05-نوفمبر-2019

وزير المالية إبراهيم البدوي في واشنطن (Getty)

بعد طول ترقب من قبل الشارع السوداني لنتائج رحلة وزير المالية إبراهيم البدوي الطويلة إلى واشنطن أفصح الوزير للرأي العام المترقب نتائج الزيارة، عن اتفاق مع "مجموعة أصدقاء السودان" لتمويل موازنة 2020 عبر عشرين مشروعًا تم التوافق عليها.

ارتكزت اجتماعات واشنطن على شرح برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد الكلى والجهاز المصرفي، بالإضافة إلى العمل للانتقال الاقتصادي

اجتماع واشنطن وعقبة قائمة الإرهاب

وقال الوزير في تصريحات صحفية أمس أعقبت عودته أنه شارك في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين، وأعلن عن حاجة السودان الماسة لمساعدة أصدقائه في معالجة اختناقات الحالة المعيشية للمواطن السوداني، طالبًا منهم مساعدة السودان في موازنة العام المقبل.

وكشف أن اجتماعات واشنطن ارتكزت على شرح برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد الكلي والجهاز المصرفي، بالإضافة إلى العمل للانتقال الاقتصادي. وكيفية جدولة الديون ومتأخراتها كاشفًا عن انعقاد جولات تفاوض مع الدائنين في كانون الأول/ديسمبر 2019 وآذار/مارس 2020. لإيجاد حلول لديون السودان التي فاقت 50 مليارًا من الدولارات، من جملة 16 مليارًا هي أصل الدين.

اقرأ/ي أيضًا: أي إعلام يريد السودان بعد ثورته؟

وقال البدوي أن "موازنة 2020 سيتم تمويلها من أصدقاء السودان" وأنها ستعتمد على أهداف التنمية المستدامة، وتعنى بالتركيز على التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية وتستند على تثبيت الاقتصاد الكلي والاعتماد على الموارد المتاحة، وتقوية السياسة النقدية وتثبيت سعر الصرف باعتباره شرطًا أساسيًا لتنافسية الصادرات الوطنية.

وأشار إلى تفعيل عملية سداد متأخرات ديون السودان بواسطة البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، بجانب إعفاء الديون قبل العام 2020 م ليصبح السودان دولة مستحقة للاستفادة من التمويل، معلنًا عن انعقاد اجتماعين لأصدقاء السودان. 

وفي تزامن مع نهاية زيارة الوزير البدوي لواشنطن، قررت الإدارة الأميركية، تمديد حالة الطوارئ الوطنية للولايات المتحدة تجاه السودان. وعزا الرئيس الأميركي القرار "للإجراءات والسياسات التي تنتهجها الحكومة السودانية، والتي لا تزال تشكل تهديدًا استثنائيًا وغير عادي للأمن القومي، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"

اقرأ/ي أيضًا: تحالف معارضة جنوب السودان.. الصراع على غنيمة نائب الرئيس

تعقيدات في مواجهة اقتصاد البلاد

ويرى خبراء اقتصاديون أن قرار تمديد العقوبات الأمريكية والحصيلة المتواضعة لنتائج زيارة الوزير السوداني التي استغرقت ثلاثة أسابيع، مع المؤسسات والصناديق المالية الدولية، تكشف عن تعقيدات عديدة ستجابه عملية الاصلاح الاقتصادي التي تأمل الحكومة الانتقالية في تطبيقها، أبرزها الموقف الامريكي تجاه قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

 وبحسب خبراء اقتصاديين استطلعهم "الترا سودان" فإن التعقيدات تأتي من موقف المسؤولين الأمريكيين ورؤيتهم المختلفة للوضع السياسي في السودان. وبات مفهومًا لحكومة حمدوك أن لأميركا موقفًا سياسيًا غير معلن من قضية رفع العقوبات، حيث لم تبد الإدارة الامريكية أي حماس لرفع اسم السودان بعد من قائمة الدول الراعية للإرهاب في الوقت الراهن، الأمر الذي يمكن أن يفهم في إطار يخص الأعمال الروتينية للإدارة الأمريكية، إذ لا يمكن ربطه بتوجه استراتيجي للإدارة الأمريكية. إلا أنها في ذات الوقت لم تقم بأي دور تجاه تسوية ديون السودان.

اقرأ/ي أيضًا: تجمع المهنيين السودانيين.. "الشراع" يواجه عواصف الخلافات الداخلية!

الموقف الأمريكي تجاه السودان، والذي كان مفاجئًا لبعض التوقعات التي ذهبت إلى أن واشنطن ستشرع بعد سقوط نظام البشير المعادي في تغيير سياستها تجاه الخرطوم، ربما حمل الوزير لاتخاذ استراتيجيات متعددة في عملية التفاوض مع المؤسسات المالية. ويمكن قراءة هذا التوجه من خلال تصريحات التي أكد فيها أن عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي استندت إلى شرح أسس على خطة تستهدف إصلاح الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة والجهاز المصرفي، بالإضافة إلى العمل للانتقال الاقتصادي، وهو ما يعني بلغة الاقتصاد "هيكلة" جديدة للدعم تنتقل من دعم السلع إلى دعم المواطن، رغم العواقب المعروفة لهذا النهج الاقتصادي على المواطنين.

ويقول الخبير الاقتصادي الساري الضي "لالترا سودان" أن التعقيدات السياسية وبيروقراطية المؤسسات المالية التي تهيمن على قرارها واشنطن، وسياسة حكومة ترامب الخارجية تجاه الخرطوم أصبحت عقبة كأداء أمام  الوزير، وربما تدفعه للتفكير في خيارات أخرى منها التوجه إلى الصناديق المالية العربية والإسلامية لطلب الدعم "الطارئ" لخطته لإنقاذ الاقتصاد وإنعاشه.

وأضاف الضي "أن الوزير شرح  لتلك الصناديق، حاجة البلاد التي تقدر بثلاثة مليار دولار، لتوفير حاجة البلاد من السلع ولتثبيت سعر الصرف "المتقلب" الذي يمنع وضع أي خطط استراتيجية" وبحسب الساري فإن هذه الخطة ربما اصطدمت بمعوقات متعددة، ما يجعل الوزير يتجه إلى الاتفاق مع الصناديق على تمويل مشاريع اقتصادية وتنموية بالداخل، وهو ما مثله الاتفاق على تمويل عشرين مشروعًا.

ويؤكد الساري أنه يجب على البدوي الابتعاد عن التمويل الخارجي ذي الفوائد العالية، وتطوير خطط لحشد قدرات المواطنين ورجال الأعمال السودانيين والخبراء الاقتصاديين الوطنيين.

اقرأ/ي أيضًا: وساطة أمريكا في سد النهضة.. هل تُبعد خيار المواجهة العسكرية؟

التوجه إلى الجوار

وفي هذا تتفق رؤية الساري مع الخبير الاقتصادي ووزير الدولة السابق التجاني الطيب، الذي أشار في سلسلة من مقالات سابقة إلى أن البديل المتاح هو التوجه إلى الدول الخليجية لطلب الدعم، بعيدًا عن المؤسسات الدولية مع أولوية إعلاء المصلحة الوطنية والتركيز على برنامج إصلاح اقتصادي متسوط المدى يغطي فترة الحكومة الانتقالية.

 خطة الوزير الاقتصادية التي تعتمد على صناديق الدعم والقروض الخارجية لم تنج من الانتقادات، الكثير من الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أنها أغفلت ملفات داخلية مهمة، مثل محاربة الفساد ومحاصرة تهريب الذهب وسياسة التجنيب والإصلاح الضريبي، ولم تحدد أي أهداف كمية تسعى لتحقيقها مثل رفع معدل النمو وغيره، كما أنها لم تول أي اهتمام لقضية ضبط الإنفاق الحكومي وخاصة (العسكري والأمني) الذي يبتلع نسبًا مهولة من الصرف الحكومي، وارتكزت على برامج ضعيفة كطلب تمويل برنامج الحماية الاجتماعية بعد الهيكلة المتوقعة للدعم وزيادة أجور العاملين.

وبحسب التجاني فإن تخصيص مليار ونصف من الدولارات لتمويل شبكة الحماية الاجتماعية المطلوبة للتحول من الدعم السلعي إلى دعم المواطن في العام 2020، لن يكون مفيدًا، مشيرًا إلى أنه يساوي حجم دعم المحروقات، فضلًا عن أنه ربما يدخل البلاد في صدمة تضخمية، خصوصًا وأن حجم المساعدة التي سيحصل عليها الفرد مخجلة وضعيفة إذ تساوي 13 جنيًهًا في اليوم.

الحاج وراق: هناك بدائل مثل الإصلاح الجذرية للمواصفات والمقاييس لإيقاف استيراد السلع غير المطابقة، ما سيوفر ما يقارب (30%) من ميزان المدفوعات

السياسي السوداني الحاج وراق، حذر خلال لقائه الأخير بصحيفة التيار، من نية الحكومة رفع الدعم، لافتًا إلى أن كلفته الاجتماعية والسياسية عالية. وطرح وراق خلال اللقاء بدائل منها إجراء إصلاحات جذرية في المواصفات والمقاييس لإيقاف استيراد السلع غير المطابقة للمواصفات، والتي سيوفر الاستغناء عنها ما يقارب 30% من ميزان المدفوعات الخارجية، وإطلاق حملة "الزيرو" فساد والبدء بإصلاح مؤسسات الدولة حتى لا تبتلع هذه المؤسسات المترهلة الأموال المجلوبة، وتنفيذ مشاريع للشباب قائمة على الشراكات. ويبدو وراق متفقًا مع الرأي بالتوجه نحو دول الخليج لحل الأزمة الاقتصادية، مذكرًا بضرورة عقد المؤتمر الاقتصادي القومي الذي يضم الخبراء الاقتصاديين السودانيين، وتضع على مائدته كل قضايا ومشاكل اقتصاد البلاد.

تبدو مهمة وزير مالية الحكومة الانتقالية صعبة إن لم تكن شبه مستحيلة في إنعاش اقتصاد البلاد، الذي يقع ما بين نير الدين الخارجي وسلطة مؤسساته الأجنبية، وبين الدعم الخليجي الذي قد يحمل اشتراطات خفية ربما تعارضت مع تطلعات الثوار وأهداف الثورة، فأيهما سيختار البدوي وأي طريق سيسلك، سؤال ما يزال الوقت مبكرًا للإجابة عليه.

 

اقرأ/ي أيضًا

فرنسا ماكرون ونادي باريس.. رهان "حمدوك" لإعفاء الديون

مصر والسودان.. آفاق النزاع الكبير حول كيفية التعامل مع سد النهضة