24-نوفمبر-2020

الخالدي (مواقع التواصل)

كان اسمه: عبدالمنعم عباس إبراهيم، لكنه في أول مرةٍ يخطو فيها إلى الإذاعة لتسجيل أولى أغنياته، "كيف أنساك"، في العام 1976، لم يكن يدري بأنّ هذا الاسم سيختفي، لزمنٍ طويلٍ مقبلٍ، ليحل محله: عبدالمنعم الخالدي، نسبةً إلى قريته ومسقط رأسه: شلّعوها الخوالدة. ولينكتب بعدها مشوارٌ من إنتاج أجمل الأغنيات العذبة، ذات الطابع الرومانسي الحزين.

يسرد الخالدي عن بدايات مشواره الغنائي، أنّها كانت عبر الغناء الشعبي باستخدام آلة الرِق

يسرد الخالدي عن بدايات مشواره الغنائي، أنّها كانت عبر الغناء الشعبي، باستخدام آلة الرِق، والتي أدى فيها عددًا من أغنيات فناني الغناء الشعبي في عموم الولاية الوسطى، بالتطعيم مرةً بعد مرةٍ بأغنيات المغني: إبراهيم الكاشف.

اقرأ/ي أيضًا: اتحاد الكتاب السودانيين يناقش "السياسات الثقافية" ببيت التراث

وعلى سيرة الكاشف، فقد اشتُهر عن الخالدي، ترديده لأغنية "أزاك يا عيوني"، حتى صار يُعرف بها في ذلك الوقت. وهي ذات الأغنية التي كان يتغنى بها في الاحتفالات المدرسية، وقت أنْ كان طالبًا. استغرق الخالدي فترته البدايات الأولى في الغناء الشعبي، إلا أنّه تحوّل فيما بعد إلى ما عُرف بالغناء الحديث، وهو الغناء بمصاحبة عددٍ من الآلات الحديثة.

قبل التحول، وأثناءه، ظلّ الخالدي مثابرًا في طريق الغناء. وأمينًا لطريقته الهادئة في الأداء، حتى لتكاد تتخيّله يذوب وهو يُؤدي الأغنيات ذات الطابع الرومانسي الحزين. وتبدّت ذروة هذا التحوّل في مشاركته ضمن المتنافسين في مهرجان الثقافة الثاني 1987م، ضمن أسماء كان لها صيتها ومشاريعها الغنائية فيما بعد. فقد رافق في المشاركة في ذلك المهرجان كلٌ من: مصطفى سيد أحمد، الأمين عبد الغفار، محمود تاور، وعثمان الأطرش. والأخير حاز المرتبة الأولى في ذلك المهرجان.

وبالمناسبة، فإنّ هذه الليلة، لم تكن نقطة التحوّل في تجربة الخالدي الغنائية فحسب، وإنما شملت كل المشاركين من زملائه في ذلك المهرجان. وبفضلها ارتفعتْ حظوظهم في طريق الغناء، وانقدحت تجاربهم، وارتفعت أسماؤهم، حتى غدا كل واحدٍ منهم تجربة غنائية لوحدها، استحقتْ أن تنضاف إلى مغنيي ما عُرف بجيل الوسط، وهو الجيل الذي تلى المغنيين من الجيل الأول، الذي بدأت تجاربهم ما قبل الاستقلال بقليل. وبالحق، فهي قيمةٌ إضافية لجميعهم، وجدارة استحقوها، لأنّ المجيء بعد الجيل الأول كان تحديًا لوحده. وفيما بعد استطاع كلُ واحدٍ منهم، سوى أولهم عثمان الأطرش –للمفارقة- أنْ يكون له تجربته، وأغنياته التي يتشوّق معجبوهُ في متابعتها. بل وفي طريقته التي تخصه في اختيار الأغنيات، وفي إنتاجها بما يُشبه المشروع. هذا الكلام الأخير ينطبقُ مثلًا على مصطفى سيد أحمد.

المغني عبد المنعم الخالدي، لم يتكيء في بدايات تجربته فقط على أغنيات إبراهيم الكاشف فقط، وإنما زاد عليها اختيارات وانتقاءاتٍ من أغنيات عثمان الشفيع. وصار معتادًا أنْ يؤدي الخالدي في حفلاته العامة عددًا من أغنيات الكاشف والشفيع، وأبرز تلك الأغنيات "الذكريات". وللمصادفة، محبة عثمان الشفيع، هي ما لاقاه فيما بعد مع زيدان إبراهيم، فأنتجا إلبومًا بداية هذه الألفية أسموه "الذكريات". لاقى هذا الألبوم رواجًا بارعًا، لانسجام كيمياء الدويتو بينهما، وكذا لطريقة العزف البديعة لعازف العود: عوض أحمودي، الذي شاركهما بالعزف في هذا الالبوم.

العارفون بتجربة المغني عبد المنعم الخالدي، يعرفون عنه قدرته البريعة في ترجمة ونقل غالب الأحاسيس المبثوثة في الأغنيات عبر أدائه، وتنقلاته الصوتية، وكذا استغراق ملامحه حد إغماض العينين الناعستين أصلًا. يذوب في أغنياته الحزينة حتى يتحول إلى حزن ممسكًا بالمايكرفون، أو واقفًا أمامه. وهذه الطريقة الممتلئة بالحساسية، هي ذاتها التي يتعامل بها مع جمهورهُ ومحبي أغنياته. فكثيرًا ما تردد أنّ الخالدي تغنى بإحدى أغنياته وهي: سلمى. وعندما انتهى منها، طالبه غالب الجمهور بإلحاح أن يُعيدها ثانيةً ففعل. ثم طالبوه بذات الإلحاح الأول بإعادتها مرةً ثالثة، ففعل الخالدي.

هل رأى أحدكم حزنًا يلبس بدلةً وكرافته، ويقف أمام المايكروفون ويغني؟ فالخالدي عندما يغني ويذوب في الغناء يتحول إلى ذلك. يتحول الخالدي الى كتلةٍ شفيفةٍ من الحزن.

اقرأ/ي أيضًا: "ستموت في العشرين".. الدخول للحياة من باب الموت

وحتى وفاته، في التاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، قبل اثنتي عشر سنة؛ تنقّل الخالدي في تعامله مع شعراء وملحنين عديدين، وأصحاب تجارب متنوعة، إلا أنّ هناك أسماء لها التأثير الكبير في تجربته الغنائية. أبرز هذه الأسماء الشعرية والموسيقية هم: سليمان عبد القادر أبو داؤود، حاج حمد بانقا، محمد أحمد سوركتي، الطيب نور الدين، التوم إبراهيم، النور محمد جمعة، وبشير عبد العال.

تعد أغنية سلمى أهم أغاني الخالدي

وفي ذات القدر، تبرز أغنيات مهمة في مسيرة الخالدي لا يُمكن تجاوزها، لأنها الأعمال التي وقف على أرضيتها الخالدي، وبرز اسمه وصيته للناس فيما بعد لثلاثة عقود، بل وارتبطت به، وبها ارتبط. أبرز هذه الأغنيات: سلمى، اتعلمنا من ريدا، جيت مهاجر، خُصل شعرك، والأميرة.

اقرأ/ي أيضًا

"أرميلي زمن وردة ومنديل".. وداعًا ربيع عبدالماجد

"الجنقو مسامير الأرض" تفوز بجائزة الأدب العربي في فرنسا