17-مارس-2020

(Getty)

بمجرد إعلان وزارة الصحة الاتحادية موت أحد المواطنيين السودانيين العائدين من دولة الإمارات العربية المتحدة جراء الإصابة بمرض كورونا، بدأت الصيدليات بوضع ملصقات على واجهاتها الزجاجية تفيد بعدم وجود كمامات واقية. وما إن أعلن مجلس الوزراء تعليق الدراسة في المدارس والجامعات ومنع التجمعات العامة والدينية للصلوات في المساجد، حتى أخذت الكمامات تزداد ندرة وترتفع أسعارها بشكل جنوني.  فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط ارتفاع سعر الكمامات في بعض صيدليات بحري بمدينة الخرطوم إلى 80 جنيهًا للكمامة الواحدة و1200 جنيهًا للكرتون. ففي صيدلية ريل في المزاد، على شارع المعونة ببحري، بلغ سعر الكمامة الزرقاء العادية 80 جنيهًا، بينما بلغ سعر الكرتونة ثلاثة آلاف جنيه، وفي ذات الشارع أفاد الصيدلي العامل بصيدلية مكة أن الكمامات نفدت بعد أن كان يبيع الكمامة الواحدة بمبلغ 50 جنيهًا بينما يبلغ سعر الكرتون 250 سودانيًا. كما أفاد ذات الصيدلي بتوقفه تمامًا عن بيع الكمامات، وذلك بعد أن ذهب مرة أخرى لتزويد صيدليته منها فوجد أسعارها أصبحت جنونية، مفيدًا بارتفاع أسعار المُعقمات في ظرف أسبوع واحد من 130 جنيهًا لكرتون المعقمات إلى 400 جنيهًا للمعقم الواحد.

حيث يظل هذا السوق الأسود الجديد خاضعًا لدخول فئات جديدة من السمسارة والمضاربين الذين يحاولون التمويه في كل مرة بخلق بؤر جديدة للمضاربة والسمسرة بعيدًا عن أنظار الجهات الرسمية

أما في بعض صيدليات الخرطوم، فقد بلغ سعر الكمامة العادية 200 جنيه في صيدلية بمول عفراء، بينما بلغ سعرها 100 جنيهً ببعض صيدليات شارع المطار. وفي منطقة الكلاكلة، ارتفعت أسعار الكمامات العادية من 30 جنيهًا إلى 70، بينما ارتفع سعر الأنواع الجيدة من الكمامات من 100 جنيهًا إلى 120. كما أفاد أحد العاملين في مجال المعدات الطبية بارتفاع الكرتونة الكبيرة للكمامات من 36 إلى 110 ألف جنيه. ولا يوجد أي سعر محدد للكمامات، بقدر ما يخضع الأمر للمزايدات والمتاجرة والمضاربة والسمسرة بأرواح الناس، ناهيك عن غياب الأدوار الرقابية وحملات التفتيش والضبط والمراقبة وفرض الجزاءات القانونية من قبل الجهات الرسمية لضبط أسعار سوق الكمامات الموازي. حيث يظل هذا السوق الأسود الجديد خاضعًا لدخول فئات جديدة من السمسارة والمضاربين الذين يحاولون التمويه في كل مرة بخلق بؤر جديدة للمضاربة والسمسرة، حيث من شأن هذه البؤر إبعاد أنظار الجهات الرسمية وعامة الناس عن أنشطتهم الحقيقية في سوق العملة الموازي، وعلى وجه الخصوص بعد أن بدأت تزداد القبضة عليه منذ أن تم تكوين الآلية الاقتصادية برئاسة نائب المجلس السيادي محمد حمدان دقلو حميدتي والذي سرعان ما تم تنحيته ليحل محله رئيس الوزاء نفسه عبدالله حمدوك في إدارة الآلية.

اقرأ/ي أيضًا: باريا في مواجهة الفاتيكان.. هل يتراجع الحبر الأعظم عن اختيار أمايو مطرانًا؟

وفي وسط السوق العربي بالخرطوم، حول مول الواحة التجاري الضخم، ينتشر باعة الكمامات التي يعرضونها للمارة بأسعار عالية. ومن الملاحظ أن معظم الباعة في أعمار صغيرة ما بين 12 إلى 15 سنة. كما لا يبدو على بعضهم شظف العيش وسوء الحال والمآل. كما أن معظمهم يتم تجنيده من قبل بعض الصيدليات لبيع الكمامات بعيدًا عنها، بغرض المزيد من التكِّسب والربح دون أن يثيروا الشبهات لدى الجهات الحكومية والرسمية المختصة. وأفاد أحد شهود العيان، إن بعض الباعة لا يتورعون عن الكشف عن سعر الكمامة الحقيقي، معللِّين ذلك بأنهم أحرارًا في البيع بالسعر الذي يريدون.

ففي تقاطع الشرقي مع شارع عبيد ختم بالخرطوم، أفاد أحد الباعة إنه يشتري الكمامة العادية بمبلغ 1 جنيه فقط ويبيعها بمبلغ 60 جنيهًا، ذاكرًا أن كل شخص حر في الشراء والبيع بالسعر الذي يراه مناسبًا له وحده دون الاكتراث بالآخرين.

يجدر التنبيه إلى أن النشاط الأساسي لبعض الصيدليات أصبح يتمثَّل في الاتجار والمضاربة بالعملة، مثلما أصبح النشاط الأساسي لمكاتب المحاماة السمسرة والمضاربة في مجال العقارات والأراضي السكنية والزراعية

لقد دفع تدهور الأوضاع الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية الكثيرين من فقراء المدن إلى الدخول إلى أسواق السمسرة والمضاربة، بعد أن كانت حكرًا على التجار والموظفين العاملين في القطاع العمومي والخاص والمحامين والمهندسين والأطباء. ويجدر التنبيه إلى أن النشاط الأساسي لبعض الصيدليات أصبح يتمثَّل في الاتجار والمضاربة بالعملة، مثلما أصبح النشاط الأساسي لمكاتب المحاماة السمسرة والمضاربة في مجال العقارات والأراضي السكنية والزراعية. كما يشار إلى أن قطاع الصيدلة هو من أكثر قطاعات الصحة التي يستشري فيها الفساد نسبة للدعم الحكومي الذي يحصل عليه لاستيراد الدواء من الخارج، بعد أن تحوَّلت شركات الأدوية طوال فترة النظام البائد إلى واجهات ظلَّت تعمل في أنشطة خفية بعيدة كل البعد عن صناعة الأدوية والعقاقير الطبية، كالعمل على تدوير الدولار في السوق الموازي والاستفادة من هامش الأرباح في أنشطة ريعية مهددة للاقتصاد السوداني ومهدرة للموارد القومية.

اقرأ/ي أيضًا

كورونا على الأبواب.. هل يكون السودان قادرًا على احتواء الفيروس؟

ألم يحن الوقت للاعتراف بدور النساء في صناعة السلام؟