته حيال مبادرة الحوار الوطني الرئاسية.

إن غياب الشمولية، سواء كان في احتجاج القوى السياسية الأخرى أو مقاطعة البعض منها، إحدى نقاط ضعف هذا الحوار، وسببًا رئيسيًا لفشله من وجهة نظرنا، وفي هذا الصدد، من الصعوبة التفاؤل بإمكانية قيام الحكومة الانتقالية بتنفيذ مخرجات مبادرة الحوار الوطني، على الرغم من شمول بيانها الختامي إلى جملة من التوصيات، حيث لم تفعل الحكومة الانتقالية أي جديد منذ تشكليها في شباط/فبراير من هذا العام. فما زال أطرافها يتفاوضون على غنائم السلطة في المستويين الاتحادي والولائي، أيضًا في المستويات الإدارية الأدنى في المقاطعات، دون مراعاة ذات السلطة الانتقالية احتياجات الشعب، واتخاذ التعنت وتكتيك المناورات التنظيمية في ظل التجاهل التام للشعب. في تقديرنا، أن المعضلة الأساسية التي تواجهنا هي غياب الإرادة السياسية للنخبة الحاكمة، جراء رفضها المستمر للإصلاحات العامة الموقع عليها في جميع اتفاقيات السلام.

أقر أنجلو بيدا بفشل حزب الحركة الشعبية الحاكم في الالتزام والوفاء لشعارات الحرية والحقوق الدستورية

ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى هو إتاحة الحريات العامة وحرية العمل المدني المنظم وإشراك المجتمع بفئاته المختلفة، حتى لا تصبح المحصلة النهائية تسوياتٍ نخب تتشارك السلطة والثروة. فسوء قيادة الحركة الشعبية ودورها الكبير في الفشل المؤسساتي وتداعياتها على مشروع بناء الدولة، وقد انتقلنا من مشروع بناء الدولة إلى ما هو أدنى منه بكثير، باتباع توافقيات المصالح الذاتية واقتسام السلطة والثروة، والتي بلا شك، إحدى إخفاقات ذات النخبة التي تدعي تمثيلها الدولة ومؤسساتها، وهي الحقيقية التي أقر بها السيد أنجلو بيدا الرئيس المشارك في لجنة الحوار الوطني التنفيذية، في كلمته في إحدى الجلسات الختامية للمبادرة، إذ أقر بيدا بفشل حزب الحركة الشعبية الحاكم في الإخلال بالالتزامات وعدم الوفاء لشعارات الحرية والحقوق الدستورية ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، منذ مجيئه إلى السلطة بتوقيعه اتفاقية نيفاشا عام 2005.

تخبرنا التجارب الإفريقية المعاصرة في نموذجي رواندا وسيراليون، أهمية إحلال السلم المجتمعي في مرحلة ما بعد الصراع المسلح. ونجد في كلتا الحالتين اتخاذ قضايا العدالة الانتقالية، بالمزاوجة بين الآليات القضائية وغير القضائية النابعة من تجارب هذه المجتمعات والأسس القانونية الحديثة. وفي هذا السياق، حين نتأمل في تجرب سيراليون على سبيل المثال، جرى فيها إنشاء محاكم قضائية اشتركت سيراليون مع الأمم المتحدة، وعملت حكومتها على تنفيذ ما نصّ عليه اتفاق لومي للسلام عام 1999، بتكوين لجنة للحقيقة والمصالحة، التي قامت بعمل جيد في تحقيق السلام الاجتماعي منذ 2002. أيضًا في المسار ذاته، خطت رواندا خطوات متقدمة، عن طريق دمج الوسائل القضائية وغير القضائية، حيث أسست محاكم دولية مختلطة في مدينة أروشا التنزانية لمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة وانتهاكات حقوق الإنسان، كذلك شرعت في إنفاذ برامج عدالة انتقالية غير قضائية مدعومة شَعْبِيًّا مستمدة من تراثها الغني، عرفت بمحاكم الغاشاشا التي تم إنشائها عام 2001، وعبر اعتراف الجناة أمام ذوي الضحايا وطلب العفو والسماح منهم. نجحت الآليتين في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها، حتى صارت نموذجًا في إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ما بعد الصراع.

تبين التجارب الإفريقية حاجة جوبا لنخبة وطنية تسعى للعمل الجاد، وتنفيذ اتفاقية السلام كما جاءت نصًا وروحًا

تبين التجربتان السابقتان، حاجتنا لنخبة وطنية تسعى للعمل الجاد، أولًا تنفيذ اتفاقية السلام كما جاءت نصًا وروحًا، قضايا الحكم والسلطة والثروة، إضافة إلى قضية بنود العدالة الانتقالية، من إنشاء لجان الحقيقية والمصالحة والمسار القضائي لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، كما أقرتها اتفاقية سلام سبتمبر 2018. وبعبارة أخرى، الأخذ بالآليتين القضائية وغير القضائية، إذ إنه بغير ذلك، ستدور النخبة السياسية والعسكرية في فلك اجترار سردية الأحداث السابقة، الأنا ضد الآخر، وحشد الذهنية الجماعية لذوي الضحايا من أجل الانتقام، مثلما حدث في الصراع الحالي.

اقرأ/ي أيضًا

التعليم العالي تؤكد استمرار معاملة الطلاب اليمنيين أسوة بالسودانيين

أمين هيئة الأنصار لـ"الترا سودان": رئيس حزب الأمة لن يكون إمامًا للأنصار