19-نوفمبر-2023
قائد الجيش السوداني البرهان ونائب قائد الدعم السريع عبدالرحيم دقلو

قائد الجيش السوداني البرهان ونائب قائد الدعم السريع عبدالرحيم دقلو (ألترا سودان)

قالت مجلة "ذي إكونوميست" البريطانية إن الوضع في السودان قد "يزداد سوءًا قريبًا"، لافتةً إلى ما وصفتها بـ"الانتصارات الكبرى" التي حققتها الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة. وأضافت: "يشير المحللون العسكريون إلى أنها يمكن أن تحاول الاستيلاء على بقية البلاد"، فيما يخشى مراقبو النزاع من حدوث "المزيد من العنف والإبادة الجماعية" – بحسب المجلة.

تقول "ذي إكونوميست" إن التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع يظهر إلى حد بعيد "الدعم غير المتكافئ الذي قدمته الأطراف الخارجية للجانبين"

ونقل تقرير لمجلة "ذي إكونوميست" توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض اقتصاد السودان بنحو الخُمس هذا العام، لافتةً إلى أن الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع تعمل على تعميق "التنافس الجيوسياسي" في شمال شرق أفريقيا والخليج.

وقالت المجلة البريطانية إن العالم لم يولِ السودان –ثالث أكبر دولة في أفريقيا– اهتمامًا كبيرًا منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل الماضي، بسبب انشغاله بالحرب الروسية على أوكرانيا والحرب في غزة. ولفتت إلى أن عواقب هذا الإهمال باتت أكثر وضوحًا الآن.

وأشارت "ذي إكونوميست" إلى أن نزوح نحو (6.3) مليون شخص من ديارهم في السودان منذ نيسان/أبريل الماضي، بالإضافة إلى (3.7) مليون سوداني فروا من ديارهم في الصراعات السابقة إلى جانب (1.1) مليون أجنبي لاجئ في السودان، فيما فر نحو (1.4) مليون سوداني إلى البلدان المجاورة منذ بدء الحرب بين الجيش والدعم السريع. وتقول وكالات الإغاثة إن أكثر من ست ملايين شخص "على بعد خطوة واحدة من المجاعة".

https://t.me/ultrasudan

وعدّت المجلة خروج قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم في آب/أغسطس الماضي ­–والذي وصفته المجلة بالهروب– عدته علامةً على "تشديد الدعم السريع قبضتها على الخرطوم. وأشارت المجلة إلى أن هناك قتالًا عنيفًا داخل الخرطوم. ونقلت أقاويل عن اقتراب الدعم السريع من الاستيلاء على المواقع المتبقية للجيش في العاصمة.

وقالت المجلة البريطانية إنه فيما يسيطر الجيش على معظم الأراضي الزراعية في الشرق ومحطة النفط في بورتسودان على البحر الأحمر، لدى الدعم السريع مناجم الذهب في غرب السودان وتسيطر على الحدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، في حين توسع سيطرتها على خط أنابيب النفط من دولة جنوب السودان والذي تعتمد عليه الحكومة السودانية للحصول على رسوم العبور.

وأشارت المجلة إلى أن مكاسب الدعم السريع في دارفور كانت "أكثر دراماتيكية"، لافتةً إلى أن الدعم السريع استولت، منذ نهاية موسم الأمطار قبل نحو شهر، على ثلاث مدن رئيسة من أصل خمس في الإقليم، وعلى القواعد العسكرية الرئيسة للجيش في هذه المدن.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي استولت قوات الدعم السريع على نيالا (ثاني أكبر مدينة في السودان)، إذ انهارت دفاعات القوات المسلحة السودانية بعد معركة ضارية مع قوة من الدعم السريع بقيادة عبدالرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي) وشقيقه. "تلا ذلك ثلاثة أيام من النهب" بحسب ما نقلت المجلة عن المحامي صلاح الدين ليموني الذي أشار أيضًا إلى أن سكان نيالا بجنوب دارفور يعيشون من دون كهرباء فيما تعطلت إمدادات المياه – وفقًا للمجلة.

في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أدى هجوم متجدد من قبل الدعم السريع إلى سقوط حامية للجيش في بلدة "أردمتا" على بعد نحو (10) كيلومترات شمالًا من الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور. واستخدمت الدعم السريع طائرات من دون طيار، في أعقاب اشتباكات في وقت سابق من الحرب أجبرت القوات المسلحة على التراجع إلى قاعدتها.

وتقول المجلة نقلًا عن شهود إن الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها شنت "حملة شرسة" من القتل ضد شعب "المساليت"، إذ فصلوا الرجال عن النساء، وجُمعوا قبل أن يطلقوا عليهم النار، واعتقلت قادة القبائل واغتالت بعضهم – بحسب المجلة. "تظهر مقاطع الفيديو شبابًا يزحفون على أربع بينما يضربهم الجنود ويجلدونهم"، فضلًا عن ظهور "جثث متناثرة في الشوارع" – قالت المجلة التي أوضحت أن المسؤولين يقدرون أن (800) شخصًا على الأقل قتلوا، فيما نقلت عن مراقبين محليين قولهم إن الحصيلة تصل إلى (1,300) قتيلًا.

ونقلت المجلة عن ناشطين محليين قولهم إن قوات الدعم السريع توجهت إلى "أردمتا" بعد سقوط قاعدة الجيش، وكانت تبحث عن "رجال المساليت" بالاسم لقتلهم، فيما شاهدوا عناصر الدعم السريع تدفن الجثث المتناثرة في الشوارع ليلًا.

وتشير المجلة إلى أن قوات الدعم السريع تقترب من الفاشر عاصمة شمال دارفور (ومقر حاكم الإقليم)، فيما ترتكز بعض قواتها في الجانب الشمالي من المدينة، وتقترب قوة أكبر بكثير من ناحية الجنوب. وفي حين يتحصن الجيش بثكناته –بحسب المجلة– بدأت إمدادات المياه والغذاء والدواء تنفد في المدينة. ويحاول السكان الخائفون الفرار. وتقول المجلة إنه في حال غزا عبدالرحيم دقلو المدينة واستولى عليها، فسيكون قادرًا على المطالبة بالسيطرة على كل دارفور وتأمين "طريق حاسم لإمدادات الوقود والأسلحة من ليبيا". ونقلت المجلة عن دبلوماسي غربي قوله: "إنها مسألة وقت فقط."

وذكرت المجلة في تقريرها أن وجود عشرات –إن لم يكن مئات– الآلاف من المدنيين النازحين من أجزاء أخرى من دارفور، فضلًا عن المليشيات المدججة بالسلاح من "الزغاوة" تزيد من "احتمالات وقوع كارثة إنسانية" في الفاشر بشمال دارفور. ونقلت تحذيرات من مسؤول أممي قال فيها: "إن كان هنالك قتال فمن المرجح أن يكون دمويًا للغاية ويعرض المدنيين لخطر جسيم".

وتقول "ذي إكونوميست" إن التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع يظهر إلى حد بعيد "الدعم غير المتكافئ الذي قدمته الأطراف الخارجية للجانبين". وأشارت إلى أن التقارير تفيد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة والمركبات المدرعة والطائرات من دون طيار عبر تشاد، حتى مع حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ونقلت المجلة إحصائيات عن تنفيذ (168) عملية نقل جوي من الإمارات العربية المتحدة بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول الماضيين، في حين نفت الإمارات إرسال أسلحة إلى "أي من الأطراف المتحاربة". وساعدت الصواريخ المضادة للطائرات التي أفادت تقارير بأن مجموعة فاغنر الروسية قدمتها إلى قوات الدعم السريع – ساعدت على تقليص التفوق الجوي للقوات المسلحة السودانية – بحسب تقرير المجلة.

ومع أن مصر ساعدت بوتيرة متقطعة الجيش السوداني في الآونة الأخيرة وفق ما نقلت المجلة عن مصادر، من خلال "قصف جسر تستخدمه قوات الدعم السريع في الخرطوم" – إلا أنها "فعلت أقل بكثير مما فعلته الإمارات" – تضيف المجلة.

ويخشى بعض المحللين –بحسب "ذي إكونوميست"– من تكرر "سيناريو ليبيا" بانقسام السودان إلى قسمين، أحدهما على جانبي نهر النيل. وإن استولت قوات الدعم السريع على الخرطوم، فقد تكون محطتها التالية بورتسودان على البحر الأحمر، وهي "موقع رئيسي لكل من قوات الدعم السريع وداعميها الإماراتيين". ونقلت المجلة عن خلود الخير من مؤسسة "كونفلوينس" الاستشارية (مؤسسة فكرية سودانية) قولها: "لا يمكن لقوات الدعم السريع أن تعلن النصر دون الوصول إلى البحر".

وتقول المجلة نقلًا عن الخير إنه حتى لو حققت قوات الدعم السريع المزيد من التقدم، فمن غير المرجح أن تمتد سيطرتها إلى جميع أنحاء البلاد. فالجيش "لن يتبخر" وسيبقى عدد لا يحصى من الجماعات المتمردة الصغيرة، وقد يقود ذلك مؤيدي الجيش المترددين حتى الآن إلى دعم الجيش وتقويته إن أصبح على وشك خسارة عاصمته الفعلية على البحر الأحمر، فضلًا عن أن الدعم السريع ليس لديها إستراتيجية للحكم وحتى إن سيطرت على البلاد فلن تستطيع أن تحكمها – بحسب الخير.

وحذر دبلوماسي أوروبي –بحسب المجلة– من "عواقب وخيمة" لسيناريو تمزيق السودان جراء التنافس الإقليمي. فمن ناحية، نجد كتلة الإمارات –ومن المحتمل أنها تشمل أيضًا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد– الداعمة لقوات الدعم السريع في السودان وأجزاء من الصومال وتشاد. وعلى الجانب الآخر، معسكر تدعمه السعودية ويضم السودان وجيبوتي وإريتريا ومصر – طبقًا لما ذكره تقرير المجلة.

ونقلت المجلة عن المسؤول الأمريكي السابق كاميرون هدسون تصوره لسيناريو فيه "يفر عشرات الملايين من السودانيين عبر القارة والبحر الأحمر هربًا من انزلاق البلاد إلى هاوية أمراء الحرب وعنف المليشيات العرقية"، مع مخاوف من إمكانية أن تجتذب المناطق غير الخاضعة للحكم في السودان الجهاديين الذين يقاتلون حاليًا في منطقة الساحل، والمرتزقة الروس – حسب المجلة.

وكان القتال محتدمًا في دارفور بين الجيش والدعم السريع، بالتزامن مع المحادثات بين ممثلي الطرفين في جدة بالمملكة العربية السعودية. وتقول المجلة إن قوات الدعم السريع وفقًا لمسؤولين إماراتيين –"داعميها سرًا"– لا ترى أي فائدة من الهدنة في الحرب التي "ينتصرون فيها". في وقت تؤكد فيه القوات المسلحة السودانية أنه يجب على عدوها تسليم سلاحه والانسحاب إلى قواعده. ونقلت المجلة عن دبلوماسي أوروبي آخر قوله: "هناك عدم تطابق صارخ بين ضعف الموقف العسكري [للقوات المسلحة السودانية] وموقفها التفاوضي المتطرف المثير للسخرية".

وبحسب المجلة، لا يعتقد أي خبير أنه من السهل التوصل إلى اتفاق يناسب هؤلاء المقاتلين "الكاذبين الذين يدافعون عن مصالحهم الذاتية"، ناهيك باتفاق يأخذ في الاعتبار أيضًا "الضحايا المدنيين لجشع الجنرالات". وذكرت المجلة أن الاستجابة الدولية للأزمة السودانية ما تزال ضعيفة حسب هدسون. فيما يقف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "مشلولًا" وقد أبدى قادته اهتمامًا أقل بكثير بالسودان مما أبدته تجاه غزة.

ونقلت "ذي إكونوميست" عن الباحث البريطاني أليكس دي وال قوله إن البيت الأبيض تبنى تجاه الأزمة في السودان سياسة الأمر الواقع المتمثلة في "عدم إزعاجنا"، مرجحًا أن لا يكون السودان على رأس جدول أعمال أمريكا في مناقشاتها مع الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، خاصةً منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وتشير المجلة إلى أن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط اجتذبت الاهتمام العالمي، فيما تمر –في الوقت نفسه– "الآثار المروعة الناجمة عن انهيار دولة ضخمة في أفريقيا دون أن يلاحظها أحد تقريبًا". ونقلت عن مسؤول غربي قوله: "لقد مات السودان، ولم يكتب أحد النعي".