أجبرت الحرب الدائرة في السودان ملايين السودانيين مغادرة منازلهم وديارهم، حيث احتضنت تشاد الجارة العديد من الفارين من جحيم الحرب غربي البلاد.
وبلغ عدد اللاجئين السودانيين في تشاد حوالي (450) ألفًا، وذلك منذ اندلاع حروب دارفور وحرب 15 نيسان/أبريل، وفقًا لتقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي بالسودان.
وتتوزع معسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد على مناطق أدري وفرشنا وحجر حديد وأبو تنقي ومجي وظابوط وتنقوري وعركم وعلاشة وقنقر وتريجن وبريجن وقاقا وقوز بيضة، إلى جانب لاجئين في مناطق أبشي وإنجمينا خارج المعسكرات.
تدفق اللاجئين السودانيين إلى تشاد مستمر يوميًا من مدن وأرياف دارفور المختلفة، وزادت وتيرته بعد سريان معلومة الهجوم على الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور
تدفق اللاجئين إلى تشاد مستمر يوميًا من مدن وأرياف دارفور المختلفة، وزادت وتيرته بعد سريان معلومة الهجوم على الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور. وسجِلَت القوات المسلحة سابقة لم يشهدها السودان من قبل، حيث لجأت حامية عسكرية كاملة بكل عتادها العسكري ومركباتها إلى دولة تشاد في اليوم الثاني من سقوط الفرقة (21) في الجنينة بأيدي قوات الدعم السريع التي تُتهم بارتكاب انتهاكات وصفتها جهات رسمية بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وانسحبت حامية الجيش من منطقة كلبس في أقصى شمال غرب دارفور إلى الأراضي التشادية.
وتُعَدُّ منطقة أدري الشادية المركز الرئيسي لوصول اللاجئين السودانيين، وهي بمثابة مركز تجميع وتسجيل، ثم يتم توزيعهم على المعسكرات التي تبعد نسبيًا عن المدينة، حيث يبعد معسكر أبوتنقي (40) كيلومترًا، ومجي (68) كيلومترًا، وعلاش (90) كيلومترًا عن مركز المدينة في أدري.
مخاطر أمنية
ووصف مفوض العون الإنساني في محلية مورني التابعة لولاية غرب دارفور اللاجئ إبراهيم محمد عبد الله أوضاع اللاجئين بـ"السيئة"، حيث قال إبراهيم إنه تم إخطار اللاجئين في منطقة أدري هذه الأيام بترحيلهم إلى معسكر علاش. وحزم اللاجئون حقائبهم وهدموا مساكنهم، إيذانًا بالرحيل إلى المقر الجديد، ولم يتم ترحيلهم حتى الآن، فهم يتواجدون في العراء منذ أكثر من ستة أيام بدون سكن ولا ظل.
وحسب الناشط الحقوقيٍ كمال الزين، يواجه اللاجئون مخاطر أمنية في عملية جلب الماء والاحتطاب، ويتعرضون لسرقات باستمرار، ولا يوجد استجابة سريعة لمطالب ترحيلهم إلى مناطق آمنة. ونبه الزين إلى التلاعب في إرساء العطاءات للشركات التي تقوم ببناء المساكن، حيث أن جميع المساكن غير مطابقة للمواصفات ولا تصمد في وجه الرياح والأمطار.
السكن والغذاء والماء
وقال إبراهيم محمد عبد الله إن حصة الغذاء لكل لاجئ تشمل كمية قليلة من الذرة والزيت والعدس، يتم صرفها كل شهرين، وهي غير كافية ولا تغطي حاجتهم الحقيقية، فضلًا عن أن معظمهم غير مسجلين، لذا يتقاسمون الحصة مع إخوانهم.
وبحسب إبراهيم، لا توجد مصادر مياه خاصة بمعسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد رغم الكثافة السكانية العالية، حيث يتم جلب الماء من أماكن بعيدة، ويستغرق ذلك يومًا كاملًا، حيث يحملون أواني الماء على رؤوسهم، ويقع العبء الأكبر على النساء والأطفال.
وقال إبراهيم إنه لا يوجد سكن يمنح للاجئين فور وصولهم إلى تشاد، حيث يتعين عليهم بناء سكنهم بطريقتهم الخاصة دون تقديم أي مساعدة من المنظمات. في الوقت نفسه، يُمنَع قطع الأشجار في تشاد، حيث قضى اللاجئون فصل الخريف بأكمله في العراء.
وأشار كمال الزين إلى أن المساكن الممنوحة للاجئين غير مطابقة للمواصفات، وتنهار فور بنائها لأنها غير مقاومة لمخاطر الطبيعة مثل الرياح والأمطار.
إن اللاجئين السودانيين في تشاد يعانون من صعوبات في الحصول على الكساء، ولا يمتلكون ملابسًا أو فرشات أرضية، ويضطرون للاستلقاء على الأرض ويتغطون بالسماء، فهم لا يملكون بطاطين مع دخول فصل الشتاء القارس.
نقص في الخدمات
وتعاني معسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد من نقص حاد في الخدمات الصحية، حيث أسس أطباء سودانيون "مبادرة الأطباء السودانيين في تشاد"، وذلك لتقديم الخدمات العلاجية للاجئين. فتحت المبادرة مركزًا علاجيًا بالمعسكر، وكان يتكون من مستشفى ميداني بجوار مركز آخر أقامه متطوعون وكوادر طبية. وتوقف المركزان عن العمل بعد خدمة استمرت ثلاثة أشهر بسبب نقص الإمدادات الدوائية وتوفيق أوضاع الكوادر الطبية من حيث السكن والغذاء.
وتأتي موارد المبادرة من الهبات والتبرعات التي وردت استجابةً لنداء المبادرة للخيرين. وقد وصف طبيب عضو في مبادرة الأطباء السودانيين في تشاد فضل حجب اسمه - وصف الوضع بـ"البائس"، وأشار إلى حاجة ماسة للإمدادات الدوائية والمعدات الطبية.
وقال الطبيب الذي فضل حجب اسمه، لـ"الترا سودان"، إن عددًا كبيرًا من المرضى هم جرحى مصابون بطلق ناري ولم يتلقوا العلاج والعناية اللازمة.
وأضاف الطبيب في حديثه لـ"الترا سودان": "تدخلت منظمة أطباء بلا حدود لإجراء العمليات الجراحية في مستشفى أدري، لكن لم تتم عمليات العظام بسبب نقص المساطر، التي طُلِبَت ولم تصل حتى الآن".
الأوبئة
ودق الطبيب ناقوس الخطر بانتشار الأوبئة داخل المعسكرات، ومنها الحصبة والاسهالات المائية وسط الأطفال، وظهور التهابات مجهولة لسوء البيئة الصحية. وقال إنهم لا يستطيعون الإفصاح عن الأوبئة احترامًا للبلد الذي يتواجدون فيه، مبينًا أن أكثر الأمراض ترددًا هي الملاريا وسوء التغذية بجانب فقدان الحوامل لعملية المتابعة الدورية.
وتابع الطبيب: "يوجد مصابون بأمراض مزمنة مثل السكري والضغط وأمراض القلب والكلى لا يحصلون على العلاج لعدم توفره".
ووفقًا للطبيب، يوجد داخل المعسكرات عشرات المصابين بالصدمات النفسية مقيدين بالحبال، ويحتاجون إلى اختصاصيين نفسيين للخروج من الصدمة. وزاد: "إنهم يشكلون عبئًا كبيرًا على أهلهم من ناحية توفير الرعاية المطلوبة".
وعلى صعيد متصل، ناشد إبراهيم المنظمات، وعلى وجه الخصوص برنامج الأغذية العالمي ومنظمة أطباء بلا حدود والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين - ناشدهم بسرعة توفير الغذاء والكساء والدواء والسكن وسبل كسب العيش للاجئين.
إحصائيات اللاجئين السودانيين
وبحسب آخر تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، نزح أكثر من (6.6) مليون شخص داخل السودان وخارجه منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وقتل أكثر من (12190) شخصًا منذ اندلاع القتال في منتصف نيسان/أبريل 2023. وتم التعرف على (80) طفلًا من بين الأشخاص الذين اعتقلتهم قوات الدعم السريع في أردمتا، غرب دارفور. وقال التقرير إنه لم يتم تمويل نداء خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2023 إلا بنسبة (38.6)% حتى السابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري.
يبلغ عدد اللاجئين السودانيين في تشاد حوالي (452) ألف شخص، يعيش معظمهم في معسكرات اللجوء في ظروف معقدة
ويبلغ عدد اللاجئين السودانيين في تشاد حوالي (452) ألف شخص، يعيش معظمهم في معسكرات اللجوء في ظروف معقدة، حيث يواجهون مخاطر أمنية عالية وانتشارًا للأوبئة في ظل النقص المريع في الخدمات.