11-نوفمبر-2019

عناصر من الشرطة السودانية أمام النيابة بالخرطوم (Getty)

تتردد شكاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن حالات مختلفة من قصور في عمل الشرطة وتقاعسها عن أداء دورها، ويورد المدونون حالات عديدة لم يتم التعامل معها من قبل الشرطة رغم التواصل معها، ويشير البعض إلى الغياب عن الشوارع من قبل شرطة المرور كمثال على حالة عدم تفاعلها منذ سقوط النظام، وسط شعور عام ومعلومات مغلوطة عن عدم قدرة رئيس الوزراء على تصحيح الأوضاع باعتبار أن القوات النظامية تتبع للمجلس السيادي، وأنه لا سبيل للقيام بأي إصلاحات في هذا الجهاز الهام نسبة لما تضمنته الوثيقة الدستورية أعطت حق ابتدار القوانين للقوات النظامية وهذه معلومات مغلوطة كما سيبين مرورنا على الوثيقة الدستورية أدناه.

الوثيقة الدستورية لم تمنح المجلس السيادي أي صلاحيات تتصل بقوات الشرطة عدا ترشيح وزير الداخلية

ما الذي تقوله الوثيقة الدستورية؟

• أولًا: نصت الوثيقة الدستورية في باب أحكام متنوعة المادة (٧٤) على الآتي:

باستثناء السلطات والصلاحيات الممنوحة لمجلس السيادة بموجب هذه الوثيقة الدستورية، تؤول كل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية ذات الطبيعة التنفيذية الواردة في أي قانون ساري لرئيس مجلس الوزراء.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام الجديد في ملحمة الثورة السودانية

وبما أن الوثيقة لم تمنح المجلس السيادي أي صلاحيات أو سلطات تتصل بقوات الشرطة عدا سلطة ترشيح وزير الداخلية، فإن لرئيس الوزراء كامل السلطات الواردة بقانون الشرطة.

• ثانيًا: نصت الوثيقة الدستورية نفسها فيما يتعلق بقوات الشرطة في البند (٣٦) (١) على أن:

"قوات الشرطة قوات نظامية قومية لإنفاذ القانون، وتختص بحفظ الأمن وسلامة المجتمع، وتخضع لسياسات وقرارات السلطة التنفيذية وفق القانون". وبالتالي فإن المسؤولية تنعقد لرئيس ومجلس الوزراء فيما يتعلق بشئون وزارة الداخلية.

قانون الشرطة المعمول به حاليًا

• ثالثًا: بموجب قانون الشرطة للعام (٢٠٠٨) فقد آلت كل صلاحيات رئيس الجمهورية كقائد أعلى لقوات الشرطة لرئيس الوزراء حيث يرد في الفصل الخامس من قانون الشرطة لعام (٢٠٠٨) البند الأول:

"تكون قوات الشرطة تحت القيادة العليا لرئيس الجمهورية".

• رابعًا: يتبع وزير الداخلية مباشرة للسلطة التنفيذية، ويستطيع مجلس الوزراء مجتمعًا، أو ممثلًا في رئيسه محاسبته على قصوره وتوجيهه، وإصدار القرارات المنظمة لعمل الشرطة، بما في ذلك عزله عن منصبه، ويبقى أمر ترشيح الوزير من اختصاص مجلس السيادة.

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. تاريخ السلطة ومستقبل الديمقراطية (2-2)

منصب المدير العام للشرطة

المشكلة التي تواجه رئيس الوزراء الحالي فيما يتعلق بوزارة الداخلية لا تتعلق بالوزير، المشكلة هي أنه مع تعاقب وزراء داخلية من خارج حزب المؤتمر الوطني البائد دفعهم ذلك لإجراء تعديل رئيسي لإبقاء قوات الشرطة تحت سيطرتهم، فقد تضمن الفصل الخامس من قانون الشرطة لعام (٢٠٠٨) حول قيادة الشرطة واختصاصاتها الذي أشرنا إليه أعلاه في البند الرابع ما يلي:

"مع عدم الإخلال بإشراف الوزير المنصوص عليه في البند (٢)، تكون قوات الشرطة تحت القيادة المباشرة للمدير العام، ويكون مسئولًا لدى الوزير عن حسن أدائها وتصريف الشئون المتعلقة بها".

وبذلك أصبحت صلاحيات قيادة الشرطة كلها عند مدير عام الشرطة، وأصبح الوزير يقوم بدور تنسيقي بين قوات الشرطة ورئاسة الجمهورية، وهذه هي المعضلة الحقيقية التي تواجه رئيس الوزراء، فهل يمكن معالجة هذا الوضع المختل؟

اقرأ/ي أيضًا: الحقّ في الفوضى

نعم. يمكن ذلك وفق معالجة قانونية سليمة وتنسجم مع الوثيقة الدستورية، فبحسب القانوني الضليع معز حضرة الذي تواصلت معه، بإمكان رئيس الوزراء أن يقوم بتغيير مدير عام الشرطة ويترك الوزير في موقعه، فإن فعل ذلك يكون أمر الشرطة قد تمت السيطرة عليه وخرج من معطف النظام البائد، فمدير عام الشرطة أشبه بوكيل الوزارة في الجهاز التنفيذي الذي يملك رئيس مجلس الوزراء تعيينه أو فصله.

على رئيس الوزراء تعيين مدير عام للشرطة من الكفاءات الوطنية

وبعد. يصبح من المهم وبشكل عاجل وفي إطار تفكيك التمكين ورموزه أن يتم إجراء تعديل جوهري وعميق في جهاز الشرطة، وكما بينا يملك رئيس الوزراء كامل الصلاحية في ذلك.

ولعله من الجدير بالاقتراح أن تتم هذه المسألة بالتفاهم بين رئيس الوزراء ووزير الداخلية لضمان التعاون المستقبلي بين المسؤولين، فإن تعذر ذلك يقوم رئيس الوزراء باستخدام سلطاته وتعيين من يراه مناسبًا للمنصب، وأرى أن يتم ذلك بإعادة أحد مفصولي الصالح العام من كوادر الشرطة المقتدرين الوطنيين ذوي الخبرة بالشؤون العسكرية والمهنية، على أن يتم ذلك بالتفاهم مع تنظيم الضباط المفصولين تعسفيًا من الخدمة العسكرية.

كما لا بد أن يتم وبشكل عاجل أما تشكيل اللجان الاستشارية للوزارات من الخبرات المهنية من مفصولي الصالح العام وأصحاب الخبرات، أو يتم تشكيل هيئة استشارية لمجلس الوزراء تضم كفاءات قانونية وإدارية، فذلك كفيل بمساعدة الوزراء على استيعاب الصلاحيات الممنوحة لهم واستخدامها في تفكيك مفاصل التمكين وتطوير وإصلاح الخدمة المدنية وجهاز الدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا

الحرية والتغيير.. الانتقال لخانة التحالف الحاكم؟

دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق سلام مستدام