الاقتصاد السوداني، واحد من التحديات الكبيرة التي تُواجهُ الحكومة الانتقالية الآن، وهو أيضًا أحد الأسباب الكبيرة في انتفاضات الشعب السوداني، ضد حكومة الإنقاذ، التي أطاح بها في احتجاجات شعبية، بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2018، وانتهتْ بالإطاحة بالرئيس المخلوع البشير، في 11 نيسان/أبريل الماضي.
"الترا سودان"، وضع سؤال اقتصاد السودان، أمام ثلاثة خبراء اقتصاديين، فقدموا تشخيصاتهم، ووصفوا العلاج.
قسوم خيري: السودان يستهلكُ أكثر مما يُنتج، يستورد أكثر مما يُصدّر. ظلّ يُمول ميزانيته بالاستدانة من النظام المصرفي، ويُعاني من عجز في ميزان المدفوعات
قبل التشخيص، يُقرر الدكتور قسوم خيري، الخبير الاقتصادي، والمستشار بوزارة التجارة القطرية، أنّ السودان يستهلكُ أكثر مما يُنتج، يستورد أكثر مما يُصدّر. وأنه ظلّ يُمول بالاستدانة من النظام المصرفي، ويُعاني من عجز في ميزان المدفوعات، وعجز في الميزان التجاري.
اقرأ/ي أيضًا: هيئة تنظيمية بـ"قحت" تمثل أمام لجنة فض الاعتصام
وبسبب ذلك يقول دكتور خيري، في حديثه لـ "الترا سودان"، "يعاني اقتصادُ السودان، من تضخم رهيب بسبب فوضى الأسواق والمضاربة في أسعار العملات الصعبة".
ويقترح خيري، حلًا للخروج من مشكلات الاقتصاد السوداني، بأنْ يكون التوجه بشكل مباشر نحو الإنتاج الزراعي، والتصنيع لكافة المنتجات الزراعية والحيوانية، لخلق القيمة المضافة.
يجب أنْ تكون هناك سياسة تقوم على دعم الإنتاج مثل الثروة الحيوانية. مثلًا السودان يُصدّر ما قيمته مليار دولار من الثروة الحيوانية الحيّة. لكن إذا أقمت مسالخ جيدة، تصبح قيمة صادراتك بذات حجمها السابق بقيمة ثلاثة أو أربعة مليار دولار. وكذلك الزراعة وغيرها.
ويضيف خيري: "بمجرد تحقيق إنتاج وفير وبدء التصدير مع السيطرة على الصادرات وخاصة الذهب والصمغ والسمسم والقطن، يبدأ تدفق العملات الصعبة، وسيبدأ الوضع في الانفراج والتحسن تدريجيًا، إلى أنْ يحدث الاستقرار الاقتصادي". ويستدرك خيري أن يكون تمويل الإنتاج الزراعي والحيواني، عبر النظام المصرفي المحلي، أو من منح ومعونات الدول الصديقة.
ويُشير خيري إلى أنّ السودان، بدلًا من أنْ يُصدّر ما قيمته مليار دولار من الثروة الحيوانية حيّةً -وبحسب مصادر غير رسمية، فإن السودان يمتلك أكثر من (130) مليون رأسًا من الماشية- بالإمكان أنْ يُصدّر ما قيمته ثلاثة أو أربعة مليار دولار، إنْ أقام مسالخ، واستفاد من الجلود وغيرها. وهو ما ينطبق على الزراعة أيضًا، وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: أميركا تؤكد دعمها للتحول الديمقراطي بالسودان وتطالب باستكمال هياكل الحكومة
التداخل ما بين الاقتصاد والسياسية
يعتقد الدكتور خالد التيجاني، أنّ السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة. إذا حدث اضطراب لأي منهما، يضطرب الآخر. ويُضيف رئيس تحرير إيلاف الاقتصادية، في حديثه لـ "الترا سودان"، "أنّ السودان لديه مشكلة أساسية في التعامل مع الاقتصاد باعتبار أنه عمل طارئ أو عارض للسياسة". وبرأيه فإن الوضع السياسي والاقتصادي الراهن به تراكمات قديمة كانت نتيجتها التردي الاقتصادي، بسبب الفشل في توظيف أو إدارة الموارد السودانية منذ حقبة السبعينيات.
ويستدعي التيجاني العشرية الأولى من حكم الإنقاذ، وحتى العام 2011، وفترة بداية تصدير النفط، يقول التيجاني "كان الاقتصاد بحالة ممتازة، حيث كان النفط موردًا، يُوفّر أكثر من (60%)، من الإيرادات العامة، وأكثر من (90%) من الصادرات. لكن بمجرد انفصال جنوب السودان، فقد السودان ثلثي الإيرادات، وبعدها بدأت الأزمة في التفاقم".
ويُشخّص التيجاني حالة الاقتصاد الآن، بأنها تتمثل في تفاقمٌ المشكلات القديمة المرحّلة منذ تلك الفترة. لكن المزعج -برأي التيجاني- أن وزارة المالية، تُحاول معالجة كل هذه المشكلات المرحّلة، في موازنة عام واحد، وبمعالجة واحدة، وليس عبر التدرّج.
خالد التيجاني: السودان يُصدّر بأكثر من ثلاثة مليار دولار، في حين يستورد ما يصل إلى تسعة مليار دولار. وهذا عجز كبير.
ويقول التيجاني، بأنّ الحل لن تظهر نتيجته بين يوم وليلة، لكنه يبدأ بأنْ تكون هناك برامج اقتصادية للدولة، طويلة المدى بشكل استراتيجي، يتم تنفيذها عبر مراحل. وألا تنشغل بالأعراض والظواهر مثل: قضية رفع الدعم -وهي عَرَض برأيه- لكن يجب الانشغال بمؤشرات الاقتصاد الكُلي.
يواصل التيجاني: "الدولة لديها عجز في الموازنة العامة، وتصرف أكثر من إيراداتها، فتضطر للاستدانة، وهو ما يخلق بدوره العجز في الموازنة الداخلية. لأنّ السودان يُصدّر بأكثر من ثلاثة مليار دولار، في حين أنك تستورد بما يصل إلى تسعة مليار دولار. وهذا عجز كبير. وهو ما يُسبب مباشرةً التضخم والانخفاض في العملة المحلية، وضعف القوة الشرائية، وتحدث هذه الأزمة".
وهو ما يُقرره عدد من الخبراء الاقتصاديين، ويكررون بشكل دائم أنّ السودان لديه موارد، لكن ما يُعيقه هو عدم القدرة على إدارة الموارد.
مخاطبة العرض وليس المرض، هو ما قال، الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الرمادي، أنه ما ظلّتْ تُكرره الحكومة السابقة، والحكومة الانتقالية الحالية. وأشار الرمادي، في حديثه لـ "الترا سودان"، إلى أنّ مشكلة الاقتصاد السوداني، تكمن في التشخيص الخاطئ، الذي يقود إلى المعالجات الخاطئة، وهو ما يتم منذ زمن طويل. وأضاف: "الاقتصاد ظلّ يُدار بمنظور سياسي، دون استصحاب الخبراء الاقتصاديين، وهو ما استدعى مثلًا تقسيم السودان إلى (18) ولاية وحكومة، بالإضافة للحكومة المركزية. وهو ما استدعى أيضًا الحروب المتطاولة في تاريخ السودان، التي تستنزف الاقتصاد بشكل أساسي".
الرمادي: علاج الاقتصاد يبدأ بإعادة تجميع الولايات، إلى خمسة أو ستة أقاليم كما كان في السابق. وهو ما سيُخفف الإنفاق الحكومي
ويقترح الرمادي، حلًا لهذه المشكلات الاقتصادية، خطوتين أساسيتين: أولاهما: إعادة تجميع الولايات، إلى خمسة أو ستة أقاليم كما كان في السابق. وهو ما سيُخفف الإنفاق الحكومي بشكل مباشر. بالإضافة إلى النظر في الترهل الحكومي، في الخدمة المدنية، وأولها وزارة المالية.
ويلخّص الرمادي، رؤيته في أنّ "الانفاق الحكومي أجهزة حكم مترهلة، هو السبب الأساسي في ارتفاع معدلات التضخم، وفي انخفاض القوة الشرائية، وانخفاض العملة المحلية. ويُمكن مباشرة تركيز صرف هذه المبالغ التي تُصرف في الترهل الإداري، في تحريك الطاقات الكامنة في الاقتصاد السوداني".
اقرأ/ي أيضًا
حظر التجارة على الأجانب.. تركة النظام البائد في قفص الاتهام
على تخوم إمبراطورية السكر.. حلفا الجديدة تواجه الفقر والبطالة والمرض