يبدو وضع الإمداد الكهربائي في السودان متأرجحًا بين الآمال التي يبعثها مسؤولو وزارة الطاقة بإنهاء أزمة القطوعات نهاية الشهر الجاري، وبين تشاؤم خبراء الطاقة الذين يشككون في هذه التصريحات ويعتبرونها "التقاطًا للأنفاس".
وداعة: وزارة الطاقة لن تتمكن من الوفاء بوعودها بتوفير الإمداد خلال شهر رمضان إذا لم تحصل على وقود كاف، وتنهي صيانة المحطات الحرارية
في الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الطاقة في بيان صحفي أن الإمداد الكهربائي يواجه عجزًا بواقع ألف ميغا واط بعد أن نقص الإنتاج اليومي من 1900 ميغا واط إلى 100 ميغا واط، فيما يحتاج السودان إلى 2900 ميغا واط لتغطية الاستهلاك في القطاعين السكني والصناعي.
اقرأ/ي أيضًا: مضاربون يشعلون أسعار الإسمنت باستغلال أزمة الكهرباء والوقود
ورسم المتخصص في قضايا الطاقة محمد وداعة صورة قاتمة لوضع الإمداد الكهربائي في السودان محذرًا من أن القطوعات لن تنتهي قريبًا، ومضى إلى أبعد من ذلك، قائلًا إن "وزارة الطاقة لن تتمكن من الوفاء بوعودها بتوفير الإمداد خلال شهر رمضان إذا لم تحصل على وقود كاف، وتنهي صيانة المحطات الحرارية وهو ما يحتاج إلى المال لتأمين الوقود وشراء قطع الغيار".
وتنفذ الشركة القابضة للكهرباء برمجة قطوعات يومية تستمر ثماني ساعات في القطاع السكني فيما تتجاوز القطوعات في القطاع الصناعي تلك المدة، ما أدى إلى مضاعفة تكلفة الإنتاج. وتشكو المراكز التجارية والقطاعات العقارية في الخرطوم والولايات من أن أزمة الوقود عمقت من أزمة قطوعات الكهرباء، لجهة صعوبة الحصول على الجازولين لتشغيل المولدات الخاصة بالمباني، بسبب الطوابير الطويلة بالمحطات ما يعني أن الأزمة مركبة.
لكن المتخصص في قضايا الطاقة إيهاب محمد علي صرح لـ"لترا سودان"، أن العمال والوحدات الهندسية تمكنوا نهاية الأسبوع من صيانة محطة بحري بالخرطوم بحري متوقعًا استئنافها للإنتاج فور وصول شحنات الوقود. ويعتقد علي أن "القطوعات ستنخفض بالتدرج وربما لن تحل الأزمة جذريًا، لكن القطوعات الحالية مزعجة لأنها يومية، لكن يمكن تقليص العجز إلى 400 ميغا واط يوميًا، ما يؤشر أن الأزمة في طريقها للحل بعد إنهاء صيانة محطة بحري الخميس الماضي".
اقرأ/ي أيضًا: أبرز ملامح التنظيم الرقابي الجديد لضبط صرف الوقود ومشكلاته
ويوضح علي أن "انخفاض واردات المياه في النيل الأزرق ونهر النيل أدى إلى تقليص إنتاج التوليد المائي على سدي مروي والروصيرص لأنه سنويًا تنخفض المياه بين شهري آذار/مارس إلى نيسان/أبريل". وذكر مصدر هندسي أن "النفط المنتج بجنوب السودان والذي يمر عبر الأنابيب الرئيسية في الأراضي السودانية صار يستخلص منه البنزين في المنشآت النفطية عوضًا عن إنتاج الفيرنس كما كان يحدث، ما أدى إلى صعوبة توفير إمداد الطاقة للمحطات الحرارية ".
بالمقابل يحذر المحلل في شؤون الطاقة محمد وداعة من أن المحطات الحرارية تستهلك كمية من الوقود وليس من السهل تأمينه على المدى البعيد، موضحًا أن محطة قري الحرارية شمال الخرطوم بحري والتي تخضع للصيانة بواسطة شركة سيمنز الألمانية تستهلك يوميًا 3 آلاف طن من الجازولين، ويعتبرها "كمية مكلفة".
ويعتقد وداعة أن "دخول المحطات الحرارية مثل بحري الحرارية بالخرطوم بحري وأم دباكر بمدينة كوستي لن يؤدي إلى إنهاء القطوعات بشكل جذري لكن يمكن تخفيضها". وكانت الشركة التركية التي تغذي مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق السودان بـ 150 ميغا واط من الإمداد الكهربائي أعلنت توقفها عن الخدمة بسبب المديونية البالغة 30 مليون دولار أمريكي. واعترف وزير الطاقة عادل إبراهيم بتوقف الشركة التركية عن الإمداد لمدينة بورتسودان، وذلك في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي متهمًا شركات القطاع الخاص بمحاولة "خنق الحكومة الانتقالية".
ويرى وداعة أن توقف الشركة التركية أدى إلى مضاعفة العجز إلى جانب انخفاض التوليد المائي والحراري في وقت واحد محذرًا من أن إنتاج السودان في الوقت الراهن 100 ميغا واط، وهي نسبة ضئيلة للغاية في ظل ارتفاع الطلب على الإمداد.
كأن الظروف تعاند محاولات الحكومة للخروج من عنق زجاجة أزماتها ومصائبها التي لا تأتي فرادى
أما خبير الطاقة إيهاب محمد علي فقد رسم صورة أقل قتامة لأزمة الكهرباء، موضحًا أن شحنات من الوقود في طريقها إلى محطتي بحري بالعاصمة وأم دباكر بولاية النيل الأبيض، جنوبي البلاد بحوالي 500 كيلومتر عن الخرطوم.
ولم تمكن زيادة الطاقة المنتجة من سد مروي شمال السودان بنسبة 200 ميغا واط بواسطة كفاءات سودانية طبقًا لتصريحات وزير الطاقة عادل إبراهيم في شباط/فبراير الماضي، وهو ما لم يمكن شبكة الكهرباء من تفادي عجز الصيف في ظل انخفاض التوليد الحراري والمائي في وقت واحد متلازمًا مع شح الوقود، وكأن الظروف تعاند محاولات الحكومة للخروج من عنق أزماتها ومصائبها التي لا تأتي فرادى.
اقرأ/ي أيضًا:
أزمة الدقيق في السودان.. حلول حول الخبز من خبّازيه
اقتصاد السودان.. ماذا يقول ثلاثة خبراء عن أبرز المشاكل والحلول المقترحة؟