25-يوليو-2022
مدينة القضارف

مدينة القضارف

إذا نظرت إلى باب المقهى الشعبي الذي يفتح بنصف دائرة في سوق القضارف شرقي البلاد، فستعرف أن هذه المدينة تصحو باكرًا لتبدأ يومها المليء بالصعوبات، بدءًا من أزمة الوقود الزراعي ومرورًا بارتفاع أسعار العقارات وتدهور جودة الحياة نفسها بحسب إفادات مواطنين.

يقول سكانها إن الأزمات تكالبت على الولاية المعروفة بثراء الإنتاج الزراعي جراء الأزمة الاقتصادية وشح الوقود ومؤخرًا ارتفاع أسعارها

ويعتقد بعض سكان مدينة القضارف -وهي عاصمة الولاية الواقعة شرقي البلاد على الحدود مع إثيوبيا- أن "الأزمات تكالبت على الولاية منذ ثلاث سنوات بسبب تدهور الوضع الزراعي جراء الأزمة الاقتصادية وشح الوقود ومؤخرًا ارتفاع أسعارها".

في السوق الرئيسي تُباع المنتجات المحلية بأسعار زهيدة وعندما تعبر حدود الولاية حيث "أيدي الوسطاء التجاريين" تقفز إلى أرقام فلكية. وإذا قارنت بين رطل زيت السمسم الأشهر في الولاية ستجده يباع بضعف السعر في العاصمة الخرطوم. وعلى الرغم من ذلك لا يحصل المزارع المنتِج على عائدٍ مجزٍ من سعر محصوله المرتفع خارج الولاية.

يتوافد السكان من أطراف الولاية إلى سوقها الرئيسي بالمدنية صباحًا، خاصةً وأنها منطقة معروفة بحركة العمال الزراعيين في بداية موسم الزراعة المطرية التي تواجه مشاكل متعلقة بالوقود وضعف الرقابة الحكومية.

ورغم الحركة الطفيفة للعمال الزراعيين يمكن لمن زار هذه المدينة قبل سنوات أن يلاحظ بوضوح أنها "لم تعد كما كانت"، وأصبحت تفتقد الحيوية التي ميزتها في السنوات الماضية، وهذا ما أظهره أمجد سائق حافلة قديمة في سوق القضارف من خلال مشاعر الحسرة على حال الولاية التي اشتهرت بالإنتاج الوفير لسهولة الزراعة وقلة تكاليفها، بينما في الوقت الراهن كل شيء هنا في نظر هذا الشاب الثلاثيني خاضع للمقارنة، من الأسعار وحتى جودة الحياة التي تدهورت بحسب رأيه.

حافلة

ويضيف أمجد قائلًا لـ"الترا سودان": "لم نكن نسأل من التحويلات النقدية للمغتربين لأن الإنتاج الزراعي كان يكفي المزارع من المال والغذاء، لكن في السنوات الأخيرة هاجر معظم الشبان والفتيات بحثًا عن أعمال بأجور أفضل"، لافتًا إلى أن الزراعة أضحت "شبه مشلولة" لأنها مكلفة بسبب أسعار الوقود وتبعات الأزمة الاقتصادية – على حد قوله.

تقلصت مساحة الغابات مع نهم بناء تشييد العقارات، الاستثمار الآمن في الولاية، بما في ذلك الغابات التي كانت تغطي أطراف الولاية حتى تخوم مدينة القضارف، تأثرت بحركة السكان وتقلصت مساحتها الشاسعة بسبب أعمال القطع الجائر وكأن السباق هنا للحصول على الخشب وتشييد المنازل جراء زيادة حركة اللجوء خاصة مع ارتفاع العقارات والإيجارات في أعقاب الحرب الإثيوبية في إقليم التقراي ولجوء نحو (200) ألف شخص إلى القضارف منذ عام ونصف.

https://t.me/ultrasudan

ما لم يتغير في ولاية القضارف رغم التدهور الماثل للعيان هو أن السماء ما تزال تمطر في هذا الوقت على مدار اليوم ومن دون مقدمات، ولا تتوقف زخات المطر في الصباح والظهيرة والمساء وكأنها تحتفظ بالود القديم بينها وبين سكان الولاية.

عندما صادف تواجد مراسل "الترا سودان" في مدينة القضارف شاهد طوابير السيارات والحافلات لتعبئة الجازولين بسبب الأزمة التي ضربت الولاية ومدينة القضارف.

يشكو السائقون من إغلاق محطات الوقود كلما اقتربت زيادة أسعار الوقود لبيعها بالسعر الجديد وإضافة مكاسب مالية إلى خزائن الوقود التي تدر ملايين الدولارات للشركات على حساب الوضع المعيشي المتفاقم لملايين السكان.

يقول عبدالقادر وهو سائق حافلة تنقل الركاب بين مدني والقضارف لـ"الترا سودان" إنه اشترى الجازولين من السوق الموازي بـ(70) ألف جنيه بدلًا عن (58) ألف جنيه؛ فالمحطات مغلقة والوقود تحول إلى السوق الموازي لضعف الرقابة الحكومية.

في انتظار الزبائن يتفقد علاء الدين صناديق الخضروات في السوق الرئيسي بينما يخشى من طول أمد الركود خاصةً مع عطلة عيد الأضحى ومغادرة آلاف العمال للولاية في هذا الوقت.

يقول علاء الدين لـ"الترا سودان": "إن الركود طال كل شيء وإذا قارنت الأوضاع الآن بالمواسم السابقة فستجد أن عدد العمال الوافدين نقص كثيرًا لأن الزراعة تقلصت بسبب مشاكلها التي استعصت على المزارع". ويردف: "لا توجد حكومة فعالة وفقدنا الأمل تمامًا".

جدرانها مليئة بدعوات إلى التظاهر، ومع ذلك تدفع المدينة ثمن التدهور يوميًا. وما بين مقطورات الجرارات الزراعية التي تشق سوق القضارف لتعبئة الوقود يجلس العمال وهم ينظرون إلى حركة الشوارع في هذه المدينة التي غرقت في حالة من انعدام الأمل كما يقول سكانها.

جدران القضارف

يقول رفعت وهو شاب ثلاثيني لـ"الترا سودان" إن القضارف يمكنها أن تمنح البلاد العديد من الفرص الاقتصادية من خلال الزراعة لكنها تعاني الإهمال الحكومي.

بينما يلف الصمت جدران المنازل في الأوقات الباكرة من الصباح، تزين الجدران دعوات إلى "مليونيات للتظاهر ضد العسكريين" وتكسر حاجز الصمت قليلًا في هذه المدينة التي لم تعد كما كانت.