24-أغسطس-2020

(لجنة تفكيك التمكين)

استقبل السودانيون لجنة تفكيك التمكين في أيامها الأولى بترحاب واحتفاء كبيرين، حيث أشعلت الفكرة من وراء اللجنة في نفوسهم الأمل في إعادة بعض من ممتلكات ومقدرات الشعب السوداني التي نهبها النظام البائد، بالإضافة لاقتلاع كوادره من المؤسسات الوطنية، الكوادر التي وزعها في جميع هياكل الدولة بدون وجه حق أيام تمكين نظام الإنقاذ التي استمرت طوال الثلاثين عامًا الماضية، كما استبشر السودانيون بأن اللجنة أتت لمحاربة الفساد، والذي كان هو ديدن وطريقة عمل النظام المدحور.

بعد الاحتفاء الكبير وانتظار مؤتمرات اللجنة ذائعة الصيت بنافد الصبر سرعان ما خفت بريقها في أعين السودانيين وبدأت أصوات النقد ترتفع  مع كل مؤتمر صحفي للجنة

ولكن وبعد الاحتفاء الكبير وانتظار مؤتمرات اللجنة ذائعة الصيت بنافد الصبر، سرعان ما خفت بريقها في أعين السودانيين وبدأت أصوات النقد ترتفع  مع كل مؤتمر صحفي للجنة، وقد يرجع البعض ذلك للتكرار الذي صبغ مؤتمرات اللجنة التي يطيل فيها أعضاءها مؤتمراتهم الصحفية بصورة استعراضية جعلت البعض يشكك في دوافعهم، وقد يرجعه البعض لتوجه اللجنة للقليل الذي في الداخل مما نهبه سدنة النظام البائد بدلًا عن ملاحقة الأموال التي هربت وما زالت تهرب للخارج، ورأى البعض أيضًا في سلطاتها الواسعة مدخلًا للفساد والتمكين المضاد خصوصًا وأنه يغلب على منسوبيها وعضويتها السياسيون من قوى الحرية والتغيير.

اقرأ/ي أيضًا: "السودان ضد التطبيع" يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي

مؤتمر الأحد 23 آب/أغسطس الذي أعلنت فيه اللجنة عددًا من القرارات أيضًا لقي انتقادات من هذا القبيل، ولكن الذي أثار الكثير من الجدل كان قرار عزل العشرات من القضاة في شتى الدرجات والمستويات، الأمر الذي رأى فيه الأستاذ المحامي والقانوني الناشط في المجال العام الرضي عبدالله "تفكيكًا لدولة القانون"، حيث انتقد المحامي القرار من ناحية قانونية، قائلًا إنه يمثل هدمًا لعدد من أهم مبادئ دولة القانون ودولة المؤسسات، مشيرًا إلى أنه يتعدى على مبادئ فصل السلطات واستقلال القضاء وحياد السلطة القضائية.

وصف الرضي ممارسة اللجنة لصلاحيات وسلطات هي من صميم عمل الهيئة القضائية -بـ"المأساة"

ووصف الرضي ممارسة اللجنة لصلاحيات وسلطات هي من صميم عمل الهيئة القضائية -بـ"المأساة"، كما أشار إلى أن القرار "يفرغ فكرة الرقابة القضائية على أعمال اللجنة من محتواها" بما أنها صارت تملك سلطة الإعفاء بحق القضاة والقضاء، ووصف قرار اللجنة بـ"تفكيك للعدالة والشعور بقيمتها؛ وتفكيك لمبادئ دولة القانون ودولة المؤسسات؛ وتتويج لتركيز السلطة المطلقة في يد لجنة تفكيك التمكين".

تفكيك التمكين ام تفكيك دولة القانون؟ ١- اصدرت لجنة تفكيك التمكين اليوم قرار يقضي بعزل عدد من القضاة. ٢- هذا القرار يهدم...

Posted by Alradi Abdalla on Sunday, August 23, 2020

 

اقرأ/ي أيضًا: اتفاق الترتيبات الأمنية بين الحكومة والجبهة الثورية.. ضوء في آخر النفق

من جانبه وصف الناشط السياسي عبدالله عيدروس على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ما تقوم به اللجنة بـ"الهرجلة"، مشيرًا إلى أن "الطريقة التي تعمل بها لجنة إزالة التمكين محض عشوائية ولن تؤدي إلي أي من أهدافها، محض هتافية بشعارات فارغة المحتوى". 

اقرأ/ي أيضًا: بين سعي "السيادي" وموقف قوى التغيير "الباهت".. ما مستقبل التطبيع في السودان؟

وناشد عيدروس قوى الحرية والتغيير للتقرير "في شأن حل اللجنة"، وتساءل: "لجنة إزالة التمكين تنتزع لنفسها الحق في فصل قضاة -ربما يكون فصلهم واجبًا ثوريًا- لكن قانونها ينص في ذات الوقت على أن قراراتها تستأنف في القضاء. كيف يمكن فهم ذلك؟".

 

لجنة ازالة ولا لجنة هرجلة الطريقة التي تعمل بها لجنة ازالة التمكين محض عشوائية ولن تؤدي الي ايا من اهدافها، محض هتافية...

Posted by Abdalla Aidaros on Sunday, August 23, 2020

 

أما الكاتب الصحفي والناشط الشاب أحمد محمد الشريف، فوجه نقدًا عنيفًا للجنة والمدافعين عنها، ووصف ما يقومون به بأنه يستند على "عاطفة الحقد والثأر وحب التشفي البدائية" وقال إن هذا "ليس بديلا عن دولة القانون" ، وأضاف: نحن نريد دول القانون وقيم المدينة والمدنية.

تساءل الشريف ما الثمن الذي سيدفعه السودانيون لقاء استمرار ما أسماه بـ"سلسلة الانتقام"

ثم طرح الشريف عددًا من التساؤلات قائلًا: "نحن كأمة بتتشكل حنستفيد من الثأر خارج القانون شنو؟ وسلسلة الانتقام بتاعة تفصلني صالح عام وأفصلك تفكيك تمكين دي حتنتهي بتين؟ وتمن استمراره شنو؟".

 

لجنة التفكيك: صراع الماضي والمستقبل شايف شبكات التضليل الاعلامي التابعة لقحت (صحن فتة وسنابل ومغفلين) بيحتفلو بي فصل...

Posted by Ahmed El-Sharief on Monday, August 24, 2020

 

من الواضح أن لجنة تفكيك التمكين تواجه العديد من الأسئلة المهمة بخصوص طريقة عملها في ظل سلطاتها الواسعة، وصارت اللجنة تثير قلق بعض السودانيين من إفساد هذه السلطات المبادئ الاساسية للدولة الحديثة والعدالة والقضاء، خصوصًا مع الوضع في الاعتبار أنها لجنة سياسية بالأساس. وفي ظل الصعوبات التي يواجهها مسار الانتقال الديمقراطي في السودان والانتقادات التي صارت تتلقاها الحكومة الانتقالية، قد لا تضيف لجنة تفكيك التمكين إلا مزيدًا من السخط الشعبي، وذلك بعد أن كانت محط احتفاء وترحيب كبير من الشعب السوداني، مثلها مثل الحكومة الانتقالية التي صارت مؤخرًا تعاني من نزيف شديد في شعبيتها وسط الجماهير.

اقرأ/ي أيضًا

تأخر تشكيل المجلس التشريعي.. ما هي التأثيرات؟

فوضى التطبيع تفتح النقاش عن مستقبل الانتقال الديمقراطي في السودان