04-نوفمبر-2020

حميدتي (Getty)

من وجهات النظر الجديرة بالتأمل، وجهة النظر القائلة بأن أكبر مستفيد من التطبيع مع "إسرائيل" هو مؤسسة الدعم السريع وقائدها النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، وهي الفكرة التي سنحاول الغوص فيها ومناقشة تفاصيلها في هذا المقال.

في حالة الدعم السريع فإن التحالفات تلعب دوراً كبيرًا في  إضفاء الشرعية وتوفير الدعم لها

من المعروف والذي يمكن رصده في تاريخ ودراسات العلاقات المدنية العسكرية للميليشيات العسكرية غير الرسمية "مثل قوات الدعم السريع"، أن التحالفات السياسية تلعب دورًا مركزيًا ومهمًا، ليس فقط في توفير الدعم المالي، بل وفي توفير الشرعية والاعتراف السياسي لهذه الميليشيات العسكرية غير الرسمية. وهذه الشرعية السياسية نفسها ما يفتح الباب للميليشات غير الرسمية لتحقيق مزيد من التحالفات السياسية أو حشد الموارد الاقتصادية أو التمدد السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: إثيوبيا.. مرجلٌ يغلي

فعلى سبيل المثال؛ تحالف ميليشيا "الجنجويد" مع نظام البشير سابقًا ومشاركتها في حرب دارفور، ساهم في تحويل هذه الميليشيا من "جنجويد" وهي قوات غير رسمية وغير معترف بها لا محليًا ولا دوليًا، إلى "قوات الدعم السريع" وهي قوات اندرجت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني في زمن البشير. وساهم هذا التحالف في الاعتراف بها كقوى عسكرية داخل أنظمة أجهزة الأمن الرسمية في الدولة.

إن هذه الشرعية والاعتراف السياسي الذي أضفاه تحالف البشير مع الجنجويد في حرب دارفور وتحولهم إلى قوات داخل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، هو ما فتح الباب ومهد الطريق لهذه القوات للمشاركة الرسمية في حرب اليمن، والتي ساهمت بدورها في إكساب هذه الميليشيات المزيد من الاعتراف السياسي الإقليمي بالإضافة إلى مزيد من الموارد الاقتصادية التي اكتسبتها هذه القوات من الدول المشاركة في حرب اليمن.

بعد قيام الثورة السودانية، وكنتيجة للتحالف الذي قامت به قوات الدعم السريع -كجهة مستقلة عن جهاز الأمن والمخابرات والجيش السوداني- مع قوى الحرية والتغيير؛ اكتسبت قوات الدعم السريع صفة قوات أمنية تابعة للدولة مع كونها مستقلة تمامًا عن بقية الأجهزة. بمعنى أنها بدلًا من أن كانت تندرج تحت جهاز الأمن والمخابرات الوطني الرسمي، أصبحت الآن قوى أمنية مستقلة، بنفس درجة الجيش السوداني وأعلى من درجة جهاز الأمن، وأصبحت تمتلك استخباراتها الخاصة مثلما يمتلك الجيش استخباراته الخاصة، وهكذا. وهذا تغيير كبير جدًا في الشرعية السياسية لهذه القوى.

كانت أجهزة الإعلام الغربية تلاحق الدعم السريع بكشف انتهاكاته السابقة، الآن بعد التطبيع سيحظى هذه المليشيات بالقبول

المهدد الرئيسي الذي كان يلاحق هذه القوات هو تاريخها بالمشاركة في حروب دارفور وعدم اعتراف المجتمع الدولي بها وملاحقة أجهزة الإعلام العالمية ومراكز الأبحاث لتحركات هذه الميليشيا.

وبعد دخول قوات الدعم السريع كحليف ومشارك رئيسي في عملية التطبيع مع "إسرائيل" وهو ما يتم الترويج له إعلاميًا وسياسيًا باسم "تحالف السلام والمصلحة"، ما يحدث الآن هو أن هذا التحالف الجديد يساهم بصورة فاعلة في إعادة إنتاج شرعية هذه القوات ومسح كل تاريخها السياسي والحروب التي شاركت فيها من أذهان المجتمع الدولي وفي قنوات وأجهزة الإعلام العالمي بدعم من "إسرائيل" وممثليها وأنصارها في الغرب. لذلك من المتوقع أن تخفت أو تختفى تمامًا التقارير والمقالات والفيديوهات التي كانت تصدر من أجهزة الإعلام الغربية عن قوات الدعم السريع واتهامها بالمشاركة في حرب دارفور أو مجزرة القيادة العامة، كل هذه الاتهامات والتغطية الإعلامية ستختفى تدريجيًا في مقابل صعود صورة أكثر تلميعًا لحميدتي ومؤسسة الدعم السريع.

لانعدام الشفافية والمعلومات يخيم الشك حول فرضية أن السودان كان مكرهًا على التطبيع

لماذا قلنا أن الدعم السريع أكبر مستفيد من هذا التطبيع مقارنة بالجيش السوداني؟ لأن الجيش السوداني لم يكن يواجه أي مشاكل في الاعتراف الدولي به أو بأدواره المستقبلية، ربما فقط بعض قادة الجيش كانوا يخشون من التحقيقات الدولية في مجزرة القيادة العامة، لكن الجيش "كمؤسسة" لم يكن تحت أي تهديد. في المقابل، فإن الدعم السريع، لم يستفد قادته فقط من عملية التطبيع، بل استفادت المؤسسة نفسها "قوات الدعم السريع" واكتسبت مزيدًا من التأييد والقبول في المجتمع الدولي الذي كان يشكل أكبر تهديد لمستقبل هذه القوات وطموحاتها السياسية في البلد وفي المنطقة.

أما بخصوص رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وربطه بالتطبيع، فأنا حقيقة لست مقتنعًا بأنه لم يكن هنالك حل سوى القبول بالتطبيع، لأنه ليس لدينا أي معلومة حول تفاصيل المفاوضات، وليس لدينا معرفة بالأساليب الدبلوماسية التي استندت إليها المفاوضات، ولا عندنا معرفة بكروت الضغط الأخرى التي كان يمكن استخدامها.

ليس لدي ثقة كافية في القيادة السياسية في البلاد الآن، ولا في الأحزاب الفاعلة في الحكومة، في الحقيقة، لا أستطيع تصديق أنه لم يكن عندهم حل آخر، لأنهم أكدوا في أكثر من موقف أنهم فاقدون للمؤهلات والقدرات.

وإلى حين تحليهم بالشفافية التامة وتوفر معلومات كافية لأن نقول إنه بالفعل "تم إكراههم"، فأنا أشك أن هذا التطبيع مدفوع داخليًا، ولقاء البرهان الأخير ولغته والمعلومات التي قالها تدل على صحة هذا الادعاء. فنحن لسنا في وضع "ضرورة وإكراه" بقدر ما هو "خيار سياسي/أخلاقي" اتخذته القوى السياسية.

بات من المؤكد أن الدعم السريع لا تسعى لأن تكون مجرد قوات عسكرية في جهاز الدولة، وإنما لديها طموح للحكم

وقد تتساءل عزيزي القارئ إلى أين إذًا ستسير الأمور من هنا؟ ولكن ليس هناك أي إمكانية للتنبؤ بمسار الأحداث في ظل غياب الشفافية والمعلومات. إن كل ما في استطاعتنا هو محاولة فهم وقراءة الأحداث، لكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، هي أن هذه القوات وقيادتها لا تريد أن تكون مجرد قوى عسكرية فقط، بل هي تسعى ولها طموح سياسي واضح للوصول إلى سدة الحكم. والكرة الآن في ملعب الأحزاب السياسية المدنية لترينا كيف ستستجيب لهذا التحدي؟

اقرأ/ي أيضًا

السلام وديمقراطية لوردات الحرب!

ماذا بعد مواكب 21 أكتوبر؟