20-أغسطس-2020

تحاصر الأمطار والسيول مدن وقرى بأكملها والمواطنون دون مأوى (Getty)

نظرًا للبطء الذي صاحب الجدول الزمني لتنفيذ بنود اتفاق السلام في شقيه السياسي والأمني، فإن الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه أربع من الفصائل الموقعة على اتفاق السلام المنشط في جنوب السودان لا يعدو أن يكون خطوة للدفع بالعملية السلمية إلى الأمام، وهذا هو السبب الذي يفسر حجم الاحتفاء بتلك التسوية التي حددت وفقًا لها نسب المشاركة وعدد المقاعد في الحكومات الولائية ومجالسها التشريعية في مختلف مستويات الحكم الولائي، إلى جانب الاتفاق على المستشارين والمفوضيات الولائية، إلا أن هذا الاختراق الأخير يحمل في طياته العديد من التساؤلات المتعلقة بضخامة تلك الحكومات الولائية التي تقارب الحكومة الاتحادية من حيث شاغلي الوظائف الدستورية -الوزراء، رؤساء وأعضاء المفوضيات والمستشارين- إذ أن الأطراف لم تتفضل علينا بالفلسفة التي قادتها للتوافق على هذا العدد الكبير من المناصب الحكومية في وقت تواجه فيه خزينة الدولة إرهاقًا كبيرًا من حيث الصرف السياسي وتنفيذ بنود الترتيبات الأمنية.

أثبت مبدأ تقاسم السلطة كثمن لوقف الحرب دون طرح برامج سياسية تخاطب المشكلات الأساسية، عدم نجاعته في فترة الحكم الأولى عقب الاستقلال

بحسب وثيقة الاتفاق التي توصلت إليها الحكومة والمعارضة المسلحة، تحالف سوا والأحزاب السياسية الأخرى يوم الاثنين المنصرم، فإن جملة عدد الوزراء الولائيين سيصبح (170) وزيرًا إلى جانب (50) مستشارًا ولائيًا للولايات العشرة ، و(60) رئيس مفوضية و(510) من أعضاء البرلمان لجميع الولايات، ليصبح العدد الكلي لشاغلي تلك الوظائف (790)، دون الولاة ونوابهم.

اقرأ/ي أيضًا: تصريحات التطبيع.. حينما تخالف الحكومة القانون!!

ويبدو جليًا من تلك الأرقام أن الأطراف الموقعة على اتفاق السلام صرفت جل تركيزها على تسكين جميع كوادرها وأعضائها في الهياكل الحكومية التنفيذية والتشريعية، وهي الطريقة الوحيدة للحفاظ على تماسك المنظومات الموقعة على اتفاق السلام، والتي قامت بحشد غالب مؤيديها على أساس اقتسام غنائم ما بعد التسوية أكثر من أي سبب آخر، ويتضح ذلك من غياب التصورات والبرامج السياسية لأغلب تلك التنظيمات، فالاستقطاب على أساس "الاستضافة" قد يكون السبب الرئيسي للتوافق على حكومات ولائية مترهلة تستوعب الجميع، وهناك مبدأ حكومي قديم اسمه "الخيمة الكبيرة" يفضل شراء السلام بالتمثيل الوظيفي وتأجيل الحرب والاقتتال بقدر الإمكان، وهو مبدأ لم يثبت نجاعته في التجربة السياسية لدولة جنوب السودان فترة مقابل اتخاذ العمل المسلح كآلية وحيدة متوفرة للاحتجاج في ظل انسداد الأفق السياسي بسبب صراعات السلطة المتجددة داخل صفوف الحزب الحاكم، والتي تنتهي معها المحاولات الفاشلة للاقصاء إلى حمل السلاح كوسيلة لتحقيق المكاسب السياسية الخاصة بما يمكن أن نطلق عليه مجازًا مصطلح النخبة السياسية والعسكرية.

إلى جانب الأثر الاقتصادي الذي ستتركه الحكومات الولائية المترهلة على بقية الديوان الحكومي الرسمي في ظل عدم قدرة الحكومة على سداد المرتبات وتدني أسعار النفط عالميًا كواحدة من تاثيرات جائحة كرونا على الوضع العالمي، إلا أن هناك جانب سياسي يجعل من هذا الاتفاق من واقع النسب التي اعتمدها في المشاركة، أقرب للائتلاف القائم بين الحكومة والمعارضة على مستوى الولايات، خاصة في الجوانب المتعلقة باليات صنع القرار، وهو ما انتبهت له الحكومة مبكرًا حينما سعت لخلق تقارب كبير بينها وبين مجموعة من فصائل المعارضة، والذي انعكس على حصول أعضائها على مناصب سياسية مرموقة على مستوى السلطة الاتحادية وحكام الولايات، لذلك لم تبدو منزعجة من حصولها على أي نسبة لأنها مطمئنة تمامًا إلى أن تلك المجموعات لن تدخل معها في أي جدل سياسي مهما كان الأمر.

سينعكس الاتفاق سلبًا على قدرة الدولة في مجابهة الأزمات الراهنة مثل كوارث الفيضانات وارتفاع موجة الاقتتال العشائري والقبلي، والمجاعة الوشيكة

الأهم في هذا الاتفاق الخاص بتقاسم السلطة على مستوى الولايات هو أنه سيخفف الضغوط التي كانت تواجهها الأطراف السياسية بسبب البطء في تنفيذ بنود الاتفاق، كما أنه يمثل خطوة مريحة بالنسبة للجماعات الموقعة عليه لأنها ستضمن حصول كافة منسوبيها على الفرص المريحة، لذلك سارعت للاحتفاء بتلك الخطوة التي لم تعترض عليها أي جهة سياسية حتى الآن، والواضح أيضًا هو أنه لن يغير من أي شيء على أرض الواقع خلال سنوات عمر الفترة الانتقالية المتبقية، وربما سينعكس سلبًا على الأوضاع المعيشية وقدرة الدولة على مجابهة الأزمات الراهنة مثل كوارث الفيضانات وارتفاع موجة الاقتتال العشائري والقبلي، والمجاعة الوشيكة.

اقرأ/ي أيضًا

خفة التطبيع في السودان

التطبيع الإماراتي.. بعيدًا عن فرية إلغاء خطة الضم