07-مارس-2024
ضريح صوفي بمسيد في السودان

على طريق رئيسي يربط بين العاصمة الخرطوم وولاية النيل الأبيض يقع "مسيد الشيخ الياقوت"، وخلال الحرب التي تدور بين الجيش والدعم السريع لم يتوقف رجال الدين والطرق الصوفية من مساعدة المواطنين الفارين من القتال.

فضل غالبية زعماء الطرق الصوفية البقاء في مراكز بين الناس للعمل في غوث المتضررين وحمايتهم خلال الحرب 

يحتفظ غالبية رجال الدين وزعماء الطرق الصوفية في السودان بمسافة من الطرفين المتحاربين، وظلت المزارات الدينية والصوفية ملجأ للعديد من المتضررين من الحرب المستمرة منذ ما يقارب (11) شهرًا.

وعلى الرغم من ذلك، لم تنجُ مناطق محيطة من قرية الشيخ الياقوت على تخوم النيل الأبيض من المعارك العسكرية التي دارت خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع.

تقع القرية ضمن منطقة إدارية تتبع لمحلية القطينة بولاية النيل الأبيض، والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع في كانون الثاني/يناير 2024، ونتيجة لذلك تأثرت بالوضع الإنساني الناتج عن إغلاق الممرات الآمنة وصعوبة الانتقال بين الخرطوم والقطينة ونقل سلاسل الإمداد.

حسبو أحد الشبان الذين توجهوا إلى مسيد في ولاية النيل الأبيض، وكان قد غادر حي الموردة في أم درمان غربي العاصمة في الشهر الخامس من الحرب، وذلك بعد أن شعر بخطورة الوضع وتوقف سلاسل الإمداد.

قال حسبو لـ"الترا سودان" إن المسيد الذي يقيم فيه بولاية النيل الأبيض أصبح قبلة للمواطنين الفارين من الصراع المسلح، لا سيما العاصمة الخرطوم ومدينة الأبيض ولاية شمال كردفان. وأضاف: "هنا الناس يؤدون الصلوات الخمس ويجلسون في حلقات الذكر ويعيشون الحياة بصورة طبيعية، وهو نوع من التعافي النفسي"، يؤكد حسبو.

تقع غالبية المزارات الدينية ومواقع الطرق الصوفية التي يطلق عليها شعبيًا بـ"المسيد" على أطراف العاصمة الخرطوم والمدن، وساعدها ذلك على النأي بنفسها عن مناطق الاشتباكات العسكرية، ما سهل عليها العمل في تقديم العون الإنساني للمتأثرين من الحرب.

فيما يعزو الباحث في الثقافة السودانية، السر سيد، عدم تورط غالبية الطرق الصوفية في السودان في الجدل حول الصراع المسلح، كونها فضلت العمل على معالجة الآثار الإنسانية التي وقعت خلال الحرب.

ويضيف السيد في حديث مع "الترا سودان": "حتى الطرفين العسكريين المتحاربين لم يقتربا من مواقع الطرق الصوفية لأن تأثير رجال الدين وزعماء الطرق الصوفية قوي جدًا شعبيًا واجتماعيًا".

وقال السيد إن هذا لا يمنع أن جميع المواقع التي تتواجد فيها الطرق الصوفية لم تتضرر من الحرب، لأن تأثير الوضع الإنساني والاقتصادي والاجتماعي طال جميع السودانيين.

وخلال الحرب برز اسم شيخ الأمين عمر الأمين الذي أقام مركزًا دينيًا للتصوف وسط مدينة أم درمان في حي بيت المال في واجهة الأحداث، والأسبوع الماضي، نقلت قوة من الجيش الأمين إلى موقع آخر قبل أن تعيده مرة أخرى إلى مسيده في بيت المال، حسب ما نشر مقطع فيديو وهو يقوم بتوزيع الطعام على المواطنين من داخل مركزه.

يدافع الأمين عن قراره بالبقاء في منطقة الحرب بأنه يقوم بخدمة إنسانية لآلاف العالقين بين خطوط النار في حي بيت المال والأحياء المجاورةن وقال إنه يقف على الحياد من القتال الذي يدور في السودان.

ويقول حسبو الذي يتردد إلى المراكز الصوفية في أنحاء البلاد منذ سنوات طويلة، إن المجمعات الصوفية داخل العاصمة تأثرت بالحرب، وهي خالية تمامًا من أي نشاط منذ بداية الحرب. والبعض منهم واجه مشكلة في إيجاد ممرات آمنة لمغادرة هذه المراكز.

وأردف: "المراكز الصوفية في الولايات ظلت آمنة إلى حد كبير، وأصبحت تستقبل آلاف النازحين وتقوم بخدمتهم من خلال التكفل بقيمة النقل إلى وجهاتهم، أو البقاء فيها والحصول على الخدمات الإنسانية مثل الطعام والعلاج".

وفي كانون الأول/يناير الماضي عرض الشيخ أزرق طيبة من خلال التنسيق مع عدد من رجال الدين، مبادرة على قوات الدعم السريع، وذلك على خلفية تزايد الانتهاكات بولاية الجزيرة. وكانت المبادرة بمشاركة رجال الدين من مسيد الطرق الصوفية في طابت الشيخ عبد المحمود الواقعة جنوب مدينة الحصاحيصا.

في المبادرة التي طرحها الشيخ أزرق طيبة بمعية رجال دين آخرين، نصح قوات الدعم السريع بإخلاء القرى والمدن من القوات لوقف الانتهاكات، واليوم بعد مرور أكثر من (50) يومًا على المبادرة، يبدو أن قوات الدعم السريع لم تتعامل معها بجدية، وذلك في ظل استمرار الانتهاكات والهجمات المستمرة لهذه القوات على قرى الجزيرة.

وينظر السودانيون على الشيخ الياقوت على أنه أحد رجال الدين الكبار، وزعيم الطريقة الصوفية الذي بادر باستضافة مئات الطلاب الذين غادروا الداخليات في الخرطوم في العام 2017 بسبب الرسوم المالية والأزمة مع صندوق دعم الطلاب.

تعود الطرق الصوفية في السودان إلى ما قبل الاستعمار البريطاني، وتطورت مع مراحل الدولة السودانية، وظلت شاهدة على العديد من الحقب والأحداث. وتقوم مراكزها الدينية بتحفيظ القرآن للأطفال في "الخلاو]" وخلال الحرب ظل الأطفال في المراكز الصوفية الآمنة.

يقول السر السيد، الباحث في شؤون الثقافة السودانية، إن المسيد يشكل جزءًا من الواقع الاجتماعي والديني في السودان، وظل رجال الطرق الصوفية في المراكز الدينية بالولايات أو حتى أطراف الخرطوم مع الزوار والمقيمين، ذوي تأثير قوي حال دون اتخاذهم قرار مغادرة البلاد رغم الحرب والمخاطر، لأنهم يشعرون أن مسؤوليتهم تحتم عليهم البقاء وحماية المواطنين في نطاق المركز والمناطق المجاورة، وعون المتضررين من القتال.

باحث: جزء من شخصية رجال الطرق الصوفية هو الزهد والتخلي عن الملذات والحياة الرغدة، وهم يفضلون البقاء بين الناس

ويضيف: "جزء من شخصية رجال الطرق الصوفية هو الزهد والتخلي عن الملذات والحياة الرغدة، وهم يفضلون البقاء بين الناس يعيشون فقرهم وحياتهم البسيطة ويأكلون الطعام معهم"، ومضى بالقول: "إنهم لا يفضلون رسم قداسة حول شخصياتهم".