تأثر القطاع الصحي في السودان بشكل كبير بالحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان في العام الماضي، وتوقفت معظم المستشفيات عن العمل في الولايات التي تشهد عمليات حربية نشطة، كما تأثرت المستشفيات في الولايات الآمنة، إضافةً إلى نفاد المخزون الدوائي في بعض المناطق، مما يعرض حياة المواطنين للخطر. يثير هذا الوضع تساؤلات حول إمكانية استمرارية القطاع الصحي وصموده في مواجهة هذه الظروف القاسية.
وزير الصحة بولاية الجزيرة د.أسامة عبد الرحمن لـ"الترا سودان": أكثر من 30 من المستشفيات الحكومية بالولاية خرجت عن الخدمة، والمتبقية تعمل جزئيًا
ويقول وزير الصحة بولاية الجزيرة، الدكتور أسامة عبدالرحمن، إن هناك أكثر من (30) من المستشفيات الحكومية بالولاية خرجت عن الخدمة، والمتبقية تعمل جزئيًا نظرًا لصعوبة الوصول والاتصال بالمرضى والكوادر الطبية بالجزيرة.
عاصفة كاملة
وأشار عبدالرحمن، في حديثه مع "التراسودان"، إلى أن دخول مليشيات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة أدى إلى توقف خدمات الرعاية الصحية الأساسية والخدمات العلاجية العامة والمتخصصة، بجانب توقف عملية التقصي والتدخلات المطلوبة للأمراض الوبائية، خاصة أن الولاية بها أمراض متوطنة مثل الملاريا، مؤكدًا على وجود حالات لحمى الضنك وظهور حالات الكوليرا.
وأوضح الوزير أن انقطاع إمداد الدواء وعدم وجود سلاسل التبريد المناسبة أدى إلى توقف خدمات التحصين، بجانب توقف تقديم الخدمات مع الأعداد الكبيرة للنازحين داخل الولاية وخارجها، مع صعوبة وهجرة الكوادر، مما أدى إلى زيادة حالات الوفيات وسط أصحاب الأمراض المزمنة والأطفال، وزيادة وفيات الأمهات.
لافتًا إلى أن الوزارة قامت بمعالجة نقص الأدوية وذلك بفتح مخازن للولاية في مدينة كسلا ومدينة المناقل بولاية الجزيرة عن طريق ولاية النيل الأبيض، ومنها توزع على بقية الولايات.
فيما تشير اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إلى خروج (19) مستشفى عن الخدمة، من بينها أربع مستشفيات خاصة، وأضافت أن هناك أربع مستشفيات تعمل بصورة جزئية في ولاية الجزيرة.
وقالت اللجنة في بيان لها اطلعت عليه "التراسودان"، إن قسم أمراض الكلى والغسيل الكلوي يعمل بدون أخصائي كلى، ومخزونها من المواد والغسلات شارف على النفاذ. وأشارت اللجنة إلى سرقة أجهزة التنفس الصناعي من قسم العناية المكثفة، وأجهزة عملية قسم العظام، وتم ترحيل جزء منها بواسطة الدعم السريع إلى مدينة الخرطوم.
القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان: وضع القطاع الصحي في السودان عاصفة كاملة
وبحسب اللجنة، فإن هناك شحًا في الإمداد الدوائي لأدوية الأمراض المزمنة، خصوصًا فرط ضغط الدم وداء السكري، مضيفة أن السلطات العسكرية تمنع وصول الإمدادات الطبية من بورتسودان إلى ود مدني، وتتعرض للنهب داخل الولاية من قبل الدعم السريع، بجانب نهب المخزون الدوائي من المستشفيات والصيدليات الحكومية والخاصة والصندوق القومي للإمدادات الطبية.
وأوضحت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أن إمدادات الكهرباء والمياه غير مستقرة، وأن مستشفى مدني التعليمي ومركز الجزيرة لمناظير الجهاز الهضمي وجراحة المناظير تأثرا جراء قصف الطيران العشوائي.
يذكر أن القائم بأعمال ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، بيتر غراف كان قد وصف وضع القطاع الصحي في السودان بأنه "عاصفة كاملة"، وقال إن "النظام الصحي لا يعمل بشكل جيد، وبرنامج تحصين الأطفال ينهار، والأمراض المعدية تنتشر".
تدهور مستمر
ويصف الدكتور بشمال دارفور حامد سعد، الوضع الصحي بالولاية بأنه "سيء وفي تدهور مستمر"، وقال إن المستشفيات التي تعمل من ضمنها مستشفى الفاشر جنوب "المستشفى الجنوبي"، مؤكدًا على توقف مستشفى الفاشر التعليمي عن الخدمة منذ فترة طويلة.
الدكتور بشمال دارفور حامد سعد: معظم المستشفيات الريفية التابعة لمحليات الولاية تعمل، ولكن بطاقة استيعابية أقل
ويشير سعد، في حديثه مع "التراسودان"، إلى أنهم يعملون في ظروف صعبة في ظل وضع أمني غير مستقر، خاصةً أن شمال دارفور أصبحت تستقبل النازحين من بعض الولايات الأخرى، مع وجود عدد كبير منهم يحتاجون لرعاية صحية. وأضاف أن معظم المستشفيات الريفية التابعة لمحليات الولاية تعمل، ولكن بطاقة استيعابية أقل، نظرًا لعدم وجود سلطات محلية أو ولائية أو مركزية مسؤولة بشكل مباشر لتوفير الخدمات الصحية.
وأوضح أن المستشفيات تعمل بالجهد الشعبي والمتطوعين، وأصبحت أقرب للمستشفيات الخاصة التي يتحمل المواطنون تكاليف الخدمة فيها، لافتًا إلى عدم توفر جزء كبير من الأدوية، مؤكدًا على وجود أزمة في أدوية التطعيم للأطفال، بالإضافة إلى الحاجة لأطباء متخصصين وكوادر طبية وأكياس دم ومستلزمات العناية بالمرضى. وقال إن الأدوية أصبحت تأتي عبر التجار بشكل غير رسمي.
صعوبات وشح
أما مسؤول المكتب الطبي لغرفة طوارئ شرق النيل، محمد حسين، فيقول إن القطاع الصحي يعاني بصعوبة من إيصال المساعدات والاحتياجات الطبية نظرًا للأوضاع الأمنية المتردية، مما تسبب في خروج عدد كبير من المؤسسات الصحية عن الخدمة.
مسؤول المكتب الطبي لغرفة طوارئ شرق النيل، محمد حسين، لـ"الترا سودان": تسبب شح الأدوية في دخول السوق الموازي لتلبية الاحتياجات، والتي عادة ما تكون أدوية غير خاضعة للرقابة، وضررها أكثر من نفعها
وأوضح حسين في حديثه مع "التراسودان"، أن عدد المستشفيات العاملة حاليًا بمنطقة شرق النيل مستشفيان حكوميان، و(12) مركزًا صحيًا، وقال إن هناك عدد من المراكز الصحية خرجت بالفعل عن الخدمة، مضيفًا أن حاجتهم تتمثل في الجانب اللوجستي من وقود ومستلزمات، وأيضًا قطع الغيار والصيانة والمحاليل، بجانب قلة الكوادر الصحية والطبية.
وبحسب مسؤول المكتب الطبي لغرفة طوارئ شرق النيل، فإن هناك شحًا كبيرًا في أنواع عديدة من الأدوية، خصوصًا المنقذة للحياة، وندرة في أنواع أخرى من الأدوية، بالإضافة إلى تسبب شح الأدوية في دخول السوق الموازي لتلبية الاحتياجات، والتي قال إنها عادة ما تكون أدوية غير خاضعة للرقابة، وضررها قد يكون أكثر من نفعها - بحسب تعبيره.