14-مايو-2020

أحد الثوار بميدان الاعتصام (Getty)

كأي مواطنٍ سودانيٍ في المقام الأول، وكصحفي، طرحتُ سؤالًا بسيطًا ومباشرًا عبر تدوينة على حسابي بفيسبوك عن صفة ووظيفة الطبيب أمجد فريد إدريس، في مجلس الوزراء، وعلى الرغم من الصداقة والرفقة والزمالة في العمل التي جمعتني به، إلا أنني آثرت طرح سؤالي في الفضاء التشاركي العام، لأن الشأن عام، والوظيفة التي يتقلدها أمجد فريد هي وظيفةُ عامة، وقبل أن يتبرع البعض بالإجابة على السؤال، تفاجأت بمداخلة أمجد فريد وتكرمه بالرد على سؤالي.

إجابة أمجد فريد الصادمة كانت هي إنه يعمل "بدرجة متأمر على كل شيء قدير"!!!

كانت إجابته صادمة جدًا، كتب في رده علي بفيسبوك بالحرف الواحد، إنه يعمل "بدرجة متأمر على كل شيء قدير". هكذا كان رده بكل بساطة وبكامل السخرية وعدم اللياقة أو الحساسية بمتطلبات الوظيفة العامة.

اقرأ/ي أيضًا: منع راكبين سودانيين من دخول البلاد بعد وصولهما مطار الخرطوم بطائرة شحن تركية

لم أكن لأعير الأمر اهتمامًا لو كان من قام بالرد على سؤالي أي شخص آخر ليست له صفة رسمية ولا يتقلد وظيفة عامة في الحكومة التي يفترض أن تكون حكومة الثورة. لم يكن الرد ليأخذ أي حيزٍ من اهتمامي لو كان صادرًا من شخصٍ لا يتقلد وظيفة عامة تُراعى فيها حقوق المواطنين ولا سيما الصحفيين، الدستورية في البحث عن المعلومة وامتلاكها وتمليكها للرأي العام. ناهيك عن أن يكون الرد صادرًا من شخصيةٍ عامة تتقلد منصبًا حكوميًا حساسًا، في هذا الوقت الحرج من عمر الفترة الانتقالية.

تتناثر هنا وهناك هذه الأيام العديد من الاتهامات الموجهة لشخص أمجد فريد، ودوره في الأزمة الحالية التي تتورط فيها الحكومة الانتقالية، حول طلب إقالة وزير الصحة الدكتور أكرم علي التوم الذي تم سحبه وإعادة نشره على صفحة مجلس السيادة الانتقالي بطريقة تخلو من المسؤولية، البعض اتهم أمجد فريد بحياكة المؤامرات واختلاق الأزمات سعيًا لإقالة وزير الصحة، لأنه تم ترشيحه لمنصب بوزارة الصحة وقام الوزير برفض انضمامه لطاقمه، من يوجهون هذا الاتهام لأمجد فريد يستدلون بأنه كان من أكثر المتحمسين لتعيين أكرم التوم في منصب وزير الصحة، لكنه قلب له ظهر المجن بعد أن أبدى الوزير زهده في انضمامه لطاقمه.

في حقيقة الأمر، هذا الاتهام وغيره من اتهامات طالت أمجد فريد متعلقة بتنسيقه اجتماعًا لرافضي وجود أكرم التوم في كرسي الوزارة، ليقابلوا رئيس الوزراء ويحثوه على إقالته، أو اتهامه بتعطيل ملف الدواء لإحراج وزير الصحة، وهي جميعها اتهامات مبذولة على الوسائط الالكترونية وقعت عليها عيني مرارًا، لكنها جميعها أيضًا من نوع الاتهامات التي تظل كلامًا متطايرًا لا يؤخذ به من دون أدلة موثوقة أو تحقيق تجريه الصحافة أو الحكومة نفسها لتحدد مدى مسؤولية أحد موظفيها في اختلاق الأزمات، وهي ليست فقط أزمات نحن في غنىً عنها، وإنما البلاد متخمة حد الإشباع بما هو أكبر منها، وما من موطئ قدمٍ فيها لأزمة جديدة.

إذن فالمدخل الصحيح للتعاطي مع هذا الأمر كان هو طرح السؤال المباشر عن وظيفة أمجد فريد في مجلس الوزراء، تلك الوظيفة التي تخول له كل هذا القدر من السلطة في القرب من رئيس الحكومة والإمساك بملفات على هذا القدر من الأهمية والحساسية. وإذا صحت الاتهامات الموجهة له فإن القضية والاتهام المباشر لأمجد فريد، سيكون هو التآمر على حكومة الفترة الانتقالية واختلاق الأزمات في مواجهتها واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق أغراض شخصية.

اقرا/ي أيضًا: مفوضية اللاجئيين تبعد (14) ألف لاجئٍ سوداني من بؤرة توترات بإفريقيا الوسطى

تطرح قضية أمجد فريد العديد من الأسئلة حول سلوك الموظف العام، والاستهتار والاستهزاء بحقوق المواطنين الدستورية في معرفة ما يحتاجونه من معلومات عن أداء حكومتهم

وبدلًا عن أن يجيب أمجد فريد على سؤالنا البسيط والمباشر عن طبيعة والمسمى الوظيفي الذي يشغله في مجلس الوزراء، الإجابة التي ربما كانت في صالحه ولتبرئه ساحته من جميع تلك الاتهامات. قرر الرجل أن يكون رده هو ذلك الذي أوردناه عاليه، بكل الصلف والغرور والسخرية والانعدام المفرط للحساسية، محيلًا إيانا للناطق الرسمي باسم الحكومة أو السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء –بحسب اقتراحه المكتوب في الرد علينا- ليجيبا على سؤالنا البسيط، لم يكلف فريد نفسه عناء كتابة مسماه الوظيفي كأن الأمر لا يعنيه في شيء، لكنه بالمقابل لم يبخل بردوده الساخرة علينا وعلى المتداخلين في البوست ممن طالبوه بالإجابة على السؤال والإفصاح عن وظيفته بمجلس الوزراء، قام بالرد على أغلب المداخلات متهكمًا ومتهربًا، لكنه لم يكلف نفسه عناء الرد على السؤال المباشر والبسيط عن وظيفته، ضاربًا أسوأ الأمثلة على تصرف الموظف العام تجاه المواطنين واسئلتهم المشروعة.

وعندها طالبته جادًا أن يتقدم باستقالته من الوظيفة العامة لأنه أقل من أن يتقلدها عدا عن كونه أخل بأبسط متطلباتها في الإفصاح عن المعلومة للرأي العام والسخرية من المواطنين، فكان رده كلمة واحدة: "كويس".

البعض اعتبر تعاليه على الإجابة وتكبره وسخريته مردها إلى أنه لم يتم تعيينه بواسطة مجلس الوزراء وإنما عينته جهة أجنبية هي التي تدفع له راتبه للعمل كمنسق لأعمالها في مكتب رئيس الوزراء! وهو أمرُ لو صح فسيفتح على الحكومة الانتقالية أبوابًا من الجحيم لم تشهدها من قبل. إذا كيف لجهة أجنبية أن يكون لها الحق في اختيار موظفي الحكومة ودفع رواتبهم، وكيف لهم أن يعملوا لدى الحكومة وقلوبهم معلقة بالولاء للجهة الأجنبية التي تحدد مهامهم وتدفع رواتبهم؟

تطرح قضية أمجد فريد ومسألة سلوك الموظف العام والاستهتار والاستهزاء بحقوق المواطنين الدستورية في معرفة ما يحتاجونه من معلومات عن أداء حكومتهم، والاتهامات الموجهة له، العديد من الأسئلة التي تحتاج لإجابات واضحة شافية من الحكومة الانتقالية، خصوصًا وأنها ما تزال في طور الاختبار والتجريب للشعارات التي طالما رفعتها في حرية الوصول إلى المعلومة وتمليكها للرأي العام، وهو أمر نذرنا له أنفسنا كصحفيين خصوصًا وأن شعارنا له في هذا العام 2020 هو "الصحافة دون خوف أو محاباة".

من سخرية الأقدار أن لا يشبه سلوك أمجد فريد في استهتاره بالرأي العام وتقليله من قدر المواطن واستنكافه السؤال والنقد إلا سلوك مسؤولي النظام البائد. كأنهم خلقوا الناس طرًا

هل من سخرية الأقدار أن لا يشبه سلوك أمجد فريد في استهتاره بالرأي العام وتقليله من قدر المواطن واستنكافه السؤال والنقد إلا سلوك مسؤولي النظام البائد؟ كأنهم خلقوا الناس طرًا. على كُلٍ، إلى أن يأتينا الجواب اليقين من المسؤولين في إعلام الحكومة عن طبيعة وظيفة أمجد فريد في مجلس وزراء حكومة الثورة، نبذل هذا المقال للنقاش العام والمفتوح ليساهم في النقد والبناء لتجربة الثورة التي كان مهرها الدماء وأرواح الشهداء.        

اقرأ/ي أيضًا

"سونا": وفاة ثمانية سودانيين في ولايتين أمريكيتين بفيروس كورونا الجديد

توافق عليه العسكريين.. وزير الدفاع الجديد في انتظار قرار تعيينه بواسطة حمدوك