تصعيد جديد وكأن السودان لم يفضل حدوثه في هذا الوقت، فقد أعلنت دولة جنوب السودان إجازة اتفاق التعاون بين دول حوض النيل عبر البرلمان، بينما قال عضو في البرلمان في جوبا إن الاتفاق يجب أن يحال فوراً إلى الاتحاد الأفريقي ليكون حيز التنفيذ.
خبير: الاتفاق يلحق الضرر بالأمن المائي للسودان
يتيح اتفاق التعاون بين دول حوض النيل للدول الموقعة الانتقال إلى مرحلة جديدة للاستفادة من الحصص المائية -وفق ما يقول مراقبون- بالشروع في إنشاء مشاريع مستدامة للتنمية في هذه البلدان التي تبرر الاتفاق بحاجة ملايين السكان للمشاريع التنموية وزيادة دخل الأفراد في البلدان الأفريقية التي يعاني إنسانها من فقر شديد.
الذكرى والمصادقة
قبل الذكرى (13) لنيله استقلاله من السودان، صادقت السلطة التشريعية في جنوب السودان على اتفاق التعاون لدول حوض النيل في الثامن من تموز/يوليو الجاري.
ونشر الخبير في مجال المياه ودول حوض النيل سليمان محمد أحمد سليمان مقالاً في 15 تموز/يوليو الجاري، قال فيه إن جمهورية جنوب السودان فاجأت المتابعين لقضايا نهر النيل من السياسيين والخبراء الأكاديميين بإعلان في الثامن من تموز/يوليو الجاري بمصادقة السلطة التشريعية على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. ولفت إلى أن مصادقة جمهورية جنوب السودان على الاتفاقية لم تكن متوقّعة. كما أن مصادقتها تعني ببساطة أن الاتفاقية قد حصلت بعد (14) عاماً على العدد المطلوب من الدول للمصادقة عليه والدخول حيث التنفيذ.
لم تخف مصر قلقها من هذا الاتفاق الذي قد يقلص كميات المياه الواردة إليها، خاصة مع حصولها على (80)% من مياه نهر النيل، بينما يحصل السودان على (20)%.
ورغم أن (86)% من مياه نهر النيل تأتي من النيل الأزرق عبر الهضبة الإثيوبية، بينما تتشكل (14)% من مياه النيل من الكميات الواردة من النيل الأبيض الذي يعتمد على نهر فيكتوريا في جنوب السودان، لكن هذه التطورات بالنسبة لمصر والسودان غير مسبوقة وتهدد الأمن المائي لكليهما.
وتضم مجموعة دول حوض نهر النيل (11) دولة
وتضم مجموعة دول حوض نهر النيل (11) دولة هي بوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا وإريتريا والسودان ومصر وجنوب السودان.
تشكل الكميات الواردة من الهضبة الإثيوبية نحو (86)% من مياه نهر النيل، بينما تساهم البحيرات الاستوائية بـ(14)% من مياه نهر النيل.
تراجع دور مصر
يشرح سليمان بعض النقاط التاريخية في قضية دول حوض نهر النيل بالقول: "أصرّت وتصرّ مصر والسودان على أن الاتفاقيات التي عقدت في الماضى ملزمةٌ لدول الحوض الأخرى، و تحديداً اتفاقية 1929 التي أبرمتها بريطانيا نيابةً عن السودان وكينيا ويوغندا وتنجانيقا، والتي كانت ضمن مستعمراتها في ذلك الحين مع مصر".
ويضيف سليمان في مقاله المنشور حديثاً: "هذه الاتفاقية أعطت مصر حق النقض لأي مشاريع تقام على النيل يمكن أن تؤثر سلباً على كميات المياه التي تصل مصر أو تعدّل وقت وصولها".
خبير سابق في لجان وزارة الري السودانية: المرحلة القادمة هي حرب المياه
ويقول سليمان إن مصر تتمسك بإلزامية الاتفاقية تحت نظرية توارث الاتفاقيات، فيما ترفضها دول البحيرات الاستوائية باعتبار أنها وُقّعت أثناء الحقبة الاستعمارية ولا إلزامية لهذه الاتفاقية بعد نهاية تلك الحقبة.
ويقول خبير سابق في لجان وزارة الري السودانية، لـ"الترا سودان"، إن المرحلة القادمة هي حرب المياه، حيث ورد هذا المصطلح كثيراً، ولا يعني بالضرورة الحرب التقليدية، بل يعني الاستعمار الناعم من خلال إزكاء نار الخلافات بين الدول لخلق مشاريع اقتصادية تمول بواسطة الصناديق الدولية.
وأضاف: "إثر هذا الاتفاق يحق للدول الموقعة الحصول على قروض مالية من البنك الدولي طالما أن الاتفاق قانوني ومصادق عليه من البرلمان وموقعة عليه أكثر من تسع دول. إلى جانب رغبة هذه الدول بإنعاش مجتمعاتها التي تعاني من الفقر".
ويضيف: "من الناحية السياسية استغلت جمهورية جنوب السودان الوضع في السودان واندلاع الحرب وتراجع دور مصر اقتصادياً ودبلوماسياً وقررت الذهاب نحو هذا الاتفاق الذي يضمن لها الحصول على مشاريع تنموية تحت مبرر الاستفادة من حصص المياه لديها".
ناقوس الخطر
بينما يقول الخبير في مجال المياه وقضايا دول حوض النيل، سليمان محمد
أحمد سليمان على متن مقاله الذي دق ناقوس الخطر بشأن السودان ومصر قياساً بالوضع الفني لهاتين الدولتين، إن العمل بدأ في اتفاقية الإطار التعاوني بعد أشهر قلائل من قيام مبادرة حوض النيل عام 1999، وتواصل حتى عام 2010.
ويقول سليمان إن البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وعددٌ من الدول المانحة لعبت دوراً في تسهيل التفاوض على التفاوض حول الاتفاقية.
ويردف: " اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل وافقت عليها معظم دول الحوض عدا مصر والسودان".
الخبير في مجال المياه ودول حوض النيل سليمان محمد أحمد سليمان: بنود الخلاف بين دول حوض النيل ومصر والسودان جوهرية وكبيرة
ويرى سليمان أن بنود الخلاف بين دول حوض النيل ومصر والسودان جوهرية وكبيرة، وجاء هذا الاتفاق الجديد الذي صادق عليه جنوب السودان عقب سلسلة طويلة من المفاوضات التي تعثرت في الوصول إلى اتفاق بين جميع دول حوض النيل بما في ذلك السودان ومصر وإثيوبيا.
وقال سليمان إنه عقب انهيار المفاوضات بين دول حوض النيل الفترة الماضية بعد محادثات استغرقت سنوات، اتفقت دول الحوض عدا مصر والسودان على نص اتفاقية الإطار التعاوني الذي لا يشير إلى الاتفاقيات السابقة، ولا إلى استخدامات وحقوق السودان وأمنهما المائي، ولا إلى الإخطار المسبق.
وواصلت مصر والسودان رفضهما القاطع والتام لهذا النص من اتفاقية الإطار التعاوني.
السودان المتضرر الأكبر
فيما يعلق الخبير السابق لدى وزارة الري السودانية على الاتفاق الذي صادقت عليه جنوب السودان، بأنه من الطبيعي أن لا يوافق البلدان على هذه التطورات التي تهدد ملايين السكان في الدولتين وتصادر حقوقها المائية.
وتابع: "لم يستفق السودان من تبعات الملء الثالث لسد النهضة في إثيوبيا، وخسر السودان كميات من المياه في العام 2023، والملاحظ عدم حدوث فيضانات في ولاية الجزيرة كما كانت في العام 2022، حيث غمرت المياه هضبة المناقل بالكامل؛ هذا يعني أن كمية المياه القادمة من الهضبة الإثيوبية تناقصت بسبب العملية التي نفذتها إثيوبيا بتخزين المياه خلف سد النهضة".
وأضاف سليمان: "تُلزم الاتفاقية أطرافها بالتعاون وبالتبادل المنتظم للبيانات والمعلومات، خصوصاً فيما يتعلق بالآثار المحتملة للتدابير المزمع اتخاذها على حالة حوض النيل. وتتضمّن الاتفاقية بنوداً عن تبادل المعلومات وليس عن الإخطار المسبق".
ويقول مصدر من برلمان جنوب السودان لـ"الترا سودان"، إن السلطة التشريعية صادقت على اتفاق التعاون بين دول حوض النيل لأن المفاوضات السابقة استغرقت وقتاً طويلاً ولم تتوصل إلى أي نقطة اتفاق.
وأردف: "في المادة (14) من اتفاق التعاون، لم يتم تجاهل الحقوق المائية للسودان ومصر.. هناك مقترح بوضع ضمانات من هذين البلدين بينما تحافظ الدول الموقعة على الاتفاق على حقوق البلدان المعارضة، تحت مبدأ الاتفاق لن يضرك إن لم ينفعك كثيراً".
وزاد قائلاً: "انضمام جنوب السودان إلى الاتفاق واجه معارضة من جهات نافذة داخل الحكومة، لكن التيار العقلاني انتصر أخيراً".
في المفاوضات التي جرت بين دول حوض النيل خلال السنوات الماضية، تمسكت مصر والسودان بضرورة الإخطار المسبق وتبادل المعلومات حول كميات المياه والمشاريع
في المفاوضات التي جرت بين دول حوض النيل خلال السنوات الماضية، تمسكت مصر والسودان بضرورة الإخطار المسبق وتبادل المعلومات حول كميات المياه والمشاريع، بينما ترفض بقية دول حوض النيل هذه المطالب وترى أن السودان ومصر لا تخطران بقية الدول بمشاريعها، بالتالي يجب التعامل بالمثل.
ويقول الخبير المائي سليمان محمد أحمد سليمان إن الدول الموقعة على اتفاق التعاون بين دول حوض النيل ارتفعت إلى سبع دول بمصادقة جمهورية جنوب السودان، كما صادقت إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا في 14 أيار/مايو 2010، وانضمت إليها كينيا في ذات العام. فيما لم توقع جمهورية الكونغو ودولة إريتريا على الاتفاقية.