04-نوفمبر-2019

ممثل تجمع المهنيين وعضو لجنة الأساتذة أحمد ربيع (Getty)

خرج مجلس تجمع المهنيين السودانيين "الجسم الذي قاد الحراك الثوري في السودان" عن صمته، بعد حرب البيانات بين مكوناته، فبعد الضجة التي أثارها قرار مسجل تنظيمات العمل رقم (20)، وإعلان رفض القرار وما تكشف عن مشاركة بعض قيادات التجمع في إصداره من قبل سبعة أجسام، تصاعدت الأحداث على خلفية مذكرة داخلية سربت للرأي العام دفعت بها شبكة الصحفيين السودانيين الأيام الماضية، أسمتها "تصحيح المسار"، أجبرت الهيئة القيادية بالجسم المهني للتعبير عن أسفها للجماهير عن البيانات التي وصفتها بـ"المتناقضة"، وقال إنها تسببت في إرباك الرأي العام.

السبب الرئيس والمعلن للخلاف بين مكونات التجمع هو تجاوز القنوات التنظيمية في أتخاذ القرارات

تسريب مذكرة!

ومذكرة شبكة الصحفيين السودانيين "أحد الأجسام المؤسسة لتجمع المهنيين" التي تم تسريبها للرأي العام قبل إخضاعها للنقاش الداخلي، وبعد أن أودعتها في قروب بتطبيق "واتساب" خاص بمجلس التجمع، كانت قد طالبت بسحب الثقة عن سكرتارية التجمع، وتشكيل سكرتارية جديدة، بجانب تغيير ممثلي التجمع في المجلس المركزي في قوى إعلان الحرية والتغيير، بسبب فشلهم في التصدي لمهام العمل التنظيمي والتفاوضي والقيادي، واستبدالهم بعناصر جديدة يتم ترشيحهم من مكونات التجمع.

اقرأ/ي أيضًا: وساطة أمريكا في سد النهضة.. هل تُبعد خيار المواجهة العسكرية؟

تباين في المواقف

بدأت الخلافات تدب داخل أروقة تجمع المهنيين عقب سقوط النظام البائد في (11) نيسان/أبريل الماضي، وانخراط قوى إعلان الحرية والتغيير (الحليف السياسي للتجمع) في عملية التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي لتقاسم السلطة، في خضم حالة من الشد والجذب بين مكونات التجمع وصلت ذروتها أثناء تعليق المفاوضات من قبل الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين، عقب مجزرة القيادة العامة في الثالث من حزيران/يونيو، حيث أفضت تلك الحادثة المروعة لرفض قوى إعلان الحرية والتغيير التحالف السياسي القائد للثورة السودانية-التجمع شريك بالتحالف- للتفاوض مع المجلس باعتباره مسئولًا عن الحادثة، الإ بعد تحقق عدد من الشروط، وتلت تلك الأحداث مبادرات تنادي للعودة لطاولة المفاوضات أبرزها تلك التي وافق عليها الطرفان هي مبادرة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وأكتفى الجانبان بالمفاوضات غير المباشرة، إلا أن الوساطة الإثيوبية طالبت طرفي التفاوض بالعودة إلى اللقاءات المباشرة، وهذه المطالبة وجدت رفضًا من بعض مكونات تجمع المهنيين.

وزادت تجاوزات السكرتارية بحسب مذكرة شبكة الصحفيين، بتلبيتها دعوة تقدم بها رجل أعمال سوداني لتقريب وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، بجانب التوقيع على الاتفاق السياسي بين الجانبين في (17) تموز/يوليو دون أخذ آراء مكونات التجمع حوله، كلتيهما لم تطرح على طاولة مجلس تجمع المهنيين للموافقة عليهما.

قرار وزاري يفجر الأوضاع

جاء قرار مسجل تنظيمات العمل الذي قضى بانتهاء دورة الاتحادات المهنية 2014 إلى 2019، وتحول اللجان التنفيذية السابقة إلى لجان تمهيدية للقيام بأدوار الترتيب لعقد الجمعيات العمومية والانتخابات، على أن يضاف لها أربعة أشخاص يعينهم المسجل العام، الذي فجر الاوضاع داخل تجمع المهنيين وزاد من حدة الخلافات، لجهة أن لجنة المعلمين السودانيين، إحدى مكونات التجمع، هي من طالب الوزير بإصدار ذلك القرار بعد لقاءات عقدها مقرر تجمع المهنيين أحمد ربيع وبعض من قيادات لجنة المعلمين مع وزير العدل والمسجل.

اقرأ/ي أيضًا: تجمع المهنيين.. هل هوى النجم أم خفت بريقه؟

خلافات وجدل كثيف

ونتيجة للقرار الصادر من مسجل تنظيمات العمل قامت بعض مكونات التجمع بإصدار بيانات رافضة له، منها لجنة الصيادلة المركزية التي قالت في بيان لها "أن القرار هو تبني موقف مخالف لرؤية اللجنة ولموقف سبعة أجسام مهنية أخرى تصب في ذات الاتجاه"، وأضافت أنه لم يخضع للآلية المؤسسية في أتخاذ القرارات داخل مجلس تجمع المهنيين السودانيين، معلنين رفضهم لذلك، ومضت شبكة الصحفيين السودانيين في ذات الاتجاه، مؤكدة رفضها للقرار. ولم تكتف نقابة أطباء السودان الشرعية برفضها القرار، بل صوبت سهامها نحو مقرر تجمع المهنيين أحمد ربيع، مطالبةً بتشكيل لجنة تحقيق لمحاسبته وتعليق عضويته بسبب إعطائه الضوء الأخضر لذلك القرار، واعتبرت القرار تراجعًا وانحرافًا وأنه "لا يساوي الحبر الذي كتب به". وبعد تبادل الاتهامات والتراشق الإعلامي عبر البيانات بين مكونات تجمع المهنيين انخرط أعضاء مجلسه في اجتماع الأحد الماضي، خرج بقرارات منها إيقاف البيانات العدائية والمتضاربة كما نقل أسفه للجماهير لما حدث بين مكونات التجمع، ومعالجة الوضع في الإطار الداخلي.

جدل الوحدة والتشظي.!

ومع تداعيات تلك المواجهات المفتوحة انقسم الرأي العام في نظرتهم لها، ففي الوقت الذي اعتبر فيه الكثيرون أن تلك الخلافات التي خيمت على سماء الكيان النقابي أمر طبيعي وضروي لتطوير عمله وأدائه، وهي أمر يحدث في كل التنظيمات المهنية وبطرائق مختلفة، ويعد في خانة المراجعة وجرد الحساب الذي يصب في مصلحة تحقيق أهداف الثورة، والتي من بينها الشفافية، معتبرين أن قرارات التجمع ليس قرآنًا يقدس ويمكن مراجعتها وتصويبها. رأى أخرون أن هذا الصراع ليس مبدئيًا ويعود في الأساس لنزاع حول القيادة، ووصفوا من أثاروه بالانتهازية والسعي لتمزيق وحدة التجمع لتحقيق أهدافهم.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف معارضة جنوب السودان.. الصراع على غنيمة نائب الرئيس

ويستبعد عضو مجلس تجمع المهنيين عثمان أبو الحسن في حديثة لـ"الترا سودان" أن تؤدي تلك الخلافات لتفكك وتشظي التجمع، ويقول: "هناك تحديات تواجه مستقبل الكيان النقابي، لذلك يجب المحافظة على وحدة الجسم ليعبر بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان لأنه وعد الجماهير بذلك، ولا اتجاه في الوقت الراهن للتنصل عن وحدة تجمع المهنيين".

الخلافات هدفها القيادة

الخبير النقابي والعمالي محمد علي خوجلي أرجع الخلافات داخل تجمع المهنيين إلى صراعات الهدف منها الوصول للقيادة، للتأثير على الفترة الانتقالية، مضيفًا أن مكوناتها تعبر عن اتجاهات وليست لها قواعد، لذلك تجد أي مكون من تلك المكونات يريد أن يوحي للناس بأنه وفيّ للثورة.

ومضى خوجلي في تصريح لـ"الترا سودان" مفسرًا الوضع الراهن بتجمع المهنيين، بالقول: "إنه تنظيم حاكم ولا يمكن أن يحتكر النقابات لصالحه، والظروف التي جعلته قائدًا سياسيًا انتهت"، رافضًا سطوه-على حد تعبيره- على المشهد النقابي وجمعياته العمومية، وأضاف "إن أجسام تجمع المهنيين هي عبارة عن مبادرات وستظل مبادرات."

محمد علي خوجلي: الهدف وراء الخلافات هو الوصول لقيادة الجسم المهني ومن ثم التأثير على الفترة الانتقالية

يذكر أن تجمع المهنيين السودانيين هو كيان يضمّ أكثر من (14) مكونًا مهنيًا؛ تأسست خلال سنوات المواجهة مع النظام البائد، في مسعى لتجاوز النقابات والاتحادات المهنية الموجهة من والمؤيدة للنظام، لكنها لم تسجل رسميًا حينها بسبب الإجراءات الحكومية المجرمة لنشاطها، وقد ساهمت ثمانية منها في تأسيس تجمع المهنيين كجسم جماعي للتنسيق بينها، وظل التجمع يعمل في جبهة القضايا المهنية المطلبية، حتى اندلاع ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018، حيث كان التجمع وقتها قد دفع بمذكرة مطلبية للبرلمان تنادي بالحد الأدنى للأجور، قبل أن يعدل عنها مواكبة لحراك الشارع ويرفع شعار إسقاط النظام ويتقدم لتنظيم وقيادة الشارع الثائر، وهي المهمة التي نجح فيها باقتدار بحسب شهادة مراقبين. حينها استهل تجمع المهنيين بيان انتصار الثورة السودانية بمقطع من قصيدة "معتصم الأزيرق" طائر الأحلام التي لحنها وغناها الموسيقار السوداني محمد الأمين، وهو المقطع الذي يقول: "يا شراعًا أوصل الزورق للشاطئ فجرًا". فهل سينجح تجمع المهنيين السودانيين في فعلها مرة أخرى وينجو من عواصف وأنواء الخلافات الداخلية، ليصل الزورق للشاطئ فجرًا، أم أنها ستكون رحلته الأخيرة؟ هذا ما ستكشف عنه مقبلات الأيام.

 

اقرأ/ي أيضًا

فرنسا ماكرون ونادي باريس.. رهان "حمدوك" لإعفاء الديون

مصر والسودان.. آفاق النزاع الكبير حول كيفية التعامل مع سد النهضة