09-يونيو-2020

(Getty)

مع تزايد الطلب على الكهرباء، خصوصًا في الفصول الساخنة، يواجه السودان عجزًا متصاعدًا في الكهرباء جراء تدني الإنتاج، فالبلد الذي خرج لتوه من نظامٍ عرف بالفساد الإداري والمالي، بحاجةٍ ماسةٍ إلى بناء محطاتٍ جديدة، لكن محللون في مجال الطاقة يقولون، إن هناك حلًا إسعافيًا بتشغيل محطة قري (3) بالخرطوم بحري، بجانب إصلاحات جذرية في شركات الكهرباء.

محطة قري (3) هي محطة "سيمنز" ألمانية منحتها السعودية للبشير نتيجة لمشاركة السودان ضمن تحالف حرب اليمن مع المملكة العربية السعودية

لمعرفة مصدر محطة قري (3)، يلزمنا العودة إلى الوراء في العام 2015، عندما شارك السودان ضمن تحالف عاصفة الحزم للحرب في اليمن مع المملكة العربية السعودية، منحت الأخيرة حكومة البشير المخلوع محطة "سيمنز" ألمانية، تحتوي على خمس ماكينات لإنتاج (935) ميغاواط/ساعة، بواقع (187) ميغاواط للماكينة الواحدة.

اقرأ/ي أيضا: استئناف مفاوضات سد النهضة غدٍ الثلاثاء بدعوة من السودان وحضور ثلاثة مراقبين

وانقسمت هذه المحطة إلى عدة أجزاء بعد وصول ثلاثة ماكينات إلى مجمع قري للتوليد الحراري بالخرطوم بحري قبل خمسة أعوام، بينما ظلت ماكينتين في بورتسودان بعد وصولهما إلى البلاد العام 2015.

فور وصول الماكينات الثلاث، تعاقدت الحكومة السودانية مع شركة تركية لتركيبها وتشغيلها، إذ أن المملكة العربية السعودية عندما منحت المحطة إلى السودان، تكفلت بدفع مصروفات (85) % من قيمة التركيب، على أن يتحمل السودان (15)%.

ومع الوضع الحكومي الذي كان سائدًا وفوضويًا في عهد المخلوع، لم يمض المشروع إلى الأمام، لأن الوحدات الحكومية دائمًا ما كانت تلجأ إلى التلاعب في تكاليف التشغيل والصيانة ومصروفات الوقود وقطع الغيار، كما أن الشركة التركية نفسها لم تكن مؤهلة لتركيب المحطة الألمانية الصنع لأنها أستقدمت بواسطة نافذين في نظام المخلوع حصلوا بموجب هذه الصفقة على آلاف الدولارات.

وبعد سقوط النظام وتشكيل الحكومة الانتقالية، واجهت الشركة التركية اتهامات بالفساد والحصول على صفقات مشبوهة بواسطة لجنة تفكيك التمكين، واضطرت إلى إيقاف العمل في تركيب محطة قري (3).

فور تشكيل الحكومة الانتقالية في أيلول/سبتمبر العام الماضي، حضر فريق ألماني إلى العاصمة السودانية نهاية العام الماضي موفدًا من شركة سيمنز الألمانية بتدخل من الحكومة الألمانية لتقديم مساعدات فنية للسودان في مجال الطاقة، إلا أنه لم يتمكن من إتمام المشروع وصرح وزير الطاقة عادل إبراهيم في أيار/مايو الشهر الماضي، أن ألمانيا أجلت رعاياها في السودان وبينهم فريق سيمنز ضمن تدابير الوقاية من كوفيد-19، بالتالي توقف العمل في تركيب محطة قري (3).

ويصارع السودان للحصول على الطاقة وسد العجز باللجوء إلى دولتي إثيوبيا ومصر، ولا يتجاوز حجم الطاقة المستوردة من البلدين (250) ميغاواط فيما تحتاج البلاد لـ(1000) ميغاواط، وإنتاجها حاليًا أقل من (1900)، وتحتاج إلى ثلاثة آلاف ميغاواط للقطاع السكني فقط.

وعادت مرة أخرى برمجة القطوعات إلى الخرطوم والولايات بعد توقفٍ نسبي دام فترة الشهرين اعتبارًا من حزيران/يوينو الجاري لنقص الإمداد اليومي بنسبة (500) ميغاواط، وتتراوح برمجة القطوعات اليومية في الأحياء والأسواق ما بين ثلاث إلى أربع ساعات.

كما إن المشكلة التي تواجه محطات التوليد الحراري في مجمع قرّي بالخرطوم بحري أنها لا يمكن أن تعمل بكفاءة عالية في وقتٍ واحد، وتضطر الفرق الهندسية والفنية بالمحطة إلى إخراج بعض المحطات من الخدمة بغرض الصيانة، بالتالي يتأثر الإنتاج اليومي. واضطرت في أيار/مايو الماضي بالتزامن مع شهر رمضان، إلى تشغيل جميع المحطات لمقابلة الطلب المتزايد في الكهرباء خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الحظر الكلي لتفادي فيروس كورونا.

ويقدر التمويل الألماني لصيانة المحطات الحرارية وغرف التحكم المركزية بـ(26) مليون دولار، حيث أبدت شركة سيمنز الألمانية فور سقوط النظام إلى مساعدة السودان استعدادها لبناء محطات الطاقة والاستثمار في هذا المجال لكن ما يمنع تقدم هذا المشروع هو بقاء السودان في قائمة الإرهاب وفقًا للتصينف الأمريكي، بالتالي هناك مخاوف من العقوبات التي قد تطال الشركات التي تستثمر في السودان بحسب ماصرح الرئيس الألماني الذي زار العاصمة السودانية مطلع العام الحالي، موضحًا أن السودان يحتاج الى مغادرة هذه القائمة على وجه السرعة للاقتراب من الاستثمارات الأجنبية.

اقرأ/ي أيضًا: اضطراب المشهد السياسي.. والحلول العاجلة والآجلة

بالنسبة لمحطة قري (3)، تعتبر محطة إسعافية فهي لا تحتمل التشغيل اليومي وتنتج في المرحلة الأولى (561) ميغاواط بتشغيل ثلاثة ماكينات وترتفع إلى (935) ميغاواط بعد تركيب ماكينتين إضافيتين لترتفع إلى خمس ماكينات بحسب مصادر هندسية تحدثت إلى "ألترا سودان".

وتستهلك الماكينة الواحدة  (45) طنًا من الوقود (ديزل ووقود ثقيل) في الساعة، بالتالي مع العجز الذي يواجه السودان في المشتقات النفطية، فإن تلبية استهلاك المحطة من الوقود يعتبر مستحيلًا في الوقت الراهن، وهو ما يدفع وزارة الطاقة إلى البحث عن حلول أخرى غير متوفرة في ظل بقاء السودان ضمن قائمة الإرهاب، وهي قائمة تمنع حصوله على تمويل من البنك الدولي، ومعروف أن مصر حصلت قبل عامين على قرض من البنك الدولي لبناء محطة طاقة شمسية في أسوان بقيمة(1.5) مليار دولار لإنتاج ألف ميغاواط/ساعة.

وإذا حاول السودان استيراد كمياتٍ كبيرةٍ من الكهرباء من مصر مثلًا فإنه مطالبٌ بتوسيع الشبكة الناقلة لتتحمل زيادة الطاقة، وهو ما عجز عنه النظام السابق الذي اتفق مع القاهرة في العام 2017 على استيراد (500 ) ميغاواط/ساعة يوميًا، وتناقص حاليًا إلى (50) ميغاواط/ساعة في الوقت الراهن، لأن البنية التحتية للشبكات الناقلة في السودان غير مصممة لتحمل استيراد نسبة كبيرة من الطاقة، وهذا المشروع الحيوي يحتاج إلى تمويل ضخم غير متوفر للحكومة السودانية.

وكان وزير الطاقة عادل إبراهيم قد تعهد لمجلس الوزراء في نهاية العام الماضي بتشغيل محطة قري (3) خلال ثلاثة أشهر، أي بحلول نيسان /أبريل، لكنه لم يعلن هذه المعلومات وفق مسوحات ميدانية لتركيب المحطة الذي يسير ببطء شديد، بجانب توقف الشركات عن الإجراءات الفنية المتعددة لتوصيل "الكابلات" الأرضية إلى المحطة وتركيب خزانات عملاقة للمياه بالإضافة لتركيب اللوحات الإلكترونية، كل هذه الإجراءات الفنية بحسب مهندسين وفنيين من محطة قري لم تنجز حتى الآن.

وترسم الفرق الهندسية التي تعمل على الأرض في محطة قري صورة قاتمة عن وضع إمداد الكهرباء رغم الإصلاحات التي يقودها وكيل قطاع الكهرباء بوزارة الطاقة.

ويعبر مهندسون وعمال في مجمع قري للتوليد الحراري عن مخاوفهم من استمرار طواقم الوزير الأسبق معتز موسى في الشركات القابضة للكهرباء، ويشيرون إلى أن قطاع الكهرباء شهد تدافعًا من منسوبي النظام البائد للعمل في شركات الكهرباء دون مؤهلاتٍ فنية وعلمية كما يقول أحد المهندسين لـ"ألترا سودان".

مهندس بقطاع الكهرباء: نحن بحاجة لمعجزة لتشغيل محطة قري (3) خلال عام واحد ناهيك عن أشهر، لأن النوايا الجيدة لوكيل قطاع الكهرباء لا تكفي

 وينوه المهندس في قطاع الكهرباء -مشترطًا حجب اسمه- إلى ضرورة تفكيك شركات الكهرباء، ويقلل من فعالية لجنة تفكيك النظام التي شكلتها وزارة الطاقة لقطاع الكهرباء، وكشف عن وجود عناصر ضمن اللجنة كانت تعتبر"الساعد الأيمن لمعتز موسى" ويعتبرون جزءً من الأزمة التي وصلت إليها الكهرباء.

ويضيف المهندس قائلًا: "نحن بحاجة لمعجزة لتشغيل محطة قري (3) خلال عام واحد ناهيك عن أشهر، لأن النوايا الجيدة لوكيل قطاع الكهرباء لا تكفي. لا بد من إصلاحات جذرية في هذا القطاع داخل شركات الكهرباء، ولا بد من إبعاد جميع من تورطوا في وصول القطاع إلى هذا المستوى بحيث يعجز عن إنتاج ألفي ميغاواط يوميًا لتغطية الاستهلاك السكني فقط".

اقرأ/ي أيضًا

​ولاية البحر الأحمر تعلن الإغلاق الكلي لمدينة بورتسودان

السلطات السودانية تمنع تهريب 114 رأسًا من الإبل من بينها إناث إلى مصر