يجد السودانيون أنفسهم بعد عام من الحرب بين الجيش والدعم السريع أمام مأزق حقيقي، بينما العالم لا يتحرك لتقديم العون بالسرعة المطلوبة، بهذه العبارات لخص الناشط في لجان المقاومة بمدينة عطبرة عبد المنعم "مأساة الحرب" بعد مرور عام عليها، والذي يصادف اليوم الذكرى الأولى.
لم تجد الحرب التحركات السياسية الناجعة لوقفها مبكرًا واستغرق المدنيون وقتًا طويلًا في جمع الشتات
يقول عبد المنعم وهو يتسوق مستلزمات غرفة الطوارئ لسد احتياجات النازحين، والذين فروا من حرب الخرطوم وودمدني ونيالا وغيرها من المدن، إن الناس تركوا بلا طعام وبلا أمل وبلا أفق للحل "السياسي المسؤول".
يرى عبد المنعم في حديث لـ"الترا سودان"، أن وقوف بعض القوى المدنية ضمن "خانة الحياد" خلال النزاع المسلح دون توجيه "اللوم علنًا"، بحق قوات الدعم السريع التي هاجمت نحو (16) مدينة آمنة، كانت بمعزل عن القتال وجرتها إلى دائرة الحرب، مضيفًا أن الحرب إذا فرضت عليها لماذا لم تمتنع عن توسيع دائرتها رأفة بالسودانيين.
ولم يتوان عبد المنعم في توجيه الانتقادات إلى القوى المدنية، قائلًا إنها عاجزة بالكامل عن صنع أي شئ يعيد الأمل إلى السودانيين لأنها بمعزل عن الالتصاق بمعاناة المدنيين أو البحث عن حلول لمعاناتهم على الأرض.
وأردف: "دائمًا ما يربطون الحل بالمجتمع الدولي، وكأن ثورة ديسمبر قام بها المبعوثون الدوليون، لا أجيال جديدة تبحث عن الديمقراطية والحكم المدني".
بينما يبحر النزاع المسلح اليوم في عامه الأول، تتراوح الأزمة ما بين تشريد (10) ملايين شخص، ووضع البلاد على حافة مجاعة، إلى جانب السيناريوهات المرعبة التي يتنبأ بها الفاعلون الدوليون بشأن توسع الصراع إلى الإقليم، ومع ذلك يعتقد فاعلون في غرف الطوارئ العاملة، وهم شبان مستقلون سياسيًا، أن العالم لم يتحرك بما يكفي لوقف النزاع المسلح من خلال نظرته للأزمة بشكل رأسي.
تقول أمل العاملة في الغرف الطوعية بمدينة القضارف لـ"الترا سودان"، إن مشكلة الحرب عدم العثور على القوى السياسية التي تستطيع التبشير بالسلام، وذلك من خلال طرح رؤية سياسية "مناسبة ومستقلة".
وتضيف :"التيار الذي يسعى إلى إيقاف الحرب تيار فوقي لا يعبر عن المواطنين، وفي ذات الوقت يفتقر للرؤية المناسبة لدفع الطرفين إلى طاولة التفاوض".
وترى أمل أن التحرك المدني بشأن الإغاثة يأتي متأخرًا، ولا يمكن التعويل عليه لأن الطرفين المتنازعين داخل السودان لا يكترثان لأصوات المدنيين، حتى وإن أظهر العاملون في غرف الطوارئ درجة من المسؤولية بإطلاق المناشدات الإنسانية.
وبعد مرور عام على الحرب، لم تعد البنية التحتية في العاصمة الخرطوم كما كانت وتأثرت بالمعارك العسكرية، ويكاد السودان يفقد أصوله الرئيسية في قطاع الكهرباء والمياه والاتصالات والخدمات المصرفية.
وفي هذا البلد الذي يعاني مسبقًا قبيل النزاع المسلح من ضعف البنية التحتية، فإن استعادتها قد تكلف البلاد (200) مليار دولار وفقًا لتقديرات غير رسمية.
ومع ذلك فإن عماد العامل في غرفة طوارئ جنوب العاصمة في منطقة جبل أولياء، يعبر عن أمله في توقف الحرب واستعادة المسار المدني وتشكيل جيش موحد قائلًا، إن الحرب جاءت نتيجة حتمية للفشل السياسي والعسكري في بناء الجيش الموحد بعد 11 نيسان/أبريل 2019، والذي من المفترض أن يكون عبر المائدة المستديرة، لا التسوية السياسية بين العسكريين والمدنيين.
ويقول عماد إن الحرب خلفت آثار إنسانية كارثية، والمعلومات التي تنشر على وسائل الإعلام عن الوضع الإنساني بمثابة "جبل الجليد" من أزمة كامنة بقيت لعام دون معالجات ناجعة.
إذا استمرت الحرب في ظل عدم قدرة الجيش على حسمها فإن تفكك البلاد سيظل ماثلًا للعيان في القريب العاجل
ويعتقد عماد أن الحرب إذا استمرت وفي ظل عدم قدرة الجيش حسمها، فإن تفكك البلاد سيظل ماثلًا للعيان في القريب العاجل، وقد يتكرر العام الثاني للحرب والسودان على حافة التشظي، وتغييرات جذرية على الأرض قد تنقل الصراع إلى مرحلة جديدة.
وفي ذات الوقت يرى عماد أن الحرب قد تتوقف لشعور العالم بالخوف من تأثيرها على أمن دول الإقليم، بالتالي زيادة معدلات الهجرة غير النظامية وتابع: "إذا لم تتطور القوى المدنية فإن الأحداث ستتجاوزها تمامًا حتى بعد توقف الحرب".