13-مايو-2021

معمر موسى محمد (فيسبوك)

عوامل عديدة ومختلفة قادت لإطلاق الشرارة الأولى لثورة ديسمبر المجيدة، وكانت الجوانب الاقتصادية واحدة من أهم محركات الثورة، حيث أصبحت البلاد تسير نحو الهاوية والمآزق الاقتصادية الكبرى، فثار سخط الشعب السوداني آنذاك، وبصورة خاصة بعد انتشار صفوف الخبز والوقود في كل أرجاء البلاد. وبعد سقوط النظام المبُاد لم تختفي الأزمات الاقتصادية، انما استمرت في التصاعد وبلغ سعر صرف الدولار في مداولات البنك المركزي ما يقارب الـ(410) جنيهًا سودانيًا. مع ذلك لا يزال السودانيون يستبشرون خيرًا لأن الثورة تمضي بثبات نحو تحقيق شعاراتها "حرية، سلام، عدالة".

بالرغم من التحسن الملحوظ في قضايا الحريات، إلا إن قضية اعتقال معمر موسى وميخائيل بطرس تستدعي إعادة النظر

الحرية هي الهواء النقي الذي استنشقه الشعب السوداني بعد ثلاثين عامًا من القهر والمطاردات الأمنية والاعتقالات، وبين يوم وليلة تحولت المعتقلات "بيوت الأشباح" كما يطلق عليها، إلى ماضٍ يستعاد في الذاكرة، وتاريخ يوثق لتجارب مريرة يسعى الجميع لعدم تكرارها، فانتظمت بالشوارع والميادين الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات المطلبية والمواكب الهادرة، للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق المشروعة، وشهدت البلاد أجواء من الحرية تمثلت في عدم مصادرة الصحف وسن تشريعات تجرم العنصرية وإطلاق دعوات قبول الآخر المختلف سياسيًا وثقافيًا ودينيًا. 

اقرأ/ي أيضًا: الحركة العمالية في السودان والحقوق المهدرة

وبالرغم من التحسن الملحوظ في قضايا الحريات، إلا إن قضية اعتقال معمر موسى وميخائيل بطرس تستدعي إعادة النظر في مفهوم الحريات السياسية لدى الحكومة الانتقالية، والتي يؤكد مسؤولو الانتقالية إتاحتها للجميع. وفي هذا المقال تضع الكاتبة جواب اعتقال في بريد الحكومة الانتقالية حول قضية الاعتقالات وطرق التعامل مع الخصوم السياسيين، حيث يعد ملف معمر موسى يعد أحد أهم ملفات الحريات المثيرة لقلق الرأي العام.

بتاريخ 2 حزيران/يونيو، اعتقل معمر موسى، وبعد عدة أسابيع سيكمل عامه الأول بمعتقلات وحراسات النظام. وطوال تلك الفترة سُمح لجدته بالزيارة مرة واحدة للاطمئنان عليه وتفقد صحته. في حين نظمت عائلته وأصدقاؤه وقفات احتجاجية أمام مكتب النائب العام للمطالبة بإطلاق سراحه، وانتظمت عدة وقفات احتجاجية تدين اعتقال معمر، وخلال شهر رمضان نظمت دعوة إفطار رمضاني أمام مكتب القضاء للتضامن مع قضيته، هذا بجانب الحملة الحقوقية المستمرة بوسائل التواصل الاجتماعي ومد الرأي العام بتطورات القضية. 

كما أثيرت قضية تدهور الوضع الصحي للمعتقل ميخائيل بطرس، في حين ناشد والده السلطات بإطلاق سراحه نظرًا لظروفه الصحية، وحملها المسؤولية كاملة عما سيحدث له من مضاعفات. كل هذه الحملات التضامنية قابلتها الحكومة بالصمت والتجاهل. ونظرًا لطول فترة الاعتقال، ترجح جهات قانونية أن يكمل معمر وبطرس عامًا من الاعتقال دون أن تلوح في الأفق بوادر لإطلاق سراحهم.

وبحسب متابعاتنا، فإن البلاغات المفتوحة بمواجهة معمر تتعلق بالجرائم الموجهة ضد الدولة وتأسيس تنظيم إرهابي، ويرى قانونيون أن مثل هذه المواد فضفاضة وخطيرة في ذات الوقت، فلا وجود لضمانة خروج معتقل.

وبحسب ناشطين سياسيين، فإن اعتقال معمر قائم بصورة غير قانونية لأن أطول فترة للحبس على ذمة التحقيق ستة أشهر، وبحسب أقوالهم فإن التحقيق مع معمر حدث مرة واحدة واستمر تجديد الحبس ليقارب دخوله العام، الشيء الذي يتنافى مع المعايير الدولية كما أشارت منظمة العفو الدولية في بيان صادر عن قضية اعتقال معمر. 

وبحسب أقوال ناشطين، فإن قضية اعتقال معمر تعد سياسية في المقام الأول. مع ذلك، لا تنظر الحكومة للقضية بأنها سياسية، ونفى عدد من أعضاء لجنة إزالة التمكين في مؤتمرات صحفية سابقة وجود معتقلين سياسين. 

اقرأ/ي أيضًا: حمى الذهب أم حمى الدولة؟

لا يمكن الحديث عن قضية معمر موسى بعيدًا عن الجانب الإنساني، فالمعروف عنه صداقاته الواسعة بقوى اليسار السوداني على الصعيد الاجتماعي، وتوغله في أوساط الناشطين والمهتمين بقضايا الرأي العام، ويجوز لنا وصفه "بتوابل" السياسة السودانية، حيث ظل على الدوام يشكل الرأي المختلف عما هو سائد في الفضاء العام، ويرفد فضاء الساحة الثقافية والاجتماعية بما هو جديد وعصري، متسلحًا بثقافة البيئة المحلية وداعيًا في أحيان كثيرة للعودة إلى الجذور ومحاربًا النيوليبرالية التي لا تتسق مع الثقافة المحلية، بحسب رأيه.

استمرار حبسه دون تقديمه لمحاكمة سريعة وعادلة يضع ميزان الحرية والعدالة في سودان ما بعد الثورة موضع سؤال واستفهام

وقبل عدة أيام، شهدت الساحة السياسية إطلاق سراح معتقل آخر، وهو الناشط السياسي أحمد الضي بشارة قبيل أيام من عيد الفطر المبارك، فإذا كانت قضية معمر موسى سياسية و بضغط من جهات عليا، فإن عملية اطلاق سراحه ستكشف عنها الأيام القادمة، وإن كانت جنائية فإن استمرار حبسه دون تقديمه لمحاكمة سريعة وعادلة يضع ميزان الحرية والعدالة في سودان ما بعد الثورة موضع سؤال واستفهام، ويكشف عن وجه تسلطي جديد في التعامل مع الخصوم السياسيين.

اقرأ/ي أيضًا

ثورة ديسمبر.. ثورة نساء السودان

وزيرة الخارجية والزخارف اللغوية للاستعمار