في 22 تموز/يوليو المنصرم، أعلن رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، أسماء الولاة المدنيين الذين سيتسلّمون حكم وإدارة الولايات الـ(18) خلفًا لضباط الجيش الذين أداروا الولايات منذ 11 نيسان/أبريل 2019، تاريخ إعلان المجلس العسكري إسقاط حكومة المخلوع عمر حسن أحمد البشير، ومن بين هؤلاء الولاة المدنيين الذين عينهم حمدوك بناءً على ترشيحات تنسيقية قوى إعلان الحرية والتغيير بالولاية، والي كسلا صالح عمار.
الوالي صالح عمار من مواليد كسلا وكان سكرتير اتحاد طلاب مدرسة كسلا الثانوية، والأمين السياسي السابق لمؤتمر البجا، وهو كاتب صحافي وعمل أيضًا بمنظمات المجتمع المدني
على إثر هذا الإعلان، عبر البعض من مواطني شرق السودان وكسلا بالخصوص عن رفضهم للوالي المعين، ليس لأسباب أيديولوجية أو اختلاف برامجي مع مشروعه لإدارة الولاية، بل لأسباب عنصرية ذات طابع قبلي. وتدير الرفض مجموعات من فلول النظام البائد بالتحالف مع عنصريين وأصحاب مصالح شخصية وبعض المغرر بهم، ويقول المحتجون: "إن الوالي ليس مواطنًا سودانيًا، ولا يحق له إدارة ولاية كسلا"، في إشارة إلى قبيلته الأصيلة في شرق السودان، والتي تواجه بهذا النوع من العنصرية من بعض العنصريين وأصحاب المصالح.
اقرأ/ي أيضًا: نقابة المحامين: تعديلات قانون جرائم المعلوماتية "عقوبة قاسية" لم نُشرك فيها
من هو صالح عمار
صالح عمار شاب سوداني ولد في العام 1979 في ولاية كسلا، ودرس كل مراحله التعليمية الأولية فيها، حيث كان سكرتير اتحاد طلاب مدرسة كسلا الثانوية، ليلتحق في المرحلة الجامعية بجامعة الخرطوم كلية العلوم الإداريّة. وهو ناشط سياسي، وكان الأمين السياسي الأسبق لمؤتمر البجا الحزب الذي تأسس في تشرين الأول/أكتوبر العام 1957، وهو كاتب صحافي وعمل أيضًا بمنظمات المجتمع المدني في السودان.
تركة النظام السابق
في إجابتها لـ"ألترا سودان" على سؤال لماذا يرفض مرشح والي كسلا؛ تقول الطبيبة والناشطة النسوية والحقوقية بشرق السودان عسجد عبد المنعم:
"للأسف الرفض غلب عليه الخطاب العنصري. كنت و ما زلت أقول أن الحل هو مواجهة العنصريين و تفويت الفرصة عليهم والعمل الجاد لإرساء دعائم السلم الاجتماعي عبر مخاطبة المواطن البسيط وإحلال خطاب المطالب والخدمات كبديل عن خطاب العنصرية و التمييز الإثني".
وتضيف عسجد قائلة: "إنني أؤمن أن السبب في أن هذا الخطاب العنصري لقي رواجًا هو التهميش وقلة التنمية في الشرق عمومًا، والتي هي تركة النظام السابق، الأمر الذي أنتج مجتمعًا متصدعًا يغيب فيه دور الدولة".
العزل السياسي
يضيف طالب الماجستير في التأريخ بجامعة البحر الأحمر والمشتغل في قضايا شرق السودان عثمان أبوعجاج قائلًا:
"نعم، تم رفض والي كسلا المعين بدوافع عنصرية، وهذا هو الأمر المرفوض جملةً وتفصيلًا؛ مرفوض لأنه ينافي قيم الثورة التي رفعت شعارات المساواة والعدالة بين كل الأطراف".
ويمضي أبوعجاج قائلًا: "للخروج من مأزق العنصرية، يجب أن تحصل نقلة نوعية في الخطاب الاجتماعي في السودان، وإرساء قيم المساواة بين الجميع؛ والأهم من ذلك محاربة العنصريين في السودان وخلق قوانين تجرم العنصرية وتحاسب من يقومون بإيقاظ النعرات العنصرية بين المكونات الاجتماعية؛ وعزلهم من المشهد السياسي بالكلية".
خطاب السلطة البائدة
وفي هذا يجيب على سؤالنا المناضل والمحلل السياسي محمد أوشيك، أن هذا هو بالضبط خطاب السلطة السابقة، والذي ينطوي على تهديد بغير مقدرات، وحسب تعليقه فقد تم تجريبه من قبل.
ويقول أوشيك: "الخطاب الذي يتم به رفض الوالي مبنيٌ على أسس قبلية وعنصرية للأسف في القرن الواحد العشرين. معظم العناصر التي تستخدم هذا الخطاب موالية للنظام السابق، وأرادت استخدام الأوعية القبلية لرفض مرشح قوى الحرية والتغيير".
ويوضح أوشيك قائلًا: "معظم العناصر الرافضة تنتمي لأحزاب سياسية، لماذا لا يرفضون الوالي عبر مؤسساتهم الحزبية ببرنامج بديل بدلًا عن استخدام لغة الإقصاء والتخوين والتشكيك؟".
اقرأ/ي أيضًا: سيمنار المركز العربي| الأفندي يناقش أوهام الهوية السودانية وصراعات الأدلجة
ثم يضيف: "هؤلاء فشلوا في استخدام الخاطب السياسي المسؤول والذي يبني الرفض للمرشح على أسس منطقية ومقبولة، لذا لجأوا لاستخدام خطاب استزراع الكراهية والتناحر بين مكونات المجتمع".
الأزمة معقدة ولكن
من المعروف أن الأزمة في شرق السودان معقدة لأبعد الحدود، فالمنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية الكبيرة، عانت من التهميش لعقود طويلة نتيجة لسياسات الأنظمة المتعاقبة في البلاد، بالإضافة لثرواتها الزراعية والحيوانية المهمة وتواجد ميناء السودان الرئيس بها، الأمر الذي يركز الأطماع المحلية والإقليمية عليها، والذي في حال اجتماعه مع التهميش وغياب التنمية، ينتج مرارات كبيرة في نفوس الناس، وإحساس بالظلم والقهر والتغييب والإلغاء، وهو ما يعاني منه جميع شعوب شرق السودان.
الأزمة في الشرق معقدة وتنعكس على جميع سكان الإقليم، وتتمظهر في الإفرازات المتقيحة التي رأيناها في الفترة الماضية
هي أزمة معقدة وتنعكس على جميع سكان الإقليم، وتتمظهر في الإفرازات المتقيحة التي رأيناها في الفترة الماضية من الاقتتالات القبلية والصراعات الصفرية والموت المجاني في أوساط المواطنين، وهي صراعات وخطابات لا تخدم إلا الانتهازيين والطفيليين ممن يريدون استخدام هذا الواقع للدفع بأجندتهم التي تضمن مصالحهم الشخصية، وهو ما رأيناه في خطاب الكراهية تجاه الوالي المعين حديثًا ضمن مهام استكمال هياكل السلطة الانتقالية في كسلا. ولو أتت هذه الجماعات المناهضة له بمطالب مشروعة أو مظالم حقيقية لما اختلف الناس حولها، ولربما وجدت دعمًا وتضامنًا حتى من أفراد في مجموعة الوالي الإثنية، لكن الخطاب العنصري لم يترك أي مجال للتضامن، بل أضعف موقف الجماعة الأخلاقي والمعنوي والأدبي الضعيف أساسًا، وأدخل الإقليم في توتر قبلي حاد بلا أي داعٍ، توتر قبلي لن يدفع ثمنه في حال انفجاره، إلا البسطاء من جميع الأطراف، بالإضافة لإنسان الشرق المغلوب على أمره في كل حال.
اقرأ/ي أيضًا