20-نوفمبر-2019

وزير الصناعة والتجارة مدني عباس (النيلين)

أثار قرار وزير الصناعة والتجارة مدني عباس القاضي بمنع الأجانب من ممارسة النشاط التجاري في الأسواق المحلية جدلًا عاصفًا في الأوساط الاقتصادية، امتد إلى منصات التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء حوله بين مؤيدين ورافضين، في وقت يقول كثيرون أنهم كانوا يتوقعون قرارات أكثر جرأة تمس عصب النشاط الصناعي والتجاري المثقل بمشاكل لا حصر لها.

يرى مؤيدو القرار أنه إيجابي و"ثوري" طال انتظاره، ويصب في مصلحة الاقتصاد الكلي ويساعد في تنظيم عمليات الصادرات والواردات

يرى المنتقدون أن القرار سلبي وسيؤثر بصورة كبيرة على الاقتصاد السوداني وحركة رؤوس الأموال في المدى القريب، مؤكدين بأن مشاكل الاقتصاد لا يمكن تفاديها إلا عن طريق تطوير الاستثمار الأجنبي. بينما يرى مؤيدو القرار أنه إيجابي و"ثوري" طال انتظاره، ويصب في مصلحة الاقتصاد الكلي ويساعد في تنظيم عمليات الصادرات والواردات، وتقنين النشاط التجاري الداخلي والخارجي لصالح المصدر السودان ويحاصر أنشطة الصادر التي تتحايل على قوانين الاستثمار والضرائب وتنشط في التهريب الحدودي.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الأرض في السودان.. مناجم الذهب عنصر جديد في خريطة الصراعات الممتدة

الأجانب في قفص الاتهام

أغلب المؤيدين لقرار وزارة التجارة أكدوا أنه سيحد من هيمنة "الأجانب" على نشاط الصادر، الذين تتهمهم جهات أبرزها الغرفة القومية للمصدرين بالتسبب في ارتفاع أسعار الدولار بالسوق الموازي، وتدمير اقتصاد البلاد عبر المضاربات وخاصة في البيع والشراء للسلع والمحاصيل الوطنية.

بينما يؤكد خبراء الاقتصاد أن نشاط الأجانب "طفيلي" ويدخل في خانة نهب الموارد، ولا تستفيد منه الدولة ولا تعود أرباح  رؤوس أمواله إلى الداخل، كما أنه متخم بعمليات التحايل على الرسوم والعوائد التي تساهم في الإيرادات.

ويرى مراقبون أن المستثمرين الأجانب استغلوا حزمة السياسات الاقتصادية للنظام البائد إضافة إلى التسهيلات التي قدمها النافذون لمجموعات وشخصيات كثيرة، لتمكينهم من إدارة عملية المضاربات، مثل تسهيل الحصول على الجنسية السودانية، وإتاحة وتأجير رخص تجارية بواسطة سودانيين، وهو ما انعكس على توافد أعداد كبيرة من المستثمرين فاقت حسب إحصائية إوردتها إحدى الصحف المحلية (600) ألف عدا الإثيوبيين، إضافة إلى عشرات الشركات الوهمية العاملة  في تصدير الهدي والمحاصيل الزراعية والذهب والفحم.

عاصفة الجدل لم تنته حيث يرى منتقدون أن القرار يشجع كراهية الأجانب وربما يقود لانتهاكات ضدهم كما أنه يدمر سمعة السودان خارجيًا خصوصًا في عالم بات يراقب حركة التجارة ورؤوس الأموال ما سيفتح الباب لهروب الاستثمارات. 

ومن جهة أخرى كشفت متابعات صحفية بروز لوبي لعمليات الصادر يدار عبر المصاهرات والقرابات التي تمت بتزاوج المستثمرين الأجانب بنساء سودانيات، كما أصبح نشاطًا لجنسيات متعددة تقوم بشراء الذهب وتهريبه  في الخارج.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في السودان.. جُثّة هامدة

ارتياح داخلي

غرفة المصدرين كانت أول المرحبين  بالقرار واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح معللة بأن القطاع التجاري الوطني يعاني الأمرين من الغزو المكثف للأجانب لقطاع الصادر المتهربين من دفع الضرائب والزكاة فضلًا عن شرائهم الدولار بأي سعر لإتمام عمليات التصدير ما يحقق لهم أرباحًا هائلة. 

وفي تصريحات صحفية لأمين مال الغرفة إبراهيم أبوبكر قال: أن القرار يصب في مصلحة المصدرين الوطنيين الذين عانوا من منافسة شرسة من  الأجانب في قطاع الصادر وكانوا أكبر المستفيدين، إضافة لشركات الأجهزة الأمنية العاملة أيضًا.

 وأضاف أن المستثمرين الأجانب زادت أرباحهم في قطاع الصادر لحصولهم على تمويل خارجي قليل التكلفة مقدم من دولهم مقارنة بالتمويل الذي يتحصل عليه المصدرون الوطنيون الذي تصل الفائدة عليه إلى 16%.

خلفية القرار

القرار الذي قوبل بارتياح وسط مجموعات المصدرين بالذات كان عبارة عن "توصية" تقدمت بها الغرفة خلال المنتدى الذي نظمته  في آب/أغسطس الماضي حول تدهور قيمة الجنيه السوداني حيث طالبت بإجراءات تقيد حرية الأجانب في عمليات الصادر. وينص القرار رقم (10) "على حظر غير السودانيين الحاملين للجنسية السودانية بالميلاد من ممارسة النشاط التجاري في مجالات كافة إجراءات الصادر إلا بموجب قانون الاستثمار أو اتفاقيات حكومية خاصة بجانب كافة إجراءات الاستيراد إلا بموجب قانون الاستثمار أو اتفاقيات حكومية خاصة".

اقرأ/ي أيضًا: فرنسا ماكرون ونادي باريس.. رهان "حمدوك" لإعفاء الديون

وشدد القرار بحظر تواجد الأجانب بالأسواق المحلية وممارسة عمليات البيع والشراء سواء مباشرة أو عن طريق وسيط "محلي" وتعرض كل من يخالف هذه القرارات  للمساءلة القانونية بموجب القوانين واللوائح". وفي وقت سابق كشف الأمين العام للغرفة الصادق جلال في ورقة اقتصادية قدمها في آب/اغسطس الماضي أن الصادر أصبحت تديره مافيا كبيرة تعمل في قطاع الاستيراد منها شركات حكومية وأفراد بعضها يمارس عمليات التهريب عبر الحدود، ومن خلال إيجار السجلات التجارية وتصاديق المحال الصغيرة "الطبالي"، وأضاف أن بعض رجال الأعمال استفادوا من السلع غير الخاضعة للرسوم، مضيفًا أن المصدين الوطنيون جأروا بالشكوى من ظاهرة عمل الأجانب في قطاع الصادر، في ظل انعدام قواعد المنافسة العادلة.

قرار دعائي

وفي إفادة لـ"الترا سودان" قال الخبير الاقتصادي والمختص بالشؤون المصرفية الساري الضي أن القرار جيد ولكن مردوده  ضعيف وأن معظم المصدرين يعملون بالباطن بأسماء سودانيين، وقال أن القرار ربما يمنعهم من التواجد العلني في الأسواق، مضيفًا أن عملية المضاربة لن تتوقف ما دامت نوافذ التحايل كثيرة، وما دام الأجانب ما يزالون قادرين على الهروب بحصائل صادراتهم بفوائد عالية خارج السودان ولا تعود بالفوائد إلى خزينة الدولة، كما أن المضاربات وهامش الأرباح والفروقات التي يقوم بها المصدرون وخصوصًا في محصول السمسم تحقق أرباحًا طائلة.

 ويضيف الضي أن المحك "قانوني"  في الأساس، وتابع  مشددًا "أن القرار لا يعني معاداة الأجانب بل فرض معايير للمنافسة في السوق، وأضاف أن مثل هذا القرار يستلزم مراجعة كل سجلات المصدرين ونشاطاتهم وتقديم رسالة إعلامية موزونة للخارج.

أما الخبير الاقتصادي أمين جحا  فقلل من إيجابية القرار وقال أنه قرار دعائي، وأضاف "يجب على الوزير القيام بإجراءات أكثر قوة، مثل دفع وزارة الداخلية لمراقبة الحدود والعمالة الأجنبية الرخيصة ومنع التهريب، ومراقبة نشاطات المصدرين الجدد لمنع التحايل وضبط الأسواق وتخصيص سياسة واضحة تجعل الأموال يعاد استثمارها داخليًا.

خبير قانوني: نجاح القرار يعتمد على تعديل قانون سجل المصدرين والمستوردين لعام 2008

ومع اتفاق أغلب المراقبين على إيجابية القرار وفوائده المستقبلية إلا أن الخبير القانوني والمستشار السابق بوزارة التجارة  محمد محمود أكد لـ"الترا سودان" أن نجاح القرار يعتمد على تعديل قانون سجل المصدرين والمستوردين لعام 2008، ليضمن احكامًا كاملًا للإجراءات التي تنظم هذا النشاط الحيوي، وقال أنه يجب أن ترسل الحكومة إشارات إيجابية للكل أنها لا تعمل ضد مصلحة أحد حتى لا يفسر القرار على أنه إجراء يضر بمصالح أطراف أخرى خارجية، مشددًا على أنه يجب محاصرة  ظاهرة تأجير السجلات التجارية نهائيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا

مجموعة أصدقاء السودان.. طوق نجاة أم رحلة تيه جديدة؟

وزير المالية.. بين معضلات القمح واشتراطات التمويل الدولي!