27-يوليو-2018

لا يتعدى الإنفاق على الصحة في السودان نسبة 2.02% من الموازنة (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا يكاد يمر يوم من أيام السودان إلا وتتجلى فيه أزمات القطاع العام الحكومي، ولعل حادثتين خلال الفترة الماضية تشيران بلا مواربة إلى فداحة الأزمة، الأولى بقاء جُثة بمستشفى حكومي في العاصمة الخرطوم لنحو عشرة أيام وسط المرضى دون أن يشعر بها أحد، أو يكتشفها الطبيب المناوب، وإنما اكتشفها مواطن وقام بتصويرها، فنشبت على إثرها معركة إعلامية بهدف افتضاح رداءة الخدمات الصحية، أما الواقعة الثانية، فهي تفوق المدارس الخاصة والنموذجية بصورة لافتة على المدارس الحكومية في امتحانات الشهادة السودانية، مثل كل مرة!

لا يكاد يمر يوم من أيام السودان إلا وتتجلى فيه أزمات القطاع العام الحكومي، الذي يمكن بسهولة تلمس غضب الشارع تجاهه

ليس ثمة ما هو أكثر جدلاً من مستوى الرضا العام عن القطاع الحكومي، ولكن ما يمكن تلمسه بسهولة سخط الشارع المبذول تجاه الخدمات العامة من تعليم وصحة ومواصلات ومواد تموينية، حيث ظل يخصص للتعليم والصحة نحو 4% من الموازنة العامة على أقل تقدير، بينما يستأثر محور الأمن والدفاع على النسبة الأكبر من الصرف كما هو الحال في موازنة العام 2018، والتي ارتفعت فيها كالعادة نفقات الدفاع والأمن القومي إلى 23 مليارًا و888 مليون، بما يعادل 16.37% من جملة الموازنة العامة البالغة 173.1 مليار جنيه. 

اقرأ/ي أيضًا: التعليم.. "المهمش الأكبر" في ميزانية السودان

فيما بلغ الإنفاق على الصحة مليارين و942 مليون بنسبة 2.02% من الموازنة، والصرف على التعليم خمسة مليار و326 مليون بنسبة 3.65% من الموازنة. وهذا يشير إلى أن التعليم والصحة لا يحظيان بأولوية قصوى، ومن الطبيعي أن تتردى الخدمات الحكومية وفقًا لهذه التقديرات.

ويشير كثير من المراقبين إلى أن القطاع العام الحكومي يترنح جراء الإهمال الواقع عليه، وقد فشلت كل محاولات إنقاذ الخدمة المدنية رغم الشعارات والآمال. ولعل هذا التراجع مرده عجز الدولة عن توفير الأموال الكافية لتوفير الخدمات الضرورية، إلى جانب أن كثيرًا من المرافق العامة قد آلت للقطاع الخاص، لدرجة أن الخصخصة بدت وكأنها اكتشاف سوداني منقطع النظير، يرددها كبار المسؤولين كالمقررات المفروضة عليهم، ولذلك انتهى مجد الأملاك العامة إلى قلاع خاصة في قطاع النقل عمومًا، والإنتاج الزراعي والحيواني ومؤسسات التعليم العام والجامعي والصحة، وكذا التموين، فتفشى الغلاء مؤخرًا بصورة غير محتملة، وانفلتت الأسواق لتضاعف المعاناة على المواطنين.

يشهد قطاع الصحة في السودان تهالكًا مستمرًا في ظل تجاهل للحكومة
يشهد قطاع الصحة في السودان تهالكًا مستمرًا في ظل تجاهل للحكومة

المثير في الأمر أن مأمون حميدة، وزير الصحة بولاية الخرطوم، هو مستثمر في القطاع الصحي، وقد تطاولت مؤسساته الصحية على حساب مؤسسات الدولة، كما يردد البعض، حتى أنه يدير مؤسسات صحية حكومية متهالكة، وأخرى تخصه في حالة ازدهار يومي. ونتيجةً لذلك نشبت معركة تصوير المستشفيات الحكومة بعد فضيجة جُثة مستشفى بحري شمال الخرطوم، لتأكيد رداءة الخدمة الطبية العامة وتدهور المشافي واستعصام آلاف الكوادر الطبية بفكرة الهجرة، كمعبر أخير للأمان والخلاص من الوظيفة الحكومية سيئة السمعة.

وبما أن الحكومة لم تعد قادرة على إدارة قطاعات الدولة وتمويل المشروعات الرئيسة والخدمات الضرورية فقد أصبحت تستغيث طلباً للدعم الخارجي، وتلجأ أحياناً للقطاع الخاص الذي هجم على كل شيء، وانسحبت الحكومة إلى منطقة الظل، لتقوم ببعض الأدوار السيادية.

ورغم هذا التخفف من الأعباء، إلى أنه ومع ذلك لم تفلح في إدارة ما هو تحت تصرفها بالكامل من مرافق، فظهرت مؤخراً أزمات الوقود والقمح والدواء، نتيجة لشح العملات الأجنبية بسبب إدارة الموارد، بينما ظل الخطاب الإعلامي الرسمي يعيد المشكلة إلى الحصار الأمريكي المفروض على السودان منذ عشرات السنين.

ورغم الحصار، يباهي بعض قيادات النظام بإنجازات في مجالي الطرق والجسور تحديداً، ولا يرى الكادر النشط في الحزب الحاكم، جعفر بانقا، ما يدعو للقلق إزاء الخدمات التي تقدمها الحكومية، فهي تبدو له بمثابة "إنجاز وإعجاز"! 

في حين تصل نسبة الإنفاق على الأمن في السودان أكثر من 16%، تقل نسبة الإنفاق على التعليم عن 4%
في حين تصل نسبة الإنفاق على الأمن في السودان أكثر من 16%، تقل نسبة الإنفاق على التعليم عن 4%

يقول جعفر بانقا لـ"ألترا صوت"، إن حكومة الإنقاذ فجرت ثورة التعليم العالي عبر فتح عشرات الجامعات والمدارس. ووفرت فرص التعليم للملايين ممن أسماهم "أبناء الغُبش" أي الفقراء. وأضاف: "تم بناء وتأسيس وتوطين عشرات المستشفيات المتخصصة ومئات المراكز الصحية بكل القرى والمدن، مع التثقيف الصحي والمياه النقية". كما عاد وتحدث عن الجسور والطرق!

غير أن تقييم الوضع العام، يختلف من جعفر بانقا المحسوب على السُلطة الحاكمة إلى المستشار الاعلامي والضباط السابق في القوات المسلحة محمود الكنزي، الذي أشار في تدوينة له على فيسبوك، إلى تردي الخدمة المدنية والقطاع العام في السودان، وانعكاس ذلك جليًا على "تفشي الإحباط وعدم الرضا الوظيفي، وتدني العائد المادي والروح المعنوية، ما يؤدي إلي ضعف مستوى الأداء، وظهور أشكال من السلوك الوظيفي غير المرغوب فيه" على حد قوله. 

في حين بلغ الإنفاق على الدفاع والأمن القومي في السودان أكثر من 16% من الموازنة العامة، فإن الإنفاق على الصحة والتعليم معًا لا يصل إلى 6%

وقال الكنزي إن هذا التدهور هو انعكاس بصورة جلية لطريقة التعامل مع المواطن الذي يطالب بالخدمة، إضافة إلى "الانتهاكات المتكررة للقوانين واللوائح، والرشوة والاختلاس والابتزاز من بعض الموظفين"، معددًا ما اعتبرها أسباب تدهور الخدمة المدنية، ومنها "التدخل السياسي، وتسييس الخدمة، واستغلال النفوذ الوظيفي، وإساءة استعمال السُلطة، والمحسوبية والمحاباة وعدم العدالة في الاختيار والتعيين، بجانب ضعف الاستحقاق الوظيفي وهيمنة الحزب الواحد على الدولة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

امتصاص الصدمات الاقتصادية على الطريقة السودانية

السودان.. ضد الشعب في لقمته