ليس من قبيل إطلاق الحديث المرسل، أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك حظي بشعبيةٍ واسعةٍ، قل أن يحظى بها مسؤولٌ سوداني في العقود التي تلت استقلال السودان، وإلى ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018. فالشواهد على ذلك كثيرة وعديدة وممتدة. لكن الملاحظ في الشهور الأخيرة، تراجع هذه الشعبية، بملاحظاتٍ مثل: التقليل، والانتقاد، وبعض التهكم. فما هي أسباب تراجع شعبية حمدوك؟
صحفي ومحلل سياسي: رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة لدى الشارع، على الرغم من الأداء الضعيف لحكومته
يرجع كثيرون أبرز أسباب الشعبية الكبيرة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك، إلى كونه ترأس الحكومة التي أتت بعد ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018. وبالتالي تمثلت فيه الثورة بكل نضالات شهدائها. وبكل آمال دعاة التغيير فيها؛ التي تعلقت عليه في تأسيس بنياتٍ أوليةٍ لدولةٍ مدنية ظل الحلم بها تنشرق بها الحلاقيم ممتلئةً بالهتاف "مدنيااااو". وهي دولة مدنية تأتي بعد عقودٍ ثلاثةٍ من التعسف والديكتاتورية، وحكم الايدلوجيا الواحدة المقصية للآخرين. ودولةٌ مدنية لطالما حلمت بها الأجيال السودانية وهم ينشدون التغيير والثورة في انتفاضة نيسان/بريل 1985، وفي ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1964. وبالتالي رأى فيه قطاعٌ واسعٌ من السودانيين؛ الأمل في إخراج بلادهم من وهدة الظلم والقتل والفساد، إلى آفاق الحرية والسلام والعدالة.
اقرأ/ي أيضًا: تفكيك "تفكيك التمكين" على مواقع التواصل الاجتماعي
خلاصة علامات هذه الشعبية، مثلها الوسم والهاشتاق الأشهر على وسائل التواصل الاجتماعي: #شكرًا_حمدوك. حيث انتشر بشكلٍ محموم، من جانب غالب شباب الثورة، والفاعلين فيها. وحتى من غير الفاعلين فيها. وظل ترداده على الدوام في نهاية أية تغريدةٍ على تويتر، أو منشور على فيسبوك. وهو ذات الهاشتاق الذي علق عليه الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، في حوار صحفي، في ديسمبر 2019. حيث سأله المحاور الصحفي: كيف تنظر لهاشتاق "#شكرًا_حمدوك"؟ على ماذا يشكر؟ وأجاب المهدي: "على شجاعة قبول هذه المهمة الصعبة، في الوقت الحرج".
الناشط السياسي، والمصور الفوتوغرافي خالد بحر، يعتقد بأن من أسباب تراجع شعبية حمدوك، وتآكل رصيد الثقة والمحبة: "التجاهل وعدم الشفافية، وضعف وتأخر ردات الفعل، في أمور لا تحتمل ذلك". ويضيف في صفحته على فيسبوك، موجهًا خطابه لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك: "اعمل واجباتك التي تحت يدك، التي تحتاج في مرات كثيرة لقراراتٍ شجاعة، وتحتاج فقط لبيانات صحفية تستجيب بشكل سريع للتطورات الحاصلة في البلد دي. بيان من ورقة واحدة، مكتوبٌ بمداد الصدق، وفي الزمن الصحيح، يمكن أن يصلح ما أفسده الدهر".
جزء من التأخر في ردات الفعل، والقرارات الشجاعة، والتي عناها خالد بحر، والتأخر كذلك في اتخاذ القرارات، كانت واحدة من أسباب تسيير تجمع المهنيين السودانيين لعددٍ من المواكب، التي طالبت بتصحيح مسار الثورة. وكذلك إلى استكمال هياكل الحكومة الانتقالية، بالتركيز على تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وتعيين الولاة المدنيين.
في الفترة الماضية، انتقدت مجموعة من الكتابات على وسائل التواصل، لأشخاص محسوبين على الثورة، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. فيما طالت عدد من هذه الكتابات الهاشتاق الأشهر "#شكرًا_حمدوك"، بالتقليل منه، والتشكيك فيه، وربما التراجع عنه في حالاتٍ أخرى.
من جانبه، يكتب أستاذ الإعلام، والسينما، د. وجدي كامل، ملاحظته بتراجع شعبية حمدوك، ويتساءل: "هل من سبيل لاستعادتها، وإرجاع الألق لمفاصلها؟". قبل أن يضيف، في منشورٍ على فيسبوك: "من جهتي أناشد السيد رئيس الوزراء، وأقول له: إخرج لمواطنيك، وكاشفهم بكل صغيرةٍ وكبيرة دون إخفاء أي شيء، وستجدهم معك وأمامك".
في سياقٍ ليس بعيد، يقرر بهرام عبد المنعم، الصحفي والمراقب السياسي، بأن رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، حصد إجماعًا وطنيًا كبيرًا، وتأييدًا شعبيًا، لم يحصده زعيم سوداني من قبل سوى الإمام المهدي. ويجمل بهرام، أسباب هذا التراجع، في جملة من الأسباب، أبرزها: سيطرة المكون العسكري على مفاصل الاقتصاد، في الوقت الذي لا يلتفتون فيه إلى مهتهم الأساسية وهي حفظ الأمن. هذا بجانب تردد حمدوك الواضح في سرعة اتخاذ قراراتٍ حاسمةٍ، تصب لصالح تكملة هياكل السلكة الانتقالية.
اقرأ/ي أيضًا: "السودان ضد التطبيع" يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي
ويستبعد بهرام أن تعود شعبية حمدوك، فيؤكد لـ"الترا سودان": "شعبية حمدوك تدنت إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وإنقاذها يحتاج إلى معجزة، ولكن زخم الثورة لن يسمح على الإطلاق بسيطرة العسكريين على الأوضاع في البلاد، ويمكن لذلك الزخم الثوري والشارع الذي لم ينطفئ وهجه بريقه ولهيبه في المحافظة على الأوضاع كما هي، أو المجيء برئيس وزراء جديد، يستطيع العبور بالبلاد إلى بر الأمان".
صحفي ومحلل سياسي: الأصوات التي تقول بفشله في إدارة الحكومة، كلها من عناصر النظام البائد، التي تريد نشر الإحباط وسط الناس
لكن بالمقابل يؤكد الصحفي والمحلل السياسي، ياسر عبد الله، بأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك "لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة لدي الشارع، على الرغم من الأداء الضعيف لحكومته". ويضيف في إفادته لـ"الترا سودان"، بأن الأصوات التي تقول بفشله في إدارة الحكومة، كلها من عناصر النظام البائد، التي تريد نشر الإحباط وسط الناس. وبرأي ياسر عبدالله، فإن خطاب رئيس الوزراء بمناسبة مرور عامٍ على أدائه القسم، كشف الصعوبات التي تواجهها الحكومة، خاصة الاقتصادية، وضرورة ولاية وزارة المالية على الشركات الأمنية والعسكرية. وعلى رأي ياسر فإن "حمدوك الآن فى حاجة لقرارات كبيرة ومؤكد سيجد التأييد الكامل من الشارع الرافض لأي اتجاه لسيطرة العسكريين على السلطة".
اقرأ/ي أيضًا
ردات فعل قوية على "الانقلاب" في الصفحة الرسمية لتجمع المهنيين