منذ مغادرة الوفد الأمريكي منبر جدة متوجهًا إلى واشنطن، لا يمكن استقراء توجهات وزارة الخارجية الأمريكية حيال الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع في السودان.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تأمل في "خلق اتفاقات هدنة" بين الجيش والدعم السريع منذ أيار/مايو وحتى تموز/يوليو لتبدأ عملية وقف إطلاق النار مطلع آب/أغسطس القادم، وتبدأ الخطوة الأولى لإنهاء الحرب بالحل السلمي، لكن هذه "الهندسة الأمريكية" لم يكتب لها النجاح بسبب الخروقات التي لازمت اتفاقات الهدنة التي بلغت أكثر من (12) اتفاقية، لم تحقق فيها النتيجة المطلوبة سوى هدنة اليوم الواحد.
تتلاشى الآمال في حلول سلمية في السودان في ظل اشتداد المعارك العسكرية
في الأثناء تحاول وساطة الإيغاد البحث عن مدخل لمبادرتها التي تصطدم برغبة الخارجية السودانية في تنحي الرئيس الكيني من رئاستها، والمتهم بعدم الحياد والانحياز إلى الدعم السريع، لدرجة أن الخارجية السودانية اتهمت نيروبي بإيواء "المتمردين".
سأل مراسل "الترا سودان" مصدرًا من السفارة الأمريكية في السودان عن مصير منبر جدة والمباحثات، ولم يظهر هذا المصدر وجود أمل في عودة مرتقبة للمفاوضات، وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية قد تنتظر "يأس" الطرفين المتحاربين من القتال، لأنهما يرغبان في الحسم العسكري في الوقت الراهن.
وتتلاشى الآمال في حلول سلمية في السودان في ظل اشتداد المعارك العسكرية، وخلال الساعات الماضية أعلن الجيش عن عمليات "واسعة النطاق" في مدينة أمدرمان غرب العاصمة السودانية لإنهاء انتشار الدعم السريع في بعض الأحياء.
كما بدأ سلاح الجو ضربات جوية هي الأعنف من نوعها في معركة يمكن النظر إليها على أنها "معركة كسر العظام" بين الجيش وقوات دقلو، والتي تتلقى اتهامات بنهب سيارات المواطنين وقتل طبيب في مستشفى الشهداء بمنطقة الدروشاب شمال الخرطوم حسب ما قالت لجان المقاومة واللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء الجمعة.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي سليمان سري في حديث لـ"الترا سودان"، إن الحرب لن تستمر طويلًا في السودان وإن تأخرت المفاوضات. وقال إن مصالح المجتمع الدولي لم تمسها أضرار الحرب حتى الآن لذلك هناك بطء في بدء عملية التفاوض.
ويرى سري أن الطرفين المتحاربين في السودان منهكان حتى وإن تحدثت قوات الدعم السريع عن "انتصارات" على الأرض، لكنها ستتعرض للاستنزاف لاحقًا إذا طال أمد القتال.
ويقول سليمان سري إن السودانيين لا يملكون في الوقت الراهن خيار الحرب أو السلام، وهي حلول مفروضة من الخارج وسرعان ما ينخرط فيها السودانيون.
والحرب التي تدخل شهرها الثالث منذ 15 نيسان/أبريل الماضي خلفت مقتل أكثر من ثلاثة آلاف من المدنيين وإصابات مضاعفة عن هذا العدد، ونزوح (2.4) مليون شخص داخليًا، ونصف مليون شخص خارجيًا إلى دول الجوار. فيما نالت مصر النصيب الأكبر من اللجوء وما زال الآلاف عالقون على حدودها مع السودان في مدينة وادي حلفا، ينتظرون إكمال إجراءات التأشيرة التي صارت تأخذ الكثير من الوقت.
ومع استمرار المعارك التي اندلعت جنوب العاصمة الخرطوم مع محاولات الدعم السريع الاستحواذ على هذه المناطق، نتج عن ذلك نزوح الآلاف من السكان وفقدان ممتلكات وعمليات نهب واسعة طالت المنازل.
ويرجح مصدر قيادي من قوى الحرية والتغيير "مجموعة المجلس المركزي" مشترطًا حجب اسمه في حديث لـ"الترا سودان"، استئناف التفاوض بين الجيش والدعم السريع بضغوط أمريكية في منبر جدة عقب انتهاء عطلة عيد الأضحى.
ويقول هذا المصدر إن الخيار البديل حال تعنت أي طرف ورفض الذهاب إلى المفاوضات والحلول السلمية، سيعمل المجتمع الدولي على إرسال قوات دولية وقد تكون قوات أفريقية لحماية المدنيين في المدن التي تستعر فيها المعارك الحربية.
وأردف: "ذكر دبلوماسيون غربيون أن العالم لن يجلس متفرجًا على الحرب في السودان، ولا بد من فعل أمر ملموس لحماية المدنيين طالما رفضت الحلول السلمية".
ورغم أن السودان لديه تجربة بشأن قوات حفظ السلام في إقليم دارفور التي عملت منذ العام 2007 حتى مغادرتها في 2020، لكن على مستوى العاصمة السودانية لم تكن هذه من "الإجراءات المجربة".
ويعتقد المحلل السياسي مصعب عبد الله في حديث لـ"الترا سودان"، أن المجتمع الدولي يريد منح فرصة أخيرة للطرفين لقبول الحلول السلمية خلال الأسبوعين القادمين، وإذا لم يوافقا على ذلك سيلجأ إلى خيار القوات الدولية التي تعد من "الحلول النهائية" لوضع حد للانتهاكات التي تواجه المدنيين في أي بلد.
محلل سياسي: حرب السودان لم تتحول إلى حرب تتدخل فيها تقاطعات دولية ولكن إذا استمرت لا توجد ضمانات لعدم حدوث ذلك
ويقول مصعب عبد الله إن حرب السودان لم تتحول إلى حرب تتدخل فيها تقاطعات دولية ولكن إذا استمرت لا توجد ضمانات لعدم حدوث ذلك، حينها ستعمل بعض الدول على هندسة مصالحها مع هذه الحرب.
وأضاف: "لكن في الغالب لن تستمر الحرب في السودان. هناك تجربتان مشابهتان في الإقليم، وهي تجربة الحرب في جنوب السودان في كانون الثاني/ديسمبر 2013، والتي انتهت بالتفاوض، وتجربة الحرب في إثيوبيا في 2021، والتي انتهت إلى التفاوض وتوقيع اتفاق سلام في 2022، وهذه الحروب لم تستمر سوى أشهر ولم تكمل عامًا".