03-مايو-2022
(Deposit Photos)

(Deposit Photos)

ارتبط العيد عندنا في السودان بالساحات والميادين، حيث يلبس الصغار والكبار الملابس الزاهية لأداء الصلاة والمعايدات التي تليها في "الميدان أو الفَسَحَة": تلك القطعة الخالية في الحي المحجوزة للمناسبات والترويح.

في أزمنة سابقة قبل الشتات الكبير المعاصر، كانت هذه القطعة تحوي كل من يجب معايدته، إذ لم تكن دائرة المعارف التي يتم التواصل معها ومعايدتها في فترة الأعياد تتجاوز الحي أو البلدة الصغيرة التي يقطنها الشخص، وحتى أفراد الأسرة والأصدقاء البعيدين لم يكن الاتصال معهم لحظيًا كما نشهد الآن.

مواقع التواصل صارت -كما وصفها إيلون مسك- الساحات العامة المعاصرة حتى في العيد

لقد كان الملياردير الأمريكي "إيلون مسك" هو من وصف موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بأنه "ساحة المدينة الحديثة"، ويحمل وصف مسك بعضًا من الحقيقة، فالناس الآن لا تحتاج لأن تذهب بملابس العيد للميدان للقاء المقربين، يكفي "السيلفي" فقط كمعايدة شاملة تصل المعارف في كل مكان في ساحة المدينة الرقمية التي نقضي وقتًا طويلًا في جنباتها، على الرغم من إفقادنا ذلك حميمية وثراء اللقاءات والتمنيات وجهًا لوجه.

ومثل كل عام في السنوات الأخيرة، انتشرت في الأوساط السودانية على مواقع التواصل في أيام العيد، صور السيلفي الجماعية والفردية التي يَسمُهَا أصحابها بـ"سيلفي العيد"، في ظاهرة لها دلالاتها فيما يتعلق بالتغير المطرد في العادات والتقاليد في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، ضمن حزمة الحمولات المادية والمعنوية لهذه المنتجات الحديثة عالمية التأثير.

https://t.me/ultrasudan

ويحتفي العديد من الشباب بالسيلفي من المقربين إليهم، ويعدون هذه الصور هدية خاصة وسببًا من أسباب بهجة العيد.

وبالطبع للعشاق والمحبين في مجتمعاتنا النصيب الأكبر من هذه الصور بالحلل الزاهية، فطبيعة المجتمع المحافظ تصعِّب من اللقاءات بين المحبين، وترفض إشهار العلاقات العاطفية خارج الإطار المسموح به، ما يجعل لسيلفي العيد مكانة خاصة في قلوب هؤلاء.

ومثل كل عادة جديدة، هنالك الكثير من الجدل الذي يصاحب انتشارها في المجتمع، وفي هذا السياق يصف "مهند محمد" سيلفي العيد في تغريدة له على "تويتر"؛ بأنه "يندرج تحت تصنيف الصور العرضية الهشة التي تحاول الأنا الافتراضية من خلالها التحقق من وجودها"، منتقدًا الجانب الاستعراضي الذي يصاحب هذه الصور.

المحلات التجارية أيضًا انتبهت للظاهرة، فروَّجت تحت هذا العنوان لملابس العيد التقليدية التي عادة ما يتم التقاط السيلفي فيها.

وربما لهذه الظاهرة جوانب إيجابية نسبة لطبيعة مجتمعاتنا الحديثة بهجراتها المتعددة الداخلية والخارجية، وعالمية العلاقات في زمن الإنترنت، ولكن قد تسحب البساط أيضًا من مباشرة وعفوية اللقاءات على أرض الواقع، كما أن الجانب الاستعراضي لها قد يساهم في زيادة الضغوطات التي يتعرض لها الناس على مواقع التواصل للظهور بأفضل الأشكال في أجمل الحلل غض النظر عن التكلفة، بالإضافة للمقارنات والمظاهر التي تخفي بعضًا من الحقيقة.