03-أكتوبر-2019

من المباراة (TRT)

اضطرت النساء السودانيات للانتظار ثلاثين عامًا لممارسة كرة قدم بدون قيود، والنضال لسنين ضد العادات والتقاليد والقوانين والمتطرفين والمتشددين دينياً والتكفيريين، قبل تشكيل أول فريق نسائي في العام 2001. إذ تأسس فريق "التحدي" النسائي لكرة القدم في العاصمة السودانية الخرطوم سنة 2001، كأول فريق سيدات، على يد المدربين جوزيف "أسكوباس" و"مايكل أركانجلو" وشارك بقيادة اللاعبة "سارة ادوارد" في بطولة بجمهورية ألمانيا عام 2010. ويتخذ "التحدي" من الحديقة الدولية بالخرطوم مقراً لتدريباته منذ العام 2010 ويتم جمع اشتراكات شهرية من اللاعبات، لشراء مستلزمات اللعبة من الأعلام والكرات وأقمصة الفريق.

اتحاد الكرة السوداني يشترط ممارسة اللعبة في أجواء منضبطة

 سمح الاتحاد العام للكرة السودانية في يونيو 2014، لأول مرة للنساء بممارسة كرة القدم، رسمياً بعدما طالب الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بذلك، إلا أن الاتحاد اشترط ممارسة اللعبة في أجواء منضبطة في ظل مراعاة ما أسماه "القيم والعادات السودانية" كما اشترط ارتداء اللاعبات الزي "المحتشم". وقاد الشغف المتزايد من النساء والفتيات لكرة القدم، السيدة "سلمى الماجدي" لاحتراف تدريب كرة القدم ونيل رخص الاتحاد السوداني لكرة القدم والاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف". وبعدها استطاعت الماجدي، تدريب عدة فرق كرة قدم للرجال في السودان كأول امرأة تفعل ذلك في أفريقيا والعالم العربي.

 سمح الاتحاد العام للكرة السودانية في يونيو 2014، لأول مرة للنساء بممارسة كرة القدم، رسمياً بعدما طالب الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بذلك

مشاهد غير مألوفة

في منظر غير مألوف في مرحلة ما قبل الثورة، نزلت اثنان وعشرون لاعبة كرة قدم إلى أرضية استاد الخرطوم، بمعية 4 من الحكام السيدات، وهن يرتدين ملابس رياضية، قمصان مع سراويل قصيرة باللونين الأخضر والأبيض وجوارب طويلة تغطي سيقانهن بدون غطاء رأس، ليضعن بذلك نهاية للاعتقاد السائد بحصرية لعب كرة القدم للرجال فقط.

المدربة سلمى الماجدي

ووسط تفاعل المدرجات وأصوات التشجيع والتصفيق والهتاف، تناقلت لاعبات فريق "التحدي" ومنافسه "الدفاع" الكرة بشكل سريع بين خط الوسط والهجوم في محاولة كل فريق السيطرة وفرض تكتيكاته على وسط الميدان والاستحواذ على الكرة، وتنظيف منطقة الدفاع وتشتيت الهجمات المرتدة أمام المرمى، رغم ذلك خطفت "نضال فضل الله" من فريق الدفاع الهدف الأول في الدقيقة الثانية من عمر المباراة كأول هدف في الدوري السوداني لكرة القدم للسيدات.

فيما رجحت "آمال عبد العزيز" كفة التحدي وأحرزت هدف التعادل في الدقيقة الرابعة، وكان الهدف الثاني للدفاع من نصيب "روان إسماعيل" في الدقيقة 43 من الشوط الأول، وأحرزت "ابتهاج حريرة" هدف التعادل الثاني في الدقيقة 32 من الشوط الثاني.

اقرأ/ي أيضًا: المشهد الرياضي في سودان الفترة الانتقالية

لتعلن الحكم "خادم الله الشائب" التي أدارت المباراة، نهايتها بتعادل الفريقين بهدفين لكل منهما، عاونتها كل من "هنادي محمد" حكم أول و"رماز عثمان" حكم ثان و"زهراء علي" حكم رابع.

أعضاء من حكومة ما بعد الثورة كانوا حضورًا في المباراة، بقيادة عضو مجلس السيادة "عائشة موسى" ووَزيرة الشباب والرياضة "ولاء البوشي" ورئيس اتحاد كرة القدم للسيدات "ميرفت حسين" وشاهدت موسى والبوشي جانباً من المباراة قبل مغادرة الملعب.

مدرجات استاد الخرطوم تستقبل المشجعات والمشجعين!

مع أن حضور المباريات الرجالية لم يكن ممنوعًا على السيدات، إلا أن خوفاً كان يحول بينهن وبين مشاهدة المباريات من داخل استاد، في أوساط عرفت بتمييزها ضد المرأة.

وجذبت مباراة الافتتاح حضورًا نوعيًا من السيدات خاصة الصحفيات والناشطات في العمل العام، قدن التشجيع والهتاف من داخل المدرجات، بجانب الفنانين ولاعبي كرة قدم وغيرهم من الفئات الأخرى.

وتقدمت وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي، بالشكر، لرئيس اتحاد كرة القدم للسيدات ميرفت حسين وقالت أنها حاربت جبهات عديدة للوصول إلى هذا الإنجاز. وأوضحت ولاء البوشي أن الإرادة السياسية تغلبت على ما كان سائدًا من عادات وتقاليد وحرب ضد الكرة النسوية، وتعهدت بدعم كل الرياضة النسوية بلا استثناء، والاهتمام بالبنى التحتية وذوي الإعاقة، والرياضيات بالمناطق المتأثرة بالحروب.

وقالت عذارى البالغة من العمر 15 عاماً، أنها تطمح إلى خوض مباريات دولية وتحقيق إنجاز للسودان في كرة السيدات، وأكدت "لالترا صوت" أن أسرتها دعمتها في الدخول إلى عالم المستديرة، بدون خوف من العادات والتقاليد والنظرة الاجتماعية وأضافت: أنا فخورة بأسرتي جداً.

من المباراة

دوري السيدات.. 21 فريقًا في 4 مجموعات 

يتكون الدوري من 21 فريقاً تضمهن 4 مجموعات. إذ قال منسق دوري السيدات بالاتحاد بابكر عثمان "لالترا صوت" أن الدوري يتكون من 21 فريقاً، يشكل أربع مجموعات في الخرطوم، كل مجموعة تتكون من خمسة فرق على النحو الآتي:

  1. مجموعة "الخرطوم": العباسية، والكرنك، والتحدي، والمدفعجية، والدفاع الحلة الجديدة.
  2. مجموعة "ود مدني": ود مدني للسيدات والأسرة من مدينة سنجة وسيدات كوستي وسيدات القضارف وتاجوج من مدينة كسلا.
  3. مجموعة الأبيض: الهلال الأبيض والمريخ الأبيض والأهلي الأبيض والموردة الأبيض.
  4. مجموعة كادقلي: التاج الدلنج والهلال الدلنج والصمود كادقلي والأمل كادقلي ومرتا كادقلي.

ووفقا للمنسق بابكر عثمان فإن البطولة من دورة واحدة ويتأهل فريق واحد من كل مجموعة لربع النهائي ويتم تقسيم الفرق إلى مجموعتين، يتأهل المتصدران فيهما إلى المباراة النهائية لتحديد البطل. وأشار إلى وجود 4 حكام دوليات من السيدات، و18 قوميات، خضعن لورشة تدريبية قبل انطلاق البطولة، وقال "عثمان" أن الدوري الذي انطلق الإثنين الماضي هو أول بطولة رسمية وليس هناك مشاركات خارجية رسمية.

هجوم هيئة علماء السودان

وبمجرد انتهاء المباراة سارعت هيئة علماء السودان بتوجيه هجمة مرتدة، وسددت انتقادات للاعبات واعتبر رئيس الهيئة "محمد عثمان صالح" أن ذلك دليل قاطع على علمانية الدولة، رغم أنه أفتى بجواز ممارسة المرأة للرياضة في الدين الإسلامي إلا أنه أكد على أنها مقيدة بشروط تتعلق بالصحة وستر العورة. 

انتقدت هيئة علمان السودان هذا الحدث الرياضي الذي شاركت فيه اللاعبات والمشجعون من كلا الجنسين واعتبرته مخالفًا لتعاليم الدين الإسلامي!

وأضاف عثمان صالح أن "مشاهدة الرجال للنساء وهن يمارسن كرة القدم وهن في عورة كاشفة، أمر لا يجوز"، ورأى أن على المرأة أن تمارس الكرة وهي في حيز مستور دون وجود أجنبي. وأضاف أن هذا فقط جائز في الإسلام، واعتبر أن كرة القدم تديرها "الماسونية العالمية ذات التوجه العلماني".

مشجعون معجبون بأداء الرياضيات

"مستوى ممتاز خاصة أنها اول مباراة وأمام الجمهور" جاء ذلك على لسان "عبد العزيز عباس" المشجع الهلالي، كان يقود التشجيع من المدرجات، واعتبر أن قيام دوري للسيدات في كرة القدم تقدم لا تخطئه العين، فيما قال "هاشم سليمان" الذي حضر المباراة من داخل الاستاد، أن نظام المخلوع عمر البشير منعهم من الاستمتاع بالكرة النسائية، وأشاد بشباب الثورة لإتاحتهم الفرصة للمرأة للمشاركة في كرة القدم كغيرها من الرياضات الأخرى بدون استحياء، وأبدى "النيل محمد" تحفظه على الزي الرياضي الذي ارتدينه لاعبات الفريقين، وقال: "كان عليهن ارتداء سراويل أو بناطيل طويلة بدلاً من الجوارب"، ووصف محمد المستوى الفني للاعبات بالجيد، وبأنه يمثل بداية مشرقة. أما المشجعة ريم مصطفى، فاعتبرت انطلاق الدوري السوداني للسيدات بمثابة تحرر للمرأة السودانية من القوانين المقيدة كقانون النظام العام سيئ الذكر، كما أنه يضع حداً لاحتكار الرجال لعب كرة القدم.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صورة المرأة السودانيّة في رسومات آلاء ساتر

في إنعام النظر إلى وجه الثورة