18-فبراير-2022

نور الدين محمد حامد ساتي ، أول سفير للسودان لدى الولايات المتحدة منذ عام 1997 ، استقال في 31 يناير للاحتجاج على الانقلاب العسكري في بلاده. (Photos by Victor Shiblie)

عندما وصل الدبلوماسي والمعلم السوداني المخضرم نور الدين محمد حامد ساتي إلى واشنطن في حزيران/ يوليو 2020 ، تم الترحيب به كأول سفير للخرطوم في الولايات المتحدة منذ (23) عامًا.

ومع ذلك، ثبت أن مهمة ساتي لم تدم طويلًا، ففي 31 كانون الثاني/ يناير أُجبر المسؤول السابق بالأمم المتحدة، البالغ من العمر (75) عامًا، على الاستقالة نتيجة الانقلاب العسكري في الوطن الذي أغرق السودان في أزمة سياسية وإنسانية.

ساتي: الوضع كارثي في السودان، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا السودان على طريق الانهيار

وقال ساتي لصحيفة واشنطن ديبلومات الأسبوع الماضي عبر Zoom: "الوضع كارثي"، وأضاف: "سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، من جميع وجهات النظر، السودان على طريق الانهيار".

يبلغ عدد سكان السودان (45) مليون نسمة، وتبلغ مساحته (2.7) ضعف مساحة ولاية تكساس، وهو ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث الحجم.

 كان السودان يحتل المرتبة الأكبر من حيث المساحة حتى عام 2011، عندما انفصل الجنوب الذي تسكنه أغلبية مسيحية عن الشمال ذي الأغلبية المسلمة، وشكل دولة جنوب السودان المستقلة.

ومع ذلك؛ فقد عانى السودان من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار في جزء كبير من تاريخه. منذ ما يقرب من (30) عامًا كانت البلاد بقيادة الرئيس عمر البشير، وهورئيس ديكتاتوري لا يرحم ومجرم حرب دولي، أُطيح به أخيرًا في أبريل 2019 بعد احتجاجات حاشدة من قبل الشارع السوداني الغاضب من إجراءات التقشف الطارئة والانخفاض الحاد في قيمة العملة.

منذ ذلك الحين؛ حكم المجلس السيادي لتقاسم السلطة - وهو تحالف غير مستقر بين الجماعات العسكرية والمدنية - السودان.

ولكن في 25 تشرين الأول/ أكتوبر2021، حل الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان الحكومة وأعلن حالة الطوارئ ووضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مؤقتًا تحت الإقامة الجبرية.

قال لنا ساتي: "لقد عارضت ذلك الانقلاب، ولهذا السبب لم أعد سفيرًا"، وأضاف: "اعتقدت أنه من الأفضل أن أترك منصبي، وأبلغت الحكومة الأمريكية بقراري".

كما أوضحت سي إن إن في مقال بعد يوم واحد من الانقلاب، "بموجب الاتفاق الذي أبرم في حزيران/يوليو 2019 -من قبل الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا ، إثيوبيا- سيكون المجلس العسكري مسؤولًا عن قيادة البلاد لمدة 21 شهرًا الأولى. وبعد ذلك ستحكم إدارة مدنية المجلس على مدى الأشهر الثمانية عشر التالية. لكنه ثبت أنه تحالف هش، توترت الحالة المزاجية المظفرة التي اجتاحت الأمة بعد الإطاحة بالبشير، مع تصاعد التوترات بين الجانبين بينما تقاتلوا للسيطرة الرئيسية على مستقبل الأمة ".

في الوقت الحالي، يدير القائم بالأعمال الخاص بساتي السفارة السودانية في شارع ماساتشوستس. مع سيطرة الجيش بالكامل، ليس واضحًا بعد ما الذي سيحدث مستقبلًا، لا سيما إلى أن إدارة بايدن لا تعترف بالنظام الحالي في الخرطوم، حيث تمت إعادة تنصيب حمدوك في وقت لاحق كرئيس للوزراء، لكنه استقال في 2 كانون الثاني/ يناير 2022، مع استمرار احتجاجات الشوارع.

أوضح ساتي: "هناك شد وجذب، مواجهة بين حكومة الأمر الواقع العسكرية والشعب في الشوارع، هذا هو السبب في أننا في هذه الفوضى الآن"، وقال مضيفًا: "سيستمر هذا ما لم يقرر الجيش الاستماع إلى صوت العقل والتفاوض مع المدنيين".

اقرأ/ي أيضًا: البرهان: مستعدون لتسليم السلطة في حال حدوث توافق وطني أو مجيء حكومة منتخبة

رغم الفوضى؛ لا يزال السودان يقدم "إمكانات هائلة"

يعرف ساتي شيئًا أو شيئين عن التفاوض، فقد كان أستاذًا للأدب الفرنسي سابقًا بجامعة الخرطوم، وعمل سفيرًا للسودان في فرنسا، ومعتمد لدى البرتغال وسويسرا والفاتيكان، وكان أيضًا مندوب السودان الدائم لدى اليونسكو.

بعد انضمامه إلى اليونسكو في عام 1996، أصبح مديرًا للبرنامج الإقليمي للوكالة، ومقره نيروبي، للتعليم في حالات الطوارئ وثقافة السلام ، وكذلك ممثل اليونسكو في جزر القمر وجيبوتي وإثيوبيا ومدغشقر وموريشيوس والصومال وتنزانيا.

في عام 2002، تم تعيين ساتي - الذي يتمتع بخبرة واسعة في الوساطة وحل النزاعات - نائبًأ للممثل الخاص للأمم المتحدة في بوروندي، حيث ساعد في إنهاء الحرب الأهلية في ذلك البلد.

وقال إنه لم يكن هناك سفير أمريكي مقيم في الخرطوم منذ 1997، ولم توافق واشنطن على قبول سفير سوداني في الولايات المتحدة إلا بعد الإطاحة بالبشير.

قال: "لهذا السبب جئت إلى هنا منذ حوالي 18 شهرًا"، وأضاف: "لكننا الآن عدنا إلى الوضع الذي يوجد فيه تمثيل دبلوماسي ولكن ليس على مستوى السفراء".

في ديسمبر 2020، رفعت إدارة ترامب اسم السودان من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب، كجزء من صفقة وافقت فيها الخرطوم على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. في ذلك الوقت؛ وقتها كانت هناك ثلاث دول فقط تعتبر دولًا راعية للإرهاب، وهي: إيران وسوريا وكوريا الشمالية، على الرغم من إعادة كوبا - التي أزيلتها إدارة أوباما من القائمة في عام 2015 - خلال الأسبوع الأخير لترامب في منصبه.

وقال ساتي إن شطب السودان من القائمة السوداء كان له "تأثير كبير" على العلاقات الثنائية.

ساتي: عدنا إلى الوضع الذي يوجد فيه تمثيل دبلوماسي ولكن ليس على مستوى السفراء

وأوضح السفير السابق: "لقد فتح الطريق أمام السودان لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، والاستفادة من الدعم المالي والسياسي، وكذلك لبدء عملية الإعفاء من الديون"، مشيرًا إلى أن بلاده كانت منبوذة دوليًا منذ عقود.

وبالنسبة لموضوع الديون قال ساتي: "كنا على المسار الصحيح مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي ونادي باريس، وفي غضون العامين المقبلين؛ كان من الممكن إعادة التفاوض بشأن معظم ديون السودان وربما يتم التنازل عنها. كان من شأن ذلك أن يرفع عبئًا ثقيلًا عن الاقتصاد السوداني. كنا على طريق التطبيع الكامل، ولكن الآن انتهى كل هذا، لقد عدنا إلى المربع الأول ".

قال راحيل غيتاتشو ، مؤسس Afrolehar Branding ، وهي شركة علاقات عامة واتصالات متعددة الثقافات مقرها واشنطن، أنه: "على الرغم من أن السودان في حالة اضطراب حاليًا، إلا أنه يوفر فرصًا كبيرة للاستثمار الأمريكي في الموارد الطبيعية مثل الذهب والألمنيوم والنيكل، فضلا عن الزراعة".

وأشار غيتاتشو إلى أن السودان به أكثر من (150) مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، كما أنه يتمتع بإمكانيات هائلة للطاقة الشمسية. وقال: "يجب ألّا تعمل السفارات السودانية في جميع أنحاء العالم على المشاركة السياسية فحسب، بل على الدبلوماسية والاقتصادية أيضًا، لتثقيف المستثمرين والقطاع الخاص حول قطاعات الزراعة والنقل والتصنيع في السودان".

معضلة السودان مع إسرائيل: تطبيع كامل ولكن بأي ثمن؟

نقطة مضيئة أخرى محتملة للسودان يمكن أن تكون التطبيع والتجارة مع إسرائيل، الدولة التي كانت تعتبرها ذات يوم عدو لدود. كان دعم السودان لمنظمة التحرير الفلسطينية موثقًا جيدًا على مر السنين. حيث اجتمعت جامعة الدول العربية الشهيرة في عام 1967 وتبنت "اللاءات الثلاث"، لا سلام مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل.

لذا؛ فإن ما هو أكثر سخرية أن السودان من بين جميع البلدان، وافق على التطبيع مع الدولة اليهودية. في الواقع، كان من المفترض أن يأتي حمدوك إلى واشنطن قبل عام للتوقيع على الاتفاقيات، لينضم إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في صنع السلام مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: اللجنة العسكرية العليا تدعو كافة الأطراف للتوقيع على اتفاق سلام جوبا

قال ساتي بهذا الصدد: "أعرف لأنني كنت جزءًا من هذا، كنت الرابط مع الإدارة"، وأضاف: "لسوء الحظ، لم يتمكن من الحضور بسبب مشاكل في الجدول الزمني. كانت أفغانستان تحتل الإدارة، لذلك تم تأجيل التوقيع إلى أكتوبر. لكن ذلك لم يحدث، بسبب حدوث الانقلاب. لقد غير ذلك كل شيء".

بالرغم من ذلك بدأ الجيش السوداني تطبيع العلاقات مع إسرائيل من تلقاء نفسه، وهي علاقة انطلقت في اجتماع في 2019 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو والبرهان.

وتواصلت الاجتماعات السرية، كما يتضح من تقرير بتاريخ 9 شباط/ فبراير في صحيفة تايمز أوف إسرائيل؛ يكشف أن مسؤولًا رفيعًا في الحكومة السودانية يزور تل أبيب حاليًا.

وحذر ساتي من أن مثل هذا النهج يمكن أن يأتي بنتائج عكسية بالنسبة لإسرائيل: "كما قلت دائمًا للمنظمات اليهودية هنا، من مصلحة إسرائيل أن تأتي إلى السودان من الباب الأمامي، مع شعب السودان، وليس الجيش السوداني، الذي هو بالنسبة لي الباب الخلفي. وقال إن هذه العلاقة لن تكون مستدامة لأنه لن يكون هناك استقرار في السودان في ظل الحكم العسكري.

وتابع: "نصيحتي لإسرائيل هي إعادة النظر في موقفها ومحاولة إصلاح العلاقات مع الشعب السوداني وليس مع الجيش". مضيفًا أن: "التطبيع العسكري والأمني ​​الفريد مع السودان لا يفي بمتطلبات الاتفاقية، والتي تتعلق بالشراكة والتعاون والعلاقات بين الناس والسلام".

في غضون ذلك، قال ساتي إنه سيبقى في الولايات المتحدة، ولكن لا خطط لديه لطلب اللجوء السياسي هنا.

غيتاتشو: السودان يوفر فرصًا كبيرة للاستثمار الأمريكي في الموارد الطبيعية مثل الذهب والألمنيوم والنيكل والزراعة

موضحًا أنه: " موظف متقاعد في الأمم المتحدة ولدي موارد خاصة بي". مبينًا أن: "هناك ترتيبات خاصة للسفراء وكبار الدبلوماسيين الذين يرغبون في البقاء في الولايات المتحدة لبعض الوقت، بناءً على توصية من وزارة الخارجية".

وسألنا ساتي، ماذا سيفعل الآن وهو لم يعد سفيراً؟

أجاب: "سأستمر في مقاومة النظام العسكري، ستكون هذه وظيفتي الجديدة".

اقرأ/ي أيضًا

اجتماع طارئ بين وزارة الصحة الاتحادية وعدة وزارات لعلاج أزمة وفرة الدواء

 البرهان يلتقي بالإدارات الأهلية لقبيلة الزغاوة