لم تتخيل (ع.ح) يومًا من الأيام، أنها ستشهد مقتل شخص أمامها رميًا بالرصاص، وعلى مرآى من الجميع على متن "حافلة سفرية"، بحيث كانت في طريقها برفقة آخرين في طريقهم من ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ 19 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي.
تقوم القوات بالتفتيش الشخصي وتفتيش الأمتعة للمسافرين عبر الباصات والحافلات السفرية
وتسرد (ع) لـ "الترا سودان" رحلة فرارها برفقة ابنتها من إحدى قرى الجزيرة التي لجأت إليها هربًا من الحرب المستعرة هناك، متجهين لمدينة عطبرة بغرض السفر إلى مصر، بل أن التدابير التي اتخذتها لم تفلح في منع نهب أموالها خلال الرحلة التي استغرقت أربعة أيام، والتي وصفتها بأنها كانت قطعة من الجحيم.
ووفقًا لروايتها قتل جندي من الدعم السريع شخصًا أمام عينيها بالرصاص في نقطة التفتيش، بسبب اتهامه بالتبعية للقوات المسلحة بعد أن لم يجد لديه أوراق ثبوتية.
ضروب الأهوال
بات السفر والتنقل بين ولايات السودان المختلفة ضربًا من ضروب الأهوال للسودانيين الذين يعيشون رعبًا لا يصدق، وذلك جراء توقفهم لساعات في نقاط التفتيش في ظل إجراءات تعسفية واتهامات وتنكيل متعدد استمع له "الترا سودان" من شهود عيان وأشخاص مسافرين.
ويعمل على نقاط التفتيش طرفي الصراع كل في مناطق سيطرته، حيث تقوم القوات العسكرية بالتفتيش الشخصي وتفتيش الأمتعة للمسافرين عبر الباصات والحافلات السفرية. وتعتبر نقاط التفتيش والارتكازات التي قامت بتشكيلها القوات العسكرية، أحد الأسباب الرئيسية في تغيير اتجاهات الباصات السفرية في عدة مرات، فكل طرف يبحث عن ضالته مثل القبض على عناصر من قوات الخصم أو القبض على الأسلحة ووسائل الاتصالات المتطورة الإحداثيات.
وأخرج أحمد موسى الهواء الساخن من جوفه، وهو يحكي لـ"الترا سودان" بشأن معاناته التي تكبدها خلال رحلة سفره الداخلية بين ولايات السودان.
وقال إن السفر من ولاية الجزيرة الغربية إلي بورتسودان أصبح يأخذ أربعة أيام، بدلًا من (12) ساعة بما في ذلك ما كان عليه قبل اجتياح الدعم السريع لولاية الجزيرة في كانون الأول/ديسمبر من العام المنصرم. وتابع: "الوصول إلى بورتسودان في وقت الحرب يجبرنا على المرور بأكثر من خمس ولايات، من نقطة انطلاقه من قرى غرب المناقل إلى مدينة الدويم بولاية النيل الأبيض، ومن ثم إلى القضارف وحتى ولاية البحر الأحمر.
يقضي ركاب الباصات لياليهم بالكافتيريات الواقعة على جوانب المدن والقرى التي مروا بها. ويقول أحمد إنه قضى ليلته الأولى في مدينة الدويم، وبدأت رحلته بعد العاشرة صباحًا، وذلك لعدم وجود باص متحرك إلى بورتسودان.
وفي اليوم الثاني، تحرك الباص من الدويم مرورًا بعدة ارتكازات للجيش السوداني قبل الوصول إلي ربك حاضرة ولاية النيل الأبيض، منوهًا إلى وجود كثافة في الارتكازات الممتدة بين ربك وولاية سنار.
وأضاف: "قبل جسر الدندر، تفاجأنا بأن السلطات الرسمية بولاية سنار وجهت سائق الباص بعدم السير ليلاً، إنفاذًا لقانون الطوارئ، ليضطر الجميع للبقاء في قهاوي الدندر". ويكمل قائلًا: "بصراحة في اليوم التالي، بعد أن اتجه الباص نحو ولاية القضارف التي واجهنا فيها العديد من نقاط التفتيش، والتي تجاوزناها إلى أن وصلنا إلى كسلا مع مغيب شمس ذلك اليوم، لتأمر الأجهزة الأمنية كافة البصات الأخرى بقضاء الليل والمبيت بكافتيريا تقع غرب الطريق العام بالقرب من كسلا. وزاد: "في صباح اليوم الرابع نشط الباص في التحرك نحو بورتسودان التي لم يخلُ الطريق إليها من نقاط التفتيش، وهنا لاحظنا وجود تسع نقاط للتفتيش، وقد كان يستغرق وقتاً طويلاً".
وأكد أحمد، أن عملية التفتيش تشمل داخل السيارات الخاصة والباصات وعلى الأدراج أسفل البص. وتزداد العمليات كلما اقتربت الباصات من العاصمة الإدارية الجديدة.
وزاد بالقول: "هنالك تفتيش عقب توقف الباص في النقطة الأمنية المطلوبة، بحيث يتم إنزال كافة الركاب، ويطلب منهم تقديم هوياتهم ،ويطلب من الرجال حمل حقائبهم الشخصية. ليصطفوا بعد ترجلهم من الباص، مع إبراز مستنداتهم لفحصها".
وكشف أن أفراد القوات الأمنية التي ترتدي زي رسمي وآخرون منهم بالزي المدني، مع حملهم لأسلحة "كلاشنكوف"، يتعاملون بطريقة "مهينة"، حيث يقوم كل فرد من القوات بتقديم الأسئلة على شاكلة إلى أين تذهب؟ وما هو سبب ذهابك إلى المدنية التي تقصدها؟
ونوه إلى استخدام جنود آخرين أسلوب توبيخ ولهجة حادة، تشمل الاشتباه في أحد ركاب الباص بطريقة استفزازية وعنصرية ، بينما يجبر الجميع على الانتظار حتى يستمر التحقيق مع المشتبه فيه.
وعن المحطات التي يجبر المسافرين على البقاء فيها ليلاً يقول أحمد، إن أصحابها يقومون بفرض رسوم باهظة على أي خدمة رغم تواضعها وبساطتها.
ويؤكد أن شحن الهاتف السيار مثلاً بسعر (1000) جنيه لدقائق محددة، وإيجار الأسرة المهترئة بمبالغ كبيرة، بجانب الماء والشاي وغيرها من الخدمات.
الممارسات التي تتم على على نقاط التفتيش من طرفي الحرب انتهاك لحقوق الإنسان ومخالفة لقوانين حقوق الإنسان
انتهاكات حقوقية
وتعتبر المستشار القانوني رحاب مبارك، الممارسات التي تتم على على نقاط التفتيش من طرفي الحرب انتهاك لحقوق الإنسان، ومخالفة لقوانين حقوق الإنسان.
وتقول لـ "الترا سودان" إن سلطة التفتيش هي حق أصيل تقوم بها النيابة، سواء كانت للأشخاص أو الأماكن. مضيفة أن ما يؤسف له أن النقاط ترتكب فيها انتهاكات أخري غير تفتيش المواطنين،والمتمثلة في شبهة الانتماء القبلي، التي تعرضهم إلى الضرب والإهانة والسرقة والنهب.
وقالت إن ما يحدث يعتبر جريمة، تضاف إلى الجرائم التي يرتكبها طرفي النزاع، في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، سواء في مناطق الاشتباك أو في الولايات الأخرى التي ليس بها اشتباكات عسكرية.
وتشير رحاب، إلى أن الولايات التي ليس بها اشتباكات تمارس الاشتباه العرقي مما يعد انتهاكًا لحقوق المدنيين، الأمر الذي أطر لخطاب الكراهية ولفكرة الخطاب العنصري الذي أجج الحرب في السودان.
وبينّت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة الصادرة مطلع أيار/مايو الجاري، فرار أكثر من (8.7) مليون شخص من ديارهم.
وقتل خلال الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، أكثر من (14) ألف شخص وأصيب الآلاف وسط أنباء عن جرائم عنف جنسي وفظائع أخرى ارتكبت على نطاق واسع كما تؤكد تقارير دولية وإقليمية.