كعادة أم درمان لا تخلف الموعد الثوري السلمي لتضفي الزخم الأكبر في التظاهرات، لما لديها من إقدام وحضور طاغي، عرفت من قبل بالعاصمة الوطنية لتاريخها في النضال المستميت في مواجهة المستعمر الإنجليزي، وها هي مرة أخرى تمثل بؤرة نضال لتقلق مضاجع كل مستبد ومقبرة للطغاة. أرسل المتظاهرون شعارًا بعدم الاستسلام واطلقوا عليه (أم درمان عصية على التركيع والاستسلام)، في رسالة لعدم التراجع على الرغم من العنف المفرط الذي يتم ممارسته من قبل السلطات الأمنية، مما أدى لوقوع أكبر عدد من الضحايا، وعلى الرغم من تبديل موقع التظاهرات إلا أن الموت لا يزال هو الثابت الوحيد، لتدفع أم درمان مجددًا بشهدائها رفضًا للانقلاب العسكري، إلا أن الموت هذه المرة كان بمدينة بحري.
اختفاء تام للقوات الأمنية على طول الشارع المؤدي إلى مدينة بحري وحتى مقر رئاسة الشرطة التابع لمحلية أم درمان
قُبيل الموعد المحدد لمليونية التاسع من كانون الثاني/ يناير رصدت "الترا سودان"، في جولة ميدانية، تواجد أمني مكثف في عدة نقاط ظلت تتمركز فيها القوات النظامية بصورة دائمة؛ عند مبنى محلية أم درمان التي تقع على مقربة من شارع الشهيد عبدالعظيم (الأربعين سابقًا). في الموقع المحدد سلفًا كنقطة تجمع للمتظاهرين رصد المحرر تواجد (9) سيارات دفع رباعي لاندكروزر (تاتشر)، محملة بجنود قوات الشرطة الخاصة المعروفة بـ(أبوطيرة)، بجانب انتشار مكثف لنظامين يرتدون الزي المدني بجانب بعض سيارات البوكس غير النظامية.
اقرأ/ي أيضًا: شهيد صباح اليوم وأكثر من 90 حالة إصابة في مليونية 9 يناير
ورصد محرر "الترا سودان"، في إحدى مقار الشرطة التابعة لمحليات أم درمان الثلاث؛ تواجد أفراد مسلحين يرتدون الزي المدني، وبعض أفراد مكافحة الشغب على متن العربة، يغادرون مقر مخفر الشرطة على متن عربة دفار مكشوفة قبيل نصف ساعة من موعد انطلاقة التظاهرات صوب جهة غير معلومة.
عند مدخل كبري أم درمان قبالة المجلس الوطني؛ الذي تم إغلاقه بالكامل بواسطة قوات مشتركة، حُشِدت أعداد كبيرة من القوات النظامية، بجانب وضع الحواجز والأسلاك الشائكة عند شارع الموردة بالقرب من مسجد النيلين، وكذلك إغلاق شارع الشهيد عبدالعظيم (الأربعين سابقًا) عند منطقة بانت بواسطة الأسلاك الشائكة مع تمركز للقوات المشتركة في الشوارع الرئيسه.
في تمام الساعة الواحدة ظهرًا بالتوقيت المحلي بدأ تجمع عدد من المتظاهرين بشارع الشهيد عبدالعظيم، وتم حرق إطارات السيارات ونصب الحواجز لإغلاق الشارع مع ترديد الهتافات الثورية المناوئة للانقلاب العسكري والمطالبة بالحكم المدني الكامل.
بدأ عدد من المتظاهرين يتناقلون خبر النقطة البديلة لانطلاقة التظاهرات والتي لم تكن معلومة للكثيرين والمحددة عند صينية الزعيم إسماعيل الأزهري قبالة كوبري شمبات، لينطلق موكب من شارع الشهيد صوب الموقع الجديد.
أعداد كبيرة من المتظاهرين تجمعوا عند صينية الزعيم الأزهري لترتفع حدة الهتافات وترفع الشعارات، والتي لا تخلو من رفض لمبادرة رئيس بعثة اليونتامس فولكر بيرتس للتفاوض مع المكون العسكري، بجانب رفع الأعلام على سارية المنزل التاريخي للزعيم الأزهري.
لحظات قليلة وبدأت مواكب الأحياء تتدفق صوب نقطة التجمع الجديدة لتضيق بالحشود البشرية، ما دعا القيادة الميدانية لقيادة المتظاهرين صوب كوبري شمبات بغية الوصول إلى مدينة بحري.
اختفى تمامًا تواجد القوات الأمنية على طول الشارع المؤدي إلى مدينة بحري وحتى مقر رئاسة الشرطة التابع لمحلية أم درمان، اختفت القوات الشرطية من على واجهة الطريق الرئيس وبقيت في الطرق الداخلية، وعند وصول المتظاهرين إلى بوابة مقر الشرطة وقف بعضهم كحاجز بين البوابة الرئيسة التي تواجد خلفها أحد ضباط الشرطة ليشاهد التدفق الجماهيري وترتسم على عيناه حالة من الذهول والتعجب وبين الموكب المتحرك.
لم يشهد كبري شمبات أي تواجد للقوات النظامية على غير العادة، ليبدأ المتظاهرين في العبور صوب بحري مع وضع المتاريس لمنع أي تحرك محتمل لقوة نظامية للمطاردة من الخلف.
تتقدم المواكب الدراجات النارية كدليل لتوجيه المتظاهرين وقيادتهم صوب الشوارع المحددة للعبور، بجانب أهميتها كناقل لإسعاف المصابين.
عبر المتظاهرون شارع السيد علي بمدينة بحري للاتجاه صوب المحطة الوسطى، إلّا أن قوات من الشرطة الخاصة (أبوطيرة) بدأت في المطاردة بصورة عشوائية وإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة عند مستشفى بحري، وأثناء تحرك السيارات بصورة مسرعة أدت لسقوط بعض الأفراد الذين كانوا على متنها ليتركوا أحدهم وقد تعرض لإصابات بالغة، ليقوم بعض المتظاهرين بحمله ووضعه داخل غرفة خاصة بصاحب محل إصلاح اطارات السيارات وحراسته لحمايته حتى لا يتعرض لأي اعتداء.
ظل الوضع على ما هو عليه حتى الساعة الرابعة عصرًا ليؤدي العنف المفرط من قبل القوات الأمنية لوقوع عدد من الإصابات، التي قامت الدراجات النارية بمهمة نقلها لأقرب مستشفى لإسعافها.
ثوار يسعفون أحد أفراد الشرطة الخاصة بعد سقوطه من العربة وحمايته من التعرض لأي اعتداء
لتعلن لجنة أطباء السودان المركزية عن ارتقاء اثنين من الشهداء تعرضوا للاستهداف المباشر بواسطة عبوات الغاز المسيل للدموع، أحدهما الإصابات كانت في العنق وأدت لكسر في الفقرات ليتسبب في وفاته في الحال، والأخر أصيب في الرأس ما أدى لحدوث نزيف دماغي أدى للوفاة.
رصد محرر "الترا سودان"، عدة مشاهد خلال تظاهرات أم درمان ومثلت أبرزها تطويق أحد المتظاهرين لجيد رقبته بسلسل تم صنعه من بقايا عبوات الغاز المسيل للدموع، بجانب تدوين أسماء الشهداء الذين ارتقوا عقب انقلاب المجلس العسكري على السلطة على قصاصات ورقية ليتم الصاقها باحكام على قميصه الذي تظهر في وسطه بقعة دم.
فيما رحب عدد من سكان بحري بموكب أم درمان، وحمل أحد سكان بحري لافته كتب عليها "كاتل ولدك ما بحكم بلدك"،وغيرها من الشعارات.
اقرأ/ي أيضًا
تجمع المهنيين السودانيين: بيان بيرتس تطبيع مع السلطة الفاشية