09-مارس-2021

(الترا سودان)

"هوي يا بنات

ابقوا الثبات

الثورة دي ثورة بنات"


إبان الأيام الأولى للحراك الشعبي، وفي تمام الواحدة ظهرًا، كان السودان كله يتحرك أوان الثورة بزغرودة تطلقها فتاة، وتلك الرمزية تجسد شاعرية الثورة السودانية وتفردها واحتشادها وغرفها لتراث بلادنا وثقافاته، وهي لم تكن زغرودة وحسب؛ وإنما كانت نضالًا وقيادة للمواكب وصناعة للتاريخ، بهرت العالم، وكانت لحظة صعود جبار على تاريخ طويل من المظالم والقهر الممنهج.

إنها حادية البلاد لفجرها الوضاح، وتقدمت صفه يوم أن نادى المنادي، ودفعت كلف ذلك الباهظة 

نحن نشأنا على وقع هدهدة الحبوبات، وبفضل قوة شكيمتهن حفظت البيوت تماسكها. نحن أبناء النساء العظيمات اللائي يحفظن التواريخ والسير، ويروين أجمل الحكايا وهن يتمسحن بالكركار ويمسحن رؤوسهن منه، ويضئن كما الأزهار أوان تفتحها، بفهمهن وعلومهن وثقافتهن المتوارثة كفاحًا، وهي كذلك.

اقرأ/ي أيضًا: وزيرة الخارجية والزخارف اللغوية للاستعمار

وتتميز المرأة السودانية عمومًا بقوتها التي اختبرتها يوم أن أطلقت العنان لقدراتها وتقدمت بل قادت بوعي وإدراك الثورة كتفًا بكتف، وكصاحبة دور ريادي، لم تكن تابعًا؛ إنما صاحبة حق أصيل هي تستحقه وتنافح عنه، فهي صانعة الأمل، وهي حادية البلاد لفجرها الوضاح، وتقدمت صفه يوم أن نادى المنادي، ودفعت كلف ذلك الباهظة وقتما كانت التضحيات هي الثمن العزيز الذي يفتدي الوطن؛ فأنعم بها من رفيقة، تلك التي مضت مواكبها وزحمت الآفاق. إنها الملهمة التي زغردت في تمام الواحدة؛ فجمعت المواكب وألزمتها بخط سيرها بالثبات والجسارة، وهي كذلك.

وقديمًا كتب الشاعر العظيم أبو آمنة حامد في مدح النساء السودانيات والتغزل فيهن أغنية صدح بها كوكبنا الذي غمر الدنا بنشيده؛ محمد وردي، والذي تغني قائلًا:

"بنحب من بلدنا

ما برة البلد

سودانية تهوى

عاشق ود بلد"

وتلك الأهزوجة تلخص قصة محبة للنساء السودانيات الأماجد اللائي يقفن طويلًا في جفن الردى وهو نائم، ومع ذلك يتمتعن بكامل الرقة والعذوبة والظرف، و"يسدن الفرقة" متى ما كان ذلك مطلوبًا؛ بل ويتقدمن على التوقع، وهي كذلك.

إن هذا ليوم بهي وجميل لتذكر الرائدات اللائي صنعن التاريخ ومضين بحركته عكس عقارب الساعة نهوضًا وتبشيرًا بحقوق النساء ودفاعًا عنها، حتى وضعن في بلادنا "مدماكًا" فاق دول الجوار بأول نائبة جهيرة الحس في البرلمان، ومضت مواكب نورها المتقدمة على جهالة المجتمع حتى شهدنا "صائدة البمبان" ومواكب ثوبها الأبيض في وقت احتدام الوغى والرصاص والصمود العذب في المعتقلات.

لقد سطرت النساء في هذي البلاد ملاحمهن الفريدة، وروين بالدماء وغالي الفقد والدمع أرضها، وكن ضحايا تجمعت مظالمهن كسحب روت أرض البلاد وقادتها للانعتاق من حكم عضوض، فتأمل فقط تلك التكاليف الباهظة التي قدمتها النساء في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق؛ لتدرك معنى ما قدمن من تضحيات تجاوزت حدود المعقول، ولتفهم كذلك معنى أعمق عن قيمة نضالهن ومعنى فض الاعتصامات في كل أنحاء السودان؛ وما تعرضن له من عدوان.

اقرأ/ي أيضًا: ما بعد الثورة إلا ثورة

لقد جفلت القوى المختلفة عن وعودها، وأخلفت وعدها فيما يتعلق بنسبة (40)% للنساء في هياكل السلطة، وفي الحق أحجمت النساء عن المطالبة بالحق والتمسك به والتوحد حوله، ولكني على قناعة بأن يومًا قادمًا ستتساوى فيه الكتوف، وتقف المرأة كند وترتقي لكافة المواقع؛ ويومها سيبحث صنوها عن تلك النسبة التي راوغ فيها واحتال بلا طائل؛ فمجدًا لنساء الأرض قاطبة.

لهن ولها في يوم عيدها أغنيات تماثل خطوهن المنساب ما بين العمل والبيت وصفوف البنزين، وهذا القتال الضاري من أجل الحياة

إننا أبناء النساء العظيمات؛ أركان البيوت وعمارة الأرض وصناع بهجتها وحفظة بنيانها وشريكات ساسها وأساسها، ومن رمين ساسها في باطن الجذور، وعمقن غرسهن بالنشيد والحكايا والأنغام والصرامة؛ فلهن ولها في يوم عيدها أغنيات تماثل خطوهن المنساب ما بين العمل والبيت وصفوف البنزين، وهذا القتال الضاري من أجل الحياة. وما كانت لتكون الحياة ذات قيمة لولاهن؛ فمجدًا لهن واعتذار عن كل ضيم حاق بهن، من هذا المجتمع الذي يسعين لإصلاحه مثلما نسعى.

المجد والفخار لنساء السودان ونساء العالم أجمع، فلولاهن ما كانت للحياة قيمة، ولا كان العالم مكانًا قابلًا للاحتمال وللحياة.

اقرأ/ي أيضًا

التطبيع مرة أخرى.. الشق المدني يرمم الوعد الكاذب

الفشقة السودانية.. أطماع الجارة وألاعيبها السياسية