05-ديسمبر-2021

السودان واحد من المصادر وأحد أهم محطات المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا (Getty)

نهاية الأسبوع الماضي أطلق نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، تصريحات حذر من خلالها عبر صحيفة "بوليتيكو" الغربية، من أن موجات الهجرة ستطرق أبواب أوروبا والولايات المتحدة إذا لم يدعما النظام السياسي في السودان.

وتقول قوات الدعم السريع إنها أنشأت قاعدة عسكرية على الحدود مع ليبيا لمكافحة الهجرات نحو أوروبا، إذ أن مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة والسودانيين يتخذون البلاد معبرًا للوصول إلى سواحل ليبيا أو مصر والتسلل إلى أوروبا.

وصل إلى الأراضي الأوروبية في العام 2019 أكثر من (120) ألف طالب لجوء، معظمهم عن طريق البحر

ووصل إلى الأراضي الأوروبية عام 2019، أكثر من (120) ألف طالب لجوء، معظمهم عن طريق البحر، بحسب إحصائيات منظمات معنية بالهجرة.

اقرأ/ي أيضًا: اعتصام منواشي في يومه الثالث بحثًا عن العدالة

ويسلط الاتحاد الأوروبي الضوء على الوضع السياسي في السودان منطلقًا من مكافحة الهجرة إلى أراضيه خاصة في السنوات الأخيرة، ويقول إنه يدعم النظام الانتقالي في السودان بملايين الدولارات بلغت في العام الماضي نحو (375) مليون في مؤتمر استضافته ألمانيا في حزيران/يونيو 2020.

وجاءت تصريحات حميدتي لتعيد قضية الهجرة من السودان لآلاف الأشخاص من دول الجوار إلى أوروبا إلى الواجهة، وذكر قائد قوات الدعم السريع أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يضمن بقاء السودان وحدوده منضبطًا حتى لا يستقبل هجرات جديدة.

وتقول الباحثة في شؤون الهجرة أميرة أحمد، إن تصريحات حميدتي ليست جديدة. فالرجل صرح في العام 2018 بنفس التحذيرات، وهدفه زيادة الدعم المالي، لكن التهديد الأخير الغرض منه الحصول على الحماية والدعم السياسي للحكومة الانتقالية، على حد قولها.

وترى أحمد أن ملف الهجرة أيضًا يستخدم من قبل حميدتي لإجهاض محاولات غربية لتصنيف قوات الدعم السريع بالمنظمة الإرهابية، أو توقيع عقوبات عليها.

وتابعت: "الهجرة كرت سياسي ونقطة استقرار للحكومات في دول الغرب خاصة مع تنامي اليمين المتطرف والنعرات العنصرية".

وتستبعد أميرة أحمد أن تأخذ الولايات المتحدة الأميركية ردود أفعال حيال تصريحات حميدتي، وتضيف: "إذا اتخذت إجراءات لن تصب في مصلحته ويمكن أن تُسرع العقوبات عليه".

أما الاتحاد الأوروبي طبقًا لأميرة أحمد فإنه ينفي علاقته بقوات الدعم السريع، ويبدوا أكثر حذرًا، وتضيف قائلة: "الاتحاد الأوروبي لا يتعامل بشكل مباشر مع قوات الدعم السريع وقد يستخدم نفس الإجراء الذي مارسته مع تركيا عندما هددت أنقرا بكرت المهاجرين".

اقرأ/ي أيضًا: البرهان يؤكد أن المؤتمر الوطني لن يكون جزءًا من المرحلة الانتقالية

وجاءت تصريحات حميدتي على خلفية مطالبه للغرب بدعم الاتفاق السياسي الموقع بين قادة الجيش ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي يواجه رفضًا شعبيًا واسعًا للاتفاق المبرم مع البرهان في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كما إن توقف المساعدات الاقتصادية الأميركية والأوروبية تعد أزمة حقيقية بالنسبة لموقعي الاتفاق الذين يطالبون باستئنافها عقب توقفها بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالمدنيين في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

 في السنوات الأخيرة لم تعد الأجور كافية لمقابلة متطلبات الحياة، والناس يمرون بأوضاع سيئة وسط اضطرابات سياسية واقتصادية

وكان الاعتقاد السائد في أروقة المجتمع الدولي أن الاتفاق من شأنه امتصاص الاحتجاجات الشعبية في السودان، لكن مع تواصل التظاهرات أسبوعيًا والوصول إلى شوارع قريبة من القصر الرئاسي رفضًا للنظام المشترك بين العسكريين وحمدوك؛ لا يزال الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يحاولان معرفة الوضع في البلاد ويشجعون الوصول إلى تسوية تنهي الصراع.

وتعتقد الباحثة في شؤون الهجرة أميرة أحمد أن "السودان في مرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات… أكثرها تفاؤلًا هو استمرار الثورة وتحقيق شعاراتها لكن الثمن سيكون كثير من الدماء".

وبالنسبة للدوافع التي تجبر الآلاف من الشبان والفتيات على الهجرة وهم يسلكون وسائل أكثر خطورة واضعين حياتهم على المحك، تقول سلمى توفيق (33 عامًا) لـ"الترا سودان"، إن حياتها تسربت من بين يديها وهي تنتظر تحقيق أحلامها؛  فهي حاصلة على بكالوريوس في الهندسة الغذائية وعملت في أكثر من وظيفة. وفي السنوات الأخيرة لم تعد الأجور كافية لمقابلة متطلبات الحياة، والناس يمرون بأوضاع سيئة وسط اضطرابات سياسية واقتصادية. وتابعت بالقول: "نريد أن نتلمس جودة الحياة".

وتشير هذه الفتاة إلى أنها رغم ذلك ترى بصيصًا من الأمل في الاحتجاجات الشعبية التي قد تصل إلى نهايتها بإقامة نظام سياسي يفضي إلى واقع اقتصادي ويوفر الوظائف لآلاف العاطلين عن العمل.

لم تقتصر الهجرة في هذه البلاد على السودانيين فقط لأن هذا البلد هو منبع المهاجرين إلى السواحل الأوروبية في السنوات الأخيرة من الصومال وإريتريا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وحتى نيجيريا.

ويوضح أحمد السر وهو مسؤول سابق في مكتب معتمدية اللاجئين بولاية كسلا في تصريحات لـ"الترا سودان"، أن الاتحاد الأوروبي يعتقد أن صرف مائة مليون دولار كافية لإيقاف موجات الهجرة، لكن هؤلاء المهاجرون أغلبهم من فئة الشباب ويطمحون لعيش حياة أفضل والتمتع بالحريات في بلدان تحترم حقوق الإنسان وتوفر الرعاية الصحية والمساكن، أضف إلى ذلك أن المستقبل في بلدانهم التي نشأوا ودرسوا فيها الجامعة قاتم وأحيانًا تلوح في الأفق بوادر الحرب الأهلية.

وينوه السر إلى أن الحد من تدفقات المهاجرين نحو أوروبا صعب للغاية لأن الحدود واسعة والحركة فيها متغيرة من وقت إلى آخر بسبب تطور مهربي البشر وتغير خططهم باستمرار للإفلات من القوات التي تراقب الحدود.

ويتوقع السر أن تزداد وتيرة الهجرة نحو أوروبا العامين المقبلين نتيجة اشتداد الصراع في إثيوبيا وتورط إريتريا في الحرب الدائرة هناك، إلى جانب صعوبات اقتصادية قد تواجه الملايين في البلدين. علاوة على رغبة عارمة وسط اللاجئين على الحدود بين إثيوبيا والسودان للسفر إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بدلًا من العيش في حياة المخيمات.

اقرأ/ي أيضًا: دقلو يحذر من موجة لجوء حال لم يدعم المجتمع الدولي الحكومة

ويرى السر أن أفضل حل تقدمها أوروبا والولايات المتحدة إلى هذه البلدان أن يتوقفوا عن التعامل وفق المصالح المتاحة والعمل على التحول الديمقراطي لشعوب المنطقة المنكوبة بالصراع، لأن الأنظمة القمعية لا تحقق الرفاهية لشعوبها.

باحث في شؤون الهجرة: الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق من زيادة اللاجئين في السودان سيما في شرق البلاد جراء الحرب الإثيوبية

وحصل السودان العام الماضي بعد عام من الإطاحة بنظام البشير وتشكيل حكومة مدنية وهيئة انتقالية عليا بين المدنيين والعسكريين، على (80) مليون دولار حزمة مساعدات تنموية في بلد يعاني من عجز مريع في العملات الصعبة. ولاحقًا أوفى الاتحاد الأوروبي بتعهداته في مؤتمر المانحين في برلين في حزيران/يونيو 2020 ودفع (375) مليون دولار.

لكن في نظر الباحث في شؤون الهجرة بين إفريقيا وأوروبا حذيفة كمال، تبدو هذه مساعدات شحيحة لبلد يواجه أزمة اقتصادية طاحنة، موضحًا لـ"الترا سودان"، أن الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق من زيادة اللاجئين في السودان سيما في شرق البلاد جراء الحرب الإثيوبية، وهي فئات أكثر رغبة في الهجرة.

وتابع كمال: "يجب أن تبدل أوروبا والغرب نظرتها تجاه هذه البلدان إن كانت قلقة من تدفقات المهاجرين، وذلك بتحقيق تنمية للمواطن والاستثمار وتشجيع الأنظمة السياسية على الشفافية والحريات وصيانة حقوق الإنسان".

اقرأ/ي أيضًا

ثوّار سودانيون ينضمون لـ"جيش الأضحكني"

التجمع الاتحادي: اتهامات البرهان للقوى السياسية غير صحيحة