قرب جُدران مدرسة حكومية في حي الصحافة جنوب الخرطوم، جلس بعض التلاميذ يلتقطون الأوراق المتناثرة في مظهر يعكس مواجهة القطاع التعليمي لاضطرابات زادت حدتها منذ شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، إثر مطالب المعلمين بتعديل الحد الأدنى من الأجور أو الاستمرار في الإضراب الذي دخل شهره الثالث.
باحث في مجال التنمية يحذر من أن يؤدي إغلاق المدارس إلى هجرة المجتمعات من المدن إلى دول الجوار بحثًا عن آمال جديدة
كان الأطفال يتسكعون على الطرقات بالتزامن مع مواعيد الدروس الصباحية الاعتيادية في المدارس في حي الصحافة جنوب العاصمة اليوم الأحد، البعض منهم عاد إلى المنزل فيما قرر آخرون قضاء وقت مع اللعب طالما أن أبواب المدارس أُغلقت في وجوههم.
وعود مجانية
بدأت حالة الارتباك التي تسيطر على المدارس والتلاميذ وأولياء الأمور قبل عشرة أيام، وتحديدًا عندما اتفق مجلس السيادة مع لجنة المعلمين على حل الأزمة. وبينما تتمسك اللجنة بالإضراب إلى حين تنفيذ الوعود، أطلقت الحكومة تحذيرات من تقويض العام الدراسي.
سياسة "المدراس الموصدة" في العاصمة والولايات تتزامن مع تصريحات لوزير المالية جبريل إبراهيم، قال فيها إن موازنة العام 2023 التي أجيزت الأسبوع الماضي "ركزت على التعليم والصحة" - حد قوله.
وكأن الرجل نثر وعودًا في غير موضعها؛ استمر إغلاق المدارس وإضراب المعلمين رغم تدخل مجلس السيادة وموافقته على رفع بند التعليم في الموازنة إلى (14)% دون تحديد موعد هذا الإجراء.
جرت العادة أن تقوم بعض الأمهات بإيصال الأطفال إلى المدارس صباحًا، لكن منذ أسابيع وفي ظل الاضطرابات التي تسيطر على التعليم، لا يمكن معرفة استمرار الإضراب، خاصة وأن بعض المدارس الحكومية أعلنت استمرار العمل أو التدرج في الاضراب.
عادت الأم بطفلتيها من مدرسة حكومية بحي جبرة جنوب العاصمة بعد أن وجدت أبوابها مغلقة، والعبارة المتداولة "ما في مدرسة" أي توقف الدراسة التي يرددها الطلاب والمعلمين والأهالي. وبينما حاول مراسل "الترا سودان" الحصول على تعليق منها، اكتفت هذه السيدة بـ"همهمات" غير مفهومة، لكنها أظهرت قلقًا على استمرار الأزمة دون حل يلوح في الأفق.
ولا يمكن تحديد نسبة معروفة عن الإنفاق الحكومي على التعليم العام في الموازنة السنوية، وبينما تقول المعارضة إن الإنفاق لا يتجاوز (2%) تقول الحكومة إن الانفاق تجاوز الـ(8%) ووصل إلى (14%) عقب موافقة السيادي مؤخرًا.
فصول خالية
بينما حافلات المدارس يقتصر عملها على نقل التلاميذ الذين يدرسون في مدارس خاصة بالعاصمة الخرطوم، تجد مصادفة أن الأطفال الذين يدرسون في مدارس حكومية تتقاطع طرقاتهم كما أحلامهم صباحًا عندما يتوجهون إلى المدارس، ويسمعون عبارة "ما في مدرسة"، وهي أزمة تعكس عمق قضايا العدالة الاجتماعية في بلد مثل السودان - كما يقول المراقبون.
قالت سهام وهي أم تهتم بأطفالها الذين يدرسون في مدارس حكومية شرق العاصمة لـ"الترا سودان"، إن بقاء الأطفال في المنزل لفترة تقترب من ثلاثة أشهر في وقت العام الدراسي بسبب الإضراب، يشعرها بالقلق، وتفكر أحيانًا بتحويلهم إلى مدارس خاصة، لكن هذا يتطلب إنفاق ما لا يقل عن (1.800)، مليون جنيه سنويًا، أي ما يعادل (1600) ألف دولار، ودخلهم الشهري "غير كافٍ لمقابلة مصروفات التعليم الخاص" - تضيف هذه السيدة.
دفعت الاضطرابات التي تلاحق الجامعات والمدارس منذ أربعة أعوام، إلى هجرة آلاف السودانيين نحو مصر وبعض الدول مثل تركيا، وتشكلت أحياء في العاصمة القاهرة يقطنها آلاف السودانيين الذين يبحثون عن مستقبل أطفالهم وأبنائهم.
يرى خالد عبدالمنعم الباحث في مجال التنمية في حديث لـ"الترا سودان"، أن إغلاق المدارس استمر لشهور، وهذا يؤثر على المجتمعات التي تقرر عادة الهجرة والبحث عن "آمال جديدة" في بلدان أخرى.
ويحذر عبد المنعم من أن استمرار شلل الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والكهرباء والوضع المعيشي قد تجعل الملايين يلوذون بالهجرة. ومن الناحية الاقتصادية ستفقد البلاد مئات الملايين من الدولارات التي ستذهب إلى دول أخرى، لأن هذه المجتمعات تتلقى تحويلات مالية تأتي من دول الخليج وأوروبا. وتابع: "إذا لم يجدوا التعليم والصحة والخدمات ببساطة سيهاجرون إلى دول الجوار أو أي دولة أخرى توفر هذه الخدمات".
لا شيء يلوح في الأفق
تقول ريم وراق -وهي معلمة مضربة عن العمل- إن الحد الأدنى للأجور غير مشجع للاستمرار في العمل، ورغم الحلول التي قدمتها الحكومة في الاجتماع مع لجنة المعلمين، لكنها غير كافية لفك الإضراب.
ترى ريم وراق أن حصول المعلم الذي يعمل في الدرجة الأولى على (114) ألف شهريًا، لا يتناسب مع وضعه المهني ولا يقابل احتياجات المعيشة الشهرية، لذلك يجب "أن يحصل المعلمون على رواتب مجزية لا الوعود المجانية" - بحسب تعبيرها.
وتحذر ريم وراق من انهيار العام الدراسي، وقالت إن المدارس تعاني من اضطرابات وعدم استقرار منذ أربعة أعوام، لذلك يجب تقديم حلول ناجعة وجذرية بشكل عام حول العملية التعليمية ورفع الدعم الحكومي.
أكد اجتماع بين لجنة المعلمين والسلطات إخضاع المطلب المتعلق بتعديل الحد الأدنى للأجور للدراسة
وكان الاجتماع المشترك بين لجنة المعلمين ومجلس السيادة ووزارة التربية والتعليم ووزارة المالية قبل أسبوعين، أكد إخضاع المطلب المتعلق بتعديل الحد الأدنى للأجور للدراسة ليطبق ضمن قرارات حكومية مرتقبة لتعديل الأجور للعاملين في الدولة.
تواصل "الترا سودان" مع القيادي في لجنة المعلمين يس عبد الكريم حول استمرار الإضراب، وعما إذا كانت الحكومة وعدت بحلول جديدة، وقال ردًا على هذه الأسئلة "لا توجد تطورات، الأمر كما هو".
وأضاف: "ربما خلال الساعات القادمة ستكون هناك أجوبة".