21-مارس-2020

صندوق النقد الدولي (CIGI)

اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع السودان للعام 2019، بعد أن اعتمد التقرير الذي صدر في 21 شباط/فبراير 2020 والذي أعدته بعثة الخبراء التي انخرطت طوال الفترة الماضية في إجراء العديد من المشاورات الفنية مع الطاقم المختص في حكومة الفترة الانتقالية في ملف الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد السوداني. وكانت بعثة الخبراء قد اختتمت جدول أعمال مناقشات المادة الرابعة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أن طرحت على طاولة المسؤوليين الحكوميين المختصين كل القضايا والإشكالات المُتعِّلقة بالاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، إضافةً للتحديات والمخاطر المُحدقة بأي آفاق مُشرعة أمام اتخاذ أي سياسات داعمة لإجراء إصلاحات هيكلية لبنية الاقتصاد السوداني الهشة وغير المُستدامة.

خلق استقرار سياسي مستدام سيؤدي بدوره إلى خلق حاضنة وظروف مواتية لإحداث إصلاحات تاريخية غير مسبوقة لن تطال بنية الاقتصاد الوطني فحسب

وفي ختام مشاوراته، التي توجها صدور تقرير آفاق الاقتصاد السوداني، أصدر المجلس التنفيذي للصندوق بيانًا صحفيًا شارحًا ووافًا لكل المعطيات والحيثيات والخيارات والحلول.

اقرأ/ي أيضًا: تحالف المزارعين يحذر من مضاربات قبل حصاد القمح وينتقد تأخر الحكومة

نافذة تاريخية لنموٍ احتوائيٍ شامل ومستدام

مهَّد التقرير لرؤيته الشاملة والمستقبلية للاقتصاد السوداني بتحليل السياق السياسي الراهن واستحقاقات التغيير واختلالات السياسات الكلية، مُشيرًا إلى أن تغيير النظام الإسلاموي البائد قد أشرع الآفاق أمام فرصة تاريخية جديدة لإعادة هيكلة الاقتصاد السوداني وإجراء إصلاحات للاختلالات الكبيرة والكامنة في بنية الاقتصاد الكلي وإزالة أي عوائق بنيوية تُحَّجِّم من إمكانات وفرص النمو الاحتوائي الشامل والمستدام. وينظر التقرير للتغيير الذي حدث من زاوية أشمل من كونه سياسي ومرحلي، إي إسقاط نظام سياسي وإحلال آخر محله، وإنما يذهب في اتجاهات أبعد وأشمل ترى أن خلق استقرار سياسي مستدام سيؤدي بدوره إلى خلق حاضنة وظروف مواتية لإحداث إصلاحات تاريخية غير مسبوقة لن تطال بنية الاقتصاد الوطني فحسب، ولكن أيضًا بنية الدولة نفسها الممثلة في المنظومة الهيكلية للسياسات الكلية، مشيرًا إلى التحديات الهائلة والمخاطر المستقبلية التي تواجه حكومة الفترة الانتقالية الجديدة، إذا لم تشرع فورًا في عملية تغيير واسعة وجذرية لمنظومة التوجهات والسياسات الكلية للاقتصاد الوطني.

اقتصاد مأزوم بنيويًا ومختل هيكليًا

وأشار التقرير إلى الأزمات التي طالت بنية الاقتصاد الوطني جراء الاختلالات الهيكلية في السياسات الكلية للنظام السابق. يصف التقرير الاقتصاد السوداني بأنه مأزوم وغير مستقر من حيث مؤشرات النمو الكلي، نظرًا لضعف القدرات الإنتاجية والتنافسية وفقر المناخ الاستثماري وغياب الحوكمة وتفشي الفساد، إضافةً إلى التعقيدات الناجمة عن الوضع الإنساني الحرج. ولقد تمخض عن هذه الوضعيات المأزومة اختلالات هيكلية تمثَّلت في تسجيل السودان نموًا سالبًا في العام الماضي بلغت نسبته 2,5%، بينما بلغ عجز الحساب الجاري 7,8% من الناتج المحلي الإجمالي، أما العجز المالي فقد ارتفع إلى مصاف ثلاث نقاط مئوية بحوالي 10,8% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2019، لتنعكس هذه التدهورات بدورها في دعم الطاقة المتضخم وضعف تعبيئة الإيرادات العامة، مع ضعف ومحدودية مصادر التمويل الخارجي.

ولقد انعكس عمق هذه الاختلالات في الارتفاع المتزايد والمتنامي للتضخم الذي بلغ 60% في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي واختلال سعر الصرف الرسمي وانخفاضه الملحوظ مقارنةً بسعر السوق الموازي، حيث يعاني نظام سعر الصرف من التشوهات ومن الإزدواجية المتنامية جراء الممارسات المتعددة المتمثلة في المضاربات والسمسرة، مفضيًا كل ذلك إلى سعر صرفٍ خيالي وغير حقيقي تجاوز 100 جنيه مقابل الدولار الواحد. كما أشار التقرير إلى انخفاض الاحتياطات الدولية إلى 4.1 مليار دولار في تشرين الأول/أكتوبر، أي ما يعادل قيمة شهرين من الواردات.

اقرأ/ي أيضًا: السودان يتوقع تأثر أسواقه بسبب فايروس كورونا وقلق بين شركات التأمين

وانعكس ضعف حصيلة النقد الأجنبي واستنزافها في شراء الوقود في النقص والتعطيل المستمر لإمدادات الغذاء والكهرباء.

خبراء صندوق النقد: أدى تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب إلى الحيلولة دون الاستفادة من مبادرة البلدان الفقيرة المُثقلة بالديون (HIPIC)

متلازمة قائمة الدول الراعية للإرهاب وتخفيف عبء خدمة الديون

أشار التقرير إلى تنامي عبء خدمة الدين العام والخارجي، حيث ارتفعت نسبة الدين الداخلي حتى بلغت 211,7 من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغت نسبة الدين الخارجي حوالي 198,2 من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019. ويرهن التقرير حل أزمة الديون برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث أدى تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب إلى الحيلولة دون الاستفادة من مبادرة البلدان الفقيرة المُثقلة بالديون (HIPIC)، ومن ثم الإيفاء بكل متأخرات صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي، بالإضافة إلى أن هذه الوضعية أفرزت المزيد من المخاوف والمخاطر أمام الاستثمارات الأجنبية نظرًا لتصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب وتعاني من عجز شبه مستدام في الإيفاء بمتأخرات ديونها وفوائدها المترتبة عليها.

مع أن التقرير لا يزال يرى أن فرصة السودان قائمة في الاستفادة من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPIC)، وذلك إذا ما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

روشتة التوصيات والحلول المستدامة

اختتم التقرير شروحاته ومعالجاته الوافية بجملة من التوصيات والمقترحات والحلول المتمثلة في:

  • التحرير التدريجي لسعر الصرف أولوية قصوى للقضاء على الاختلالات التي تسد الآفاق الجاذبة أمام الاستثمارات وتحقيق النمو الشامل، مما يفضي ذلك بدوره إلى تعزيز القدرة التنافسية وتمتين أطر الحوكمة والشفافية والمساءلة والمحاسبية، كما سيقضي على الممارسات الريعية وأنشطة السمسرة والمضاربات بالعملة، كما سيعزز من استقلالية البنك المركزي ويعظم الإيرادات المالية العامة.
  • الإلغاء التدريجي لدعم الوقود على المدى المتوسط سيكون حاسمًا، على أن يتم تعزيز هذا الإجراء الهيكلي الحيوي ببذل المزيد من الجهود على صعيد الإعلام والاتصال وتكوين شبكة أمان اجتماعي واسعة واحتوائية  للشرائح الفقيرة والهشة والضعيفة، حيث بالإمكان أن تموَّل هذه الشبكات بواسطة المانحين.
  • خلق استقرار على مستوى الاقتصادي الكلي والاستدامة المالية من خلال توسيع القاعدة الضريبية وتعظيم الإيرادات المالية، مما ينعكس ذلك بدوره على الحوكمة والشفافية والمساءلة والمحاسبية، مقرونًا ذلك بوجود إدارة مالية قوية ونشر البيانات المالية الشاملة، بالإضافة إلى بذل المزيد من الجهود لتعبيئة إيرادات محلية إضافة لخلق ضمان وموثوقية مالية خلال العام 2020.

توصيات: تمتيع البنك المركزي بكامل استقلاليته في ممارسة مهامه وأدواره الوظيفية واتخاذ القرارات الجوهرية والمفصلية في كل مرحلة من المراحل

  • تعزيز الإطار الهيكلي والقانوني للسياسات النقدية، مع تعزيز قدرات النظام المصرفي وتحيينه بشكل مستدام لمواجهة أي مخاطر أو صدمات وذلك قبل توحيد سعر الصرف، مع العمل على تطوير قانون البنك المركزي وتعزيز وتنظيم الرقابة المصرفية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مقرونًا ذلك بتمتع البنك المركزي بكامل استقلاليته في ممارسة مهامه وأدواره الوظيفية واتخاذ القرارات الجوهرية والمفصلية في كل مرحلة من المراحل.
  • التواصل مع الشركاء الدوليين لتأمين الدعم الشامل لتخفيف حدة عبء الديون واحترام وضع الدائن المفضل لدى الصندوق وتجنب مدفوعات خدمة الديون الانتقائية والاقتراض غير الميسَّر. بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الصندوق فيما يتعلق بالسياسات والمدفوعات، من خلال العمل عبر برنامج رحبت به الحكومة والمتمثل في مسار تتبعي لمراقبة الموظفين للمساعدة في بناء سجل حافل بتنفيذ السياسات لتسهيل تخفيف عبء خدمة الدين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا يتسبب في تأجيل المؤتمر الاقتصادي فما هي خطة الحكومة؟

مطالب الإصلاح الزراعي واجتثاث الفساد على طاولة حمدوك