06-ديسمبر-2019

الطائرة التي ادعت السلطات أنها كانت مختفية وتمت استعادتها (متاريس)

احتفلت أمس الجمعة الخطوط الجوية السودانية بعودة الطائرة من طراز (A320)، وهي طائرة متوسطة الحجم تسع 180 راكبًا، من ما أسمته الخطوط رحلة "الاختفاء" التي استغرقت عامًا، ووزعت الهيئة برقيات الدعوة للحضور للاحتفال بعودتها، إلا أن المعلومات التي وردت لـ"الترا سودان" تنفي حدوث واقعة الاختفاء وتكشف خبايا كبيرة، مع العلم أن الطائرة هي الوحيدة التي تمكلها الخطوط الجوية السودانية. فأين كانت الطائرة ولماذا قيل إنها اختفت، ومن يقف خلف الواقعة المثيرة، وما المصلحة من كل ذلك؟ 

قيادي بالتجمع السوداني للمهنيين بقطاع الطيران: الطائرة لم تكن مختفية بل كانت في رحلة صيانة دورية امتدت لعام كامل، وعجزت السلطات المنتمية للنظام البائد عن دفع تكاليف الصيانة واضطرت للاستدانة

الاختفاء مجرد فرية وفرقعة إعلامية

يقول القيادي في التجمع السوداني للمهنيين بقطاع الطيران، مروان محمود، إن الطائرة السودانية من نوع (A320) التي رشحت معلومات في الإعلام تفيد بأنها كانت مختفية، لم تكن في الحقيقة مختفية، وما حدث ليس إلا "بروباغاندا"، وسبب الاختفاء متعلق بعطل في الصيانة الدورية وأجهزة الهبوط فيها.

اقرأ/ي أيضًا: إدخال التربية المدنية مكان العسكرية بالمناهج.. وموسيقى ومسرح في صف أول ابتدائي

وتقول مصادر بالطيران المدني السوداني لـ"الترا سودان"، إن الطائرة السودانية الوحيدة، لاحقتها المشاكل الفنية منذ فترة ولم تستطع السلطات القائمة حلها، وواجهت مشكلة في عدم حدوث الصيانة الدورية ما تسبب بخروجها عن الخدمة. وقبل عام حدث عطل في أجهزة الهبوط بالطائرة، فأرسلتها الجهات المسؤولة لمدينة جدة السعودية لمعالجة المشكلة، واستغرقت فترة المعالجة هناك ثلاثة أشهر بحسب المصادر، وهي فترة طويلة جدًا لمعالجة مثل هذا الخلل، وكلفت الصيانة في جدة نحو عشرة آلاف دولار.

عجز في ميزانية الصيانة

وأثناء وجودها في جدة دخلت عليها فترة الصيانة الدورية، التي يُفترض أن تكون كل عامين، وبسبب عدم توفر الأموال الكافية عادت الطائرة إلى السودان، وأصبحت السلطات تبحث عن مكان تجري فيه الصيانة الدورية، وبعد التمحيص والدراسة وجمع الأموال وقع الاختيار على مركز الصيانة (Aviation centre sky) في أوكرانيا لإجراء الصيانة العامة الدورية.

استدانة من رجل أعمال سعودي

وبحسب المصادر، فإن كلفة الصيانة فاقت المليون دولار وعجزت السلطات السودانية عن توفيرها، من ثم لجأت الخطوط الجوية السودانية إلى رجل أعمال سعودي يسمى "محرم البكري" صاحب شركة "الصقر الأول" والذي وقع عقدًا مع "سودانير" قريبًا لإنشاء فرع للأخيرة في السعودية، واستدانت منه "300" ألف دولار مقابل عائد المبيعات للفرع الذي سيديره في السعودية بعد اكتمال صيانة الطائرة.

اقرأ/ي أيضًا: وكيل الخارجية الأمريكية يلتقي حمدوك ويطلب دعمه لجهود السلام بجنوب السودان

ويقول القيادي بالتجمع السوداني المهني للطيران مروان محمود، "إن الصيانة لا بد أن تتم في فترة أقل من 5 أشهر، كما أن مظاهر الاحتفال التي اقدمت عليها سلطات الطيران المدني وشركة سودانير غير مبررة، لأن الأمر يعد فشلًا وليس نجاحًا حتى يستدعي الاحتفاء به كإنجاز، وهو في الأخير أمرُ محزن"، بحسب قوله.

وتقول المعلومات التي تحصل عليها "الترا سودان" من جهات اختصاص فضلت حجب اسمها، إن الطائرة المثيرة للجدل ليست قديمة، فقد صنعت في العام 2007، وحالتها جيدة، وتم شراؤها في العام 2009، بشراكة بين الخطوط الجوية السودانية وشركة "عارف" الكويتية، وتشير روايات إلى أنه وبموجب الشراكة مع عارف الكويتية تم عقد صفقة الفساد الشهيرة بمسمى "بخط هيثرو"، والتي تمثلت في بيع خط الخرطوم هيثرو الجدول في مطار هيثرو ببريطانيا باسم الخطوط الجوية السودانية، والمتهم فيها الشريف عمر بدر القيادي بالحزب المحلول والنظام البائد.

تحايلت سلطات الطيران المدني المنتمية للنظام البائد والخطوط الجوية السودانية في صفقة شراء الطائرة، على العقوبات الأمريكية، واستخدمت وسيطًا من جزر القمر لتسجيل الطائرة

تحايل على العقوبات الأمريكية

وتقول المصادر، إنه بعد صفقة شراء الطائرة (A320) واجهت السلطات السودانية صعوبات في تسجيلها بسبب الحظر المفروض على الخرطوم وفقًا للعقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد منذ العام 1993، ما دفع السلطات السودانية للتحايل بتسجيلها في دولة جزر القمر عبر وسيط محلي هناك.

اقرأ/ي أيضًا: لقاءات لحمدوك بوزارتي الخزانة والخارجية الأمريكيتين.. ووعود بمساعدات فنية

وعن دخول الطائرة للخدمة في السودان، يقول محدثنا من التجمع السوداني المهني للطيران، إن من الصعب انخراط الطائرة في العمل لأنها هي الطائرة الوحيدة التي تملكها الخطوط الجوية السودانية، وحال دخلت الخدمة سيكون الضغط عليها عاليًا جدًا، كما أن المحطات الخارجية للخطوط الجوية السودانية متوقفة بسبب مديونيات مالية كبيرة عليها لم تقم الشركة بسدادها، كما أن سودانير تفتقر للكادر المؤهل بسبب الفصل التعسفي وغيره من سياسات النظام البائد، وانعدام البيئة الجيدة للعمل من مكاتب وغيره مما يحتاج لوقت حتى يتم تأهيله، ولجميع تلك الأسباب ستواجه الطائرة تحديات في التشغيل قريبًا، ما لم يحدث إصلاح شامل.

الطائرة تحمل اسم وزير سابق تزلفًا

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"الترا سودان"، فإن تسمية هذه الطائرة بـ"مكاوي" على اسم وزير النقل والبنية التحتية السابق في عهد النظام البائد، مكاوي محمد عوض، كان قرارًا اتخذ بواسطة من يعملون تحته تقربًا وتزلفًا له، وأن هناك مقترحًا مقدمًا لتغيير الاسم إلى "ديسمبر" تيمنًا بثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة.

واتهم قيادي بالتجمع مهنيي الطيران المدني بأنهم وراء إطلاق شائعة اختفاء الطائرة، والادعاء أنها كانت مفقودة لكسب تعاطف الناس وإثارة القضية للرأي العام حتى تحدث عملية التفاف جماهيري وتأييد لمسؤولي سلطة الطيران المدني، كما أن على رأس تجمعهم المهني مجموعة كبيرة من منسوبي النظام السابق.

نشرت صور للطائرة بأوكرانيا ظهر على جنبها كلمة "حنبنيهو" التي أثارت إعجاب عدد كبير من السودانيين، حيث تم اختيار الكلمة  لخداع الرأي العام وتضليله للتغطية على فضيحة العجز  عن الصيانة لمدة عام كامل

قصة كتابة الشعار الثوري "حنبنيهو"

نشرت صور كثيرة للطائرة بموقع صيانتها بأوكرانيا وظهر على أحد جوانب الطائرة بمحاذاة موقع الكابتن كلمة "حنبنيهو" التي أثارت إعجاب عدد كبير من السودانيين، خصوصًا وأن الشعار ولد أثناء الثورة، ويستلهم اسم قصيدة شهيرة لشاعر الشعب الراحل محجوب شريف، غناها الفنان السوداني الراحل محمد وردي، وهي إحدى الرمزيات الوطنية في وجدان الشعب السوداني، اتخذها الثوار عنوانًا وشعارًا لرغبتهم في بناء الوطن، فكانت شعارًا ليوم السبت إبان الثورة، والذي يخصصه الثوار ولجان المقاومة لعمليات النظافة وإصحاح البيئة وصيانة المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والمساجد. وهو بشكل عام شعار يدل على الرغبة في بناء الوطن.

تقول المصادر إن كلمة "حنبنيهو" ليست تسمية للطائرة، إنما شعار أو "لوغو" لها، قامت سلطات الطيران المدني وشركة سودانير، باختياره لخداع الرأي العام وتضليله واستعطاف الثوار للتغطية على فضيحة عجزها عن صيانة الطائرة لمدة عام كامل.

اقرأ/ي أيضًا: المحكمة تفرغ من السماع وتحدد تاريخ النطق بالحكم في جريمة مقتل معلم خشم القربة

صعوبات في الطريق

تواجه الطائرة السودانية الوحيدة تحديات وصعوبات كبيرة للدخول في الخدمة، منها المحطات الخارجية المغلقة منذ عامين، والديون المتراكمة، وقالت المصادر إن الطائرة بعد كل هذه الاحتفالات والبهرج الذي تم صناعته لخداع الرأي العام، لن تدخل الخدمة إلا بعد الفراغ من الإجراءات الإدارية والتي قد تستغرق (10) أيام على الأقل، ومن المتوقع أن تبدأ رحلاتها الأولى للولايات السودانية، أما الرحلات الخارجية فتحتاج إلى فترة من الوقت إلى أن تحسم ملفات المحطات الخارجية والمديونيات وغيرها من مشاكل التشغيل.

وكانت سلطة الطيران المدني قد تأسست عام 1936 على أيام الاستعمار البريطاني للبلاد، وكانت تتبع مباشرة للحاكم العام البريطاني، وتدار بواسطة شركات بريطانية، وبعد الاستقلال تم وقف التعامل مع الشركات البريطانية، وتم إنشاء مصلحة الطيران المدني، وبقيت تابعة لوزارة النقل والمواصلات والسياحة، كمصلحة حكومية وانضمت للمنظمة الدولية للطيران المعروفة اختصارًا بـ"ايكاو".

 

اقرأ/ي أيضًا

أسر الشهداء تتقدم موكب "القصاص" وتدفع بمذكرات للقضائية ومجلسي السيادة والوزراء

مشروع إلغاء "النظام العام".. بين فرح الثوار وسخط أنصار النظام البائد