14-مارس-2024
أطفال سودانيون في معسكر نزوح في تشاد

يدفع الأطفال في السودان الضريبة الأكبر للحرب

تفاقم وضع سوء التغذية للأطفال في السودان بعد حرب 15 نيسان/أبريل 2023، حيث أشارت المديرة التنفيذية لمنظمة يونيسيف، إلى احتياج ما يقارب أربعة ملايين طفل في السودان إلى الدعم الغذائي الطارئ. كما يتزايد عدد الأطفال الذين يموتون بسبب من سوء التغذية بشكل كبير، خاصة بين الأطفال النازحين.

 يواجه ما يقارب (18) مليون شخص في السودان انعدام الأمن الغذائي، ويعاني خمسة ملايين من حالات جوع طارئة، ويتواجد ثلاثة أرباع هؤلاء في مناطق يتعذر الوصول إليها بسبب الاشتباكات

الجدير بالذكر أن ثلثي هؤلاء الأطفال يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها بسبب الحرب، حيث يتواجد ما يزيد عن نصف الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في مناطق الخرطوم، ودارفور، وكردفان، وهي مناطق تشهد اشتباكات مستمرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، مما يجعل توصيل المساعدات الإنسانية والتدخلات الصحية أمرًا في غاية الصعوبة، خاصة بعد فشل محاولات الاتفاق المتكررة بين طرفي النزاع حول تنفيذ هدنة إنسانية أو تحديد مسارات آمنة. هذا بالإضافة إلى انقطاع شبكات الاتصالات في مناطق واسعة مما يؤثر على عمليات التنسيق للاستجابة للطوارئ الإنسانية.

تحديات الاستجابة للطوارئ الإنسانية

تتزايد تكلفة الحرب كل يوم في السودان، وتأخذ معاناة السودانيين أشكالًا أكثر تعقيدًا مع استمرار الحرب واتساع رقعتها، وقدرت المنظمات الإنسانية حاجتها إلى ملايين الدولارات من أجل الاستجابة للطوارئ الانسانية في السودان، فقد أشارت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف كاثرين راسل في بيان لها، إلى حاجتهم إلى (240) مليون دولار أمريكي للتدخلات المطلوبة من أجل حماية الأطفال من المجاعة، بينما قدرت منظمة الغذاء العالمي حاجتها إلى (144) مليون دولار أمريكي لتقديم المساعدات الغذائية الطارئة. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن وجود عجز في الموارد المطلوبة للاستجابة لحالة الطوارئ في السودان بمقدار (74) مليون دولار في مطلع هذا العام. ثم أطلقت في شباط/فبراير 2024، مناشدة لجمع مبلغ إجمالي قدره (4.1) مليار دولار أمريكي لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا للمدنيين في السودان، ولمساعدة أولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة، على حد قول مسؤولين أمميين رفيعين.

تأتي هذه الأزمة نتيجة للعديد من العوامل المتداخلة، والتي تفاقمت بسبب الحرب الجارية. ويشير برنامج الأغذية العالمي إلى تدني وضع الأمن الغذائي في السودان، حيث يواجه ما يقارب (18) مليون شخص في السودان انعدام الأمن الغذائي، ويعاني خمسة ملايين من حالات جوع طارئة، ويتواجد ثلاثة أرباع هؤلاء في مناطق يتعذر الوصول إليها بسبب الاشتباكات المستمرة وغياب الممرات الآمنة وفشل الهدن الإنسانية.

الأمن الغذائي

ويعرف الأمن الغذائي وفقًا لما خلص إليه مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عُقد في عام 1996، بأنه وضع يتحقق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وأفضلياتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.

ويقوم الأمن الغذائي على أربعة أبعاد، تشمل التوفر المادي للغذاء، بما في ذلك جانب العرض، فضلًا على الحصول المادي والاقتصادي على المواد الغذائية للأسر والأفراد، والاستفادة من هذه المواد، واستقرار هذه الأبعاد مع الوقت.

طفل مصاب بسوء التغذية في إقليم دارفور بالسودان
يصاب الأطفال في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء بسوء التغذية الحاد والهزال في ظل انعدام الأمن الغذائي وعرقلة وصول المساعدات

وفي السودان، تسببت الحرب في انقطاع سلاسل الإمداد وتهدد بإفشال الموسم الزراعي في ولاية الجزيرة التي تعد سلة غذاء السودان، بجانب توقف الحياة الاقتصادية لملايين السودانيين، وفقدانهم لأعمالهم وممتلكاتهم، ونزوحهم عن منازلهم ومناطق سكنهم، وهي جميعها مسائل تحد من الأمن الغذائي، وفي بعض الحالات تعدمه تمامًا.

ويقوم جانب تفور الغذاء وفق التعريف الأممي على الإنتاج ومستويات المخزون وصافي التجارة، وفقد السودانيون في هذه الحرب المخزون من الغلال في مناطق الاشتباكات، حتى تلك التي تؤول لمنظمات إغاثية، فقد نهبت قوات الدعم السريع مخازن برنامج الأغذية العالمي في الجزيرة، كما توقف الإنتاج في المصانع التي تتركز في العاصمة الخرطوم، التي ما تزال تشهد أعنف المعارك. وفي المدن الآمنة، وفي ظل توفر المواد الغذائية المستوردة، تعاني العديد من الأسر في توفير حتى وجبة واحدة في اليوم.

سوء التغذية في معسكرات النزوح

في السياق، تشهد معسكرات ومراكز استقبال السودانيين الفارين من الحرب إلى دول الجوارن ارتفاعًا في حالات سوء التغذية بشكل متزايد، حيث رصد برنامج الأغذية العالمي، في تقرير له في شباط/فبراير من العام الجاري، أن ربع الأطفال السودانيين الذين وصلوا إلى مدينة الرنك بدولة جنوب السودان يعانون من سوء التغذية، بينما تصل النسبة إلى (40)% عند الأطفال الذين حضروا إلى عيادة الطوارئ في معسكر الاستقبال في تشاد. وتفوق هذه النسب بشكل كبير مرحلة الطوارئ المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية، مما دفع مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا، إلى الحث على تقديم الدعم للعائلات في السودان لتجنب أن تتحول أكبر أزمة نزوح في العالم إلى أكبر كارثة جوع مع اقتراب فصل الجفاف في البلاد.

وبعد مرور ما يقارب العام من الحرب، يعاني (2.9) مليون طفل في السودان من سوء التغذية، كما يعاني (729) ألف طفل دون سن الخامسة سوء التغذية الحاد، وفقًا لبيان لمكتب منظمة إنقاذ الطفولة في السودان، والذي أشار إلى أن أكثر من نصف السودانيين بما في ذلك (14) مليون طفل يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

الوقاية والعلاج من سوء التغذية

لا يقتصر سوء التغذية على نقصان أو قلة تناول الطعام فقط كما هو شائع، وإنما يشمل سوء التغذية حسب منظمة الصحة العالمية، أشكالًا متعددة  مثل نقص التغذية الذي يتمظهر في الهزال، أو التقزم، أونقص الوزن، ونقص الفيتامينات أو المعادن، وزيادة الوزن، والسمنة، وما ينجم عن ذلك من أمراض غير سارية مرتبطة بالنظام الغذائي.

يحتاج جسم الإنسان إلى العديد من المواد الغذائية المتنوعة الضرورية للحياة بنسب معينة، فإن أي فقدان أو نقص في هذه المواد الغذائية يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية، لذا ينصح الأطباء والجهات الصحية المختصة للوقاية من سوء التغذية بتناول وجبات غذائية متكاملة، بحيث تشمل جميع المواد الضرورية، مثل والخضروات والفواكه، والحبوب الكاملة، والبروتينات، والدهون الصحية (بنسبة أقل من (30)% من مجمل مدخلات الطاقة).

ويتم تشخيص سوء التغذية عند الأطفال بشكل دقيق من قبل أفراد مختصين، وذلك عن طريق أخذ عدد من القياسات للطول، والوزن، و الارتفاع، و مقارنتها بالمتوسط الطبيعي للقياسات في أعمار محددة، هذا بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار الأعراض والعلامات السريرية.

ويوجد نوعان من حالات سوء التغذية الحاد، وهي سوء التغذية الحاد المتوسط، وسوء التغذية الشديد الحاد. يتطلب سوء التغذية الحاد التدخل من قبل الجهات الصحية، حيث ينصح باتباع نظام غذائي معين يحتوي على مواد غذائية بنسب ومقادير محددة يجب اتباعها من أجل تعويض النقص واستعادة الصحة ومنع التدهور في الحالة الغذائية والصحية للطفل.

عادة ما يتطلب سوء التغذية المتوسط الحاد التدخل العاجل والمبكر، لأن تأخر الاستجابة قد يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية وإلى الوصول إلى سوء التغذية الشديد الحاد، وهي مرحلة أكثر خطورة، حيث تضعف مناعة الطفل، ويصبح عرضة للأمراض الأخرى التي تستدعي التدخل الطبي السريري، وفي حالة عدم الاستجابة العاجلة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الوفاة.

تبعات طويلة المدى

في ظل الحرب الدائرة الآن، ومع تفكك النظام الصحي، وانعدام الأمن الغذائي، تتعدد العوامل والعقبات أمام أطفال السودان، حيث يصعب وصولهم إلى الغذاء المتكامل الصحي، والتدخلات العلاجية والوقائية، مما يجعلهم عرضة لشبح الجوع وسوء التغذية، خاصة في مناطق الاشتباكات ومعسكرات النزوح واللجوء، هذا بالإضافة إلى التبعات الصحية والنفسية طويلة المدى التي ستؤثر على مستقبل حياتهم.

نهاية المعارك الفعلية لن تنتهي تبعات الحرب في السودان، وستتأثر بها أجيال عديدة في مقبل السنوات، حيث سيعاني الأطفال بشكل خاص من تبعات الصدمة النفسية والتغذوية

بنهاية المعارك الفعلية لن تنتهي تبعات الحرب في السودان، وستتأثر بها أجيال عديدة في مقبل السنوات، حيث سيعاني الأطفال بشكل خاص من تبعات الصدمة النفسية والتغذوية التي يمرون بها خلال هذه الحرب التي أوقفت الحصص المدرسية وحتى الوجبات المنتظمة، ويعيش ملايين الأطفال السودانيين في معسكرات نزوح أو في الملاجئ، دون أي تصور عن مستقبلهم الذي يتسرب من بين أيديهم، بينما يمر أهاليهم بجميع تبعات الصدمة الناتجة عن الحرب أيضًا.