22-يوليو-2020

(المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)

ألترا سودان - فريق التحرير

قال عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية
بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الدكتور عبد الوهاب الأفندي إن الحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق عمقت أزمة الهوية السودانية بالانقسام الذي طرأ بين تيارين، حيث سعى تيار بزعامة قرنق إلى توحيد السودان بناءً على الهوية الإفريقانية وإيقاف المد الإسلامي، بينما رفض التيار الآخر وحدوية قرنق وسعى للانفصال وتكوين دولتهم الإفريقية.

الأفندي: بعد الثورة لا يزال سؤال الهوية قائمًا، خاصةً في ظل التآمر القبلي للاعتماد على نفوذ عسكري تقف وراءه القبيلة، وهذا تسييس شرير للهوية 

وتطرق الأفندي في السيمنار الذي أقامه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة، عن بعد، بعنوان "أوهام الهوية السودانية وصراعات الأدلجة: أوهام من وانتحال من؟" إلى كتابات الدكتور فرانيسس دينق عن الهوية السودانية والأزمة التي تلازمها منذ قرون، موضحًا أن دينق يعتقد أنه إذا ألف كتابًا من الولايات المتحدة الأمريكية عن تحديد الهوية الإفريقية، سيترك المواطن في دارفور هويته ويقرر الانتماء إلى هوية يختارها له دينق، وهذا أمرٌ غير منطقي، لأن الهوية يحددها الشخص وليس الآخرين.

وتابع الأفندي: "جون قرنق كان يخاطب جنوده بالعربية وليس الإنجيلزية لأنها ليست منتشرة في جنوب السودان، والجنوبيون النخب كانو يطلبون ترجمة اللغة الإنجليزية عندما يجتمعون مع الغربيين لأنهم اعتادوا على اللغة العربية".

اقرأ/ي أيضًا: استقالة مدير مكتب وزير الصناعة والتجارة وإقرار بضعف الأداء

وأضاف الأفندي: "السودانيون الذين يسافرون إلى الجنوب ودارفور يتم وصفهم بالجلابة ولاحقًا تم تعميم هذا الوصف على جميع الشماليين، ومن الخطأ تعميم صفة الجلابي التي تعني الشخص المنتقل إلى هوية أخرى والغالبية الذين يوصفون بالجلابة لم ينتقلوا إلى هوية أخرى".

وسرد الأفندي رواية حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية عندما شارك في مؤتمرٍ أقامه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في العام 1992 في مدينة أتلاتنا، حيث عقد كارتر لقاءً بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بزعامة بونا ملوال.

يقول الأفندي: "ظن كارتر أننا نكن العداء إلى بعضنا اجتماعيًا، فكان يرتب لعقد لقاءٍ لتمهيد التفاوض، لكنه عندما شاهدنا نلقي التحية بحرارة على بعضنا اندهش، وقال أنتم السودانيين محيرون لأنني قضيت وقتًا في كيفية امتصاص التوتر الذي قد ينجم عند لقائكم ومن ثم التفاوض".

ويرى الأفندي أن الطبيعة السودانية المتسامحة هي التي تمثل الهوية السودانية رغم الآيدلوجيات والحروب، عكس ما يروج له فرانسيس دينق الذي يدعو إلى ترك الهوية العربية والذهاب إلى الهوية الإفريقية، وأردف: "فرانسيس يتحدث عن أن اعتقاد الشماليين أنهم عرب، وهو وهمٌ وهوس، وإذا عرفوا أنهم أفارقة سيكون بين السودانيين سلام".

ووصف الأفندي أطروحات فرانسيس دينق بالعنصرية، وقال: "أنا اعتقد أن هذا الطرح عنصري، بمعنى أن اللون الأسود إفريقي وبقية العرب المصريين والجزائريين لونهم أبيض، رغم عدم وجود عرق عربي، حتى عرب قريش كانوا يسمونهم عرب عاربة واكتسبوا اللغة العربية ولم يكونوا عربًا ولا يوجد شخص عربي بالعرق".

وأشار الأفندي إلى فرانسيس دينق كمن يسمح بالاستعلاء شريطة أن يكونوا عربًا أصليين كما يطرح، وهذا نفسه إنزال للأفارقة إلى درجات دنيا وعنصرية مضادة.

وقال الأفندي: "هناك حوار بيني وبين فرانسيس دينق، وهو صديقي ونتعاون معًا حتى أحد كتبي كتب مقدمته من أربعة آلاف كلمة".

وركز الأفندي على أن الفضاء النوبي هو الذي أنطلقت منه الهوية السودانية، كونها لم تتعرض إلى غزوات مثل الحضارات المصرية التي تعرضت إلى هجوم الآشوريين والإغريق، أما السودان والحضارة النوبية فقد ظلا فضاءً مغلقًا ومحصنًا. 

الأفندي: فرانسيس دينق يعتقد أن مواطنًا من دارفور إذا قرأ كتابه المؤلف في الولايات المتحدة سيركض ويغير هويته لأنه قرأ لفرانسيس الذي يتحدث عن الهوية بشكل عنصري

وأنتقل الأفندي بالسرد إلى تقديم ملخص تاريخي عن ملكة نوبية اسمها أماني ريناس، والتي لقبت بـ"الكنداكة"، وهي المحاربة الشجاعة التي غزت مصر رفضًا للإتاوات والضرائب من الجيش الروماني الذي احتل مصر، لافتًا إلى أنها عادت بتمثال من هناك ودفنته في المعبد لتطأه أقدام زائري المعبد.

ويؤكد الأفندي في الندوة التي أقامها المركز العربي بالدوحة، أن الفضاء النوبي ظل مغلقًا حتى جاءت المسيحية والإسلام باختياره وليست بالقوة.

ويعتقد الأفندي أن التحول حدث في الهوية السودانية عندما جاء الغزو التركي المصري إلى السودان عام 1821، بإدخال اللغة العربية والإسلام في كل المناطق عدا بعض جيوب مناطق النوبة.

وأوضح الأفندي بأن الحركة المهدية أحدثت زلزالًا في الهوية السودانية بصورة تكاد تكون غير مسبوقة، وخلقت هوية "مهدوية" لأن السودان كان في الفضاء النوبي الذي يعطي ويأخذ، لكن الحركة المهدية حولت نفسها إلى حركة دينية عالمية تدعو إلى الإسلام على مستوى العالم حتى خاطبت بريطانيا بعدم معاداتها أسوة ببقية الأوروبيين.

ويشدد الأفندي على أن الهوية السودانية ليست مصطنعة لأنها متراكمة لم تأتي من الأجانب، حتى بريطانيا حافظت على الهوية السودانية واتهمت بعدم تطويرها وأعادت إحياء القبلية التي كانت في طريقها للاندثار واستوردت علماء الدين من مصر.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي خطة الحكومة لحل أزمة حجب المعلومات عن الصحافة؟

ويشير الأفندي إلى أن الهوية الإسلامية ليست محل خلاف بين السودانيين حتى في جميع الممالك، وهناك أساطير تتحدث عن هوية عربية لأصول مملكة الفور، وهي أسطورة أحمد المعقول الذي جاء من تونس وأصبح جد السلاطين في مملكة كير.

ويرى الأفندي أنه في الولايات المتحدة مثلًا، يكتسب المهاجر الهوية بعد وصوله إليها والحصول على الجواز الأمريكي إلى درجة الوصول إلى منصب عضو الكونغرس كما حدثت مع المهاجرة الصومالية الأصل، أما السودانيون في بريطانيا فيعتقدون أنهم بريطانيون وهذه هويتهم.

ويحمل الأفندي الحركة الشعبية مسؤولية "تسييس" الهوية في السودان ومحاولة تأصيل الإفريقانية وهو أمر مزعج أن تتحدث عن هوية الإنسان بالنيابة عنه لأن أي شخص حر، لا يصح أن تقول له يجب أن تعيد النظر في هويتك.

وختم الأفندي مرافعته بالقول: "في رأيي يجب أن يقبل كل إنسان هويته التي تعجبه، هذه الهوية يجب ألا تكون مبررًا لقمع الآخرين، ويجب أن نعترف مثل بقية البلدان أن هناك عنصرية في السودان وهناك إشكالات قبلية لمعالجتها عبر الحوار".

وقال الأفندي: "التسييس الحسن للهوية هو توحيد الناس والاعتراف بالتعدد والتنوع، وبعد الثورة أصبح البعض يتحدث عن القبيلة التي منها فلان صاحب النفوذ العسكري يعملون على التآمر من وراء الكواليس، وهذا تسيس شرير للهوية".

من جهته قال الباحث في الهوية السودانية الدكتور أحمد أبوشوك في نفس السيمنار معقبًا على كلمة الأفندي، إن الهوية أمر متخيل يعرفها وعاء الضمير الجمعي وثلة من العادات والتقاليد في إطار ثلاثي الأبعاد يتجدد مع الزمان والمكان.

وذكر أبوشوك أنه في الحقب المتلاحقة في العهد المسيحي توسعت جنوبًا وفي العهد التركي المصري أصبح هناك واقعًا سياسيًا جغرافيًا لسطنة الجنوب، لأنه لم يكن جزءًا من المنظومة في العهد الثنائي وأدخل الجنوب مع الفونج والفور والنوبة وبدأت قضية الهوية والإنسان تتغير.

ويرى أبوشوك أن الأصل النوبي الذي بنى عليه عبد الوهاب الأفندي ورقته يثبت حديث فرانسيس أن السودان ليس عربيًا، وهناك رفضًا لهذا الانتماء، واتجه أبو شوك إلى علم الأنساب البايولوجي وهو الجانب العلمي من مسألة الهوية.

أبو شوك: هناك إسلام محلي سوداني اكتسب إرثًا محليًا من المجتمعات الموجودة

ويضيف أبو شوك: "تبنى عبد الله علي إبراهيم منهج علماء الانثروبولوجيا لأن الهوية في عمقها هي أمر متخيل فالإنسان له أن يتخيل ما يشاء، لكن عبد الوهاب الأفندي توصل إلى أن الاستمراية منهج الانتماء إلى النوبة يشكل البنية التراكمية للسودان".

ويشير أبوشوك إلى نقطة أخرى مدللًا على وجود إسلام محلي في السودان اكتسب من العادات الوثنية والتصوف وأسماها "عقيدة إسلامية مرتبطة بالإرث النوبي والموروث المحلي".

ثم إنتقل أبوشوك إلى تيار ثالث في فهم الهوية، وهو التيار الذي يجمع بين الغابة والصحراء موضحًا أن الهوية تتعرض إلى إشكاليات كلما صعدت نحو السلطة.

حامد علي: التواصل بين الممالك كان باللغة العربية لكن التحادث الداخلي يختلف ولا نستطيع أن نجزم أنهم كانوا يتحدثون العربية

فيما نفى الدكتور حامد علي الذي عقب حديث الأفندي تحدث غالبية سكان الممالك السودانية باللغة العربية، وقال إن التواصل بين الممالك كان باللغة العربية لكن التحادث الداخلي يختلف ولا نستطيع أن نجزم أنهم كانوا يتحدثون العربية والهوية جزء منها حقيقة وجزء منها أوهام، على حد قوله.

ودعا حامد الأفندي الذي يستعد إلى طرح كتابه الجديد عن الهوية، إلى تغيير الاسم وتقديم كتاب ضخم يحتوي على إشكالات الهوية والمعالجات وتحديات بناء الدولة السودانية من فضاءات النوبة.

ومضى حامد إلى القول بعراقة الحضارة المروية، وأضاف: "كانت هناك حضارات في منطقة الشرق الأوسط، وأن مملكة كوش شنت غارات على مصر ولديها تأثير كبير من الشمال إلى الجنوب".

وتضمن السيمنار الذي أقيم اليوم عبر أنظمة مؤتمرات الفيديو، حضورًا لباحثين من المركز العربي ومشاركين من خارج المركز.

اقرأ/ي أيضًا

مصادر لـ"ألترا سودان": إبعاد الدبلومسيين المنتمين "للوطني" وتعيين نساء مكانهم

قراءات في الزيارة النادرة للوفد العسكري والأمني الإريتري للسودان