06-سبتمبر-2022
سوق في السودان

تراجع القدرة الشرائية من جراء التضخم يزيد معاناة السودانيين

يبدو أن هند الأمين الموظفة في شركة صغيرة شرقي الخرطوم وجدت نفسها ضمن "طبقة الفقراء" بعد أن كانت تتقاضى راتبًا شهريًا يتيح لها ارتياد المطاعم مرةً على الأقل في كل أسبوع قبل عامين.

اليوم تشكو هند من عدم قدرتها على إكمال الشهر بالاعتماد الكلي على الراتب الذي تتقاضاه من هذه الشركة الصغيرة المهددة بالتوقف أيضًا بسبب تقلبات سوق العمل والركود.

يعزي محلل اقتصادي تدهور الوضع الاقتصادي إلى توسع الإنفاق الكلي على حساب القطاع الإنتاجي في الأرياف والمشاريع الزراعية المتعطلة

ويواجه السودانيون أزمة اقتصادية يصفها محللون بـ"الركود التضخمي"، علاوةً على دخول البلاد في مرحلة العقوبات الدولية التي أوقفت نحو أربعة مليارات دولار كانت في طريقها إلى هذا البلد الذي يحكمه الجيش منذ (10) أشهر؛ فالقروض الدولية كانت مدرجة في جدول أعمال البنك الدولي ابتداءً من العام الجاري، وتوقفت بسبب الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وتقول هند الأمين لـ"الترا سودان" إن راتبها لا يشكل حتى نسبة (1%) من مصروفاتها الكلية في الشهر؛ لذلك لجأت إلى تقليل الصرف حتى الاحتياجات الأساسية بالاستغناء عنها.

وتضيف هند: "كنت أذهب مع صديقاتي إلى مطعم خاصة في عطلة نهاية الأسبوع قبل عامين". وتوضح: "تقريبًا بعد حظر الكورونا وجدنا أنفسنا وجهًا لوجه أمام أزمة اقتصادية وارتفاع في الأسعار بشكل جنوني". وتتابع: "تخلينا عن ارتياد المطعم وعندما نخطط للقاء نجلس قرب بائعة القهوة في الشارع".

وإذا حصل السودان على ملياري دولار إلى جانب (650) مليون دولار لموازنة العام الحالي من البنك وصندوق النقد الدوليين، وأنفق ملياري دولار على البنية التحتية للنقل والسكك الحديدية كما قال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في العام الماضي، لكان من شأن ذلك أن يوقف التدهور الاقتصادي خاصةً وأن عجز الموازنة للعام الحالي يتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار من جملة تسعة مليارات دولار هي الأموال المطلوبة للميزان التجاري سنويًا في المتوسط.

https://t.me/ultrasudan

ومنذ ثلاث سنوات لم يتوقف سعر الصرف عن الصعود ووصل سعر الدولار الأمريكي إلى (576) جنيهًا في السوق الموازي وقريبًا أو أعلى بقليل من هذا السعر في البنوك ضمن خطة البنك المركزي لردم الهوة بين السوقين الموازي والرسمي.

ويعزي المحلل الاقتصادي وائل فهمي في حديث لـ"الترا سودان" تدهور الوضع الاقتصادي إلى "توسع الإنفاق الكلي على حساب القطاع الإنتاجي في الأرياف والمشاريع الزراعية المتعطلة" – على حد قوله.

وأشار فهمي إلى أن الحكومة لديها "حلول إسعافية" في الوقت الحالي بإيقاف الصرف على تشييد المباني وشراء العقارات والسيارات والوقود وضبط المصروفات "غير المهمة" وإيقاف الاحتفالات، لافتًا إلى أن هذه الإجراءات ومع أنها تمثل "قطرة في محيط" لكنها ضرورية للتأثير في ضبط الإنفاق الكلي.

يرى فهمي أن "التضخم المفرط" يبدأ علاجه بالطرف الذي تسبب فيه وهي الحكومة نفسها بالإنفاق المتوسع على البنود الإنتاجية

ويرى فهمي أن "التضخم المفرط" يبدأ علاجه بالطرف الذي تسبب فيه وهي الحكومة نفسها بالإنفاق المتوسع على البنود الإنتاجية، مضيفًا أن البلاد حاليًا تعاني من ثقافة الاستهلاك وتعطل الإنتاج وهجرة المصانع إلى دول الجوار.

وكانت الحكومة الانتقالية التي أطاح بها المكون العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي قد تعهدت ببدء برامج خفض التضخم ابتداءً من هذا العام، بعد حصولها على تعهدات دولية بقروض تصل إلى ملياري دولار بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية مباشرة لموازنة العام الجاري.

وجمدت التعهدات الدولية بسبب الانقلاب العسكري من طرف المجتمع الدولي متمثلاً في الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ويرى المحلل الاقتصادي وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي صدقي كبلو في حديث لـ"الترا سودان" أن الانقلاب العسكري قطع الطريق على التعهدات الدولية لحكومة عبدالله حمدوك ابتداءً من هذا العام مقابل تنفيذ "روشتة اقتصادية صادمة" – على حد تعبيره.

ويعتقد كبلو أن "مأزق الانقلاب العسكري" هو الذي فاقم الوضع المعيشي إلى جانب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الانتقالية ولم يحصل السودان على أي تعهد مالي مقابل "وصفة قاسية جدًا" تسببت في وضع غالبية السودانيين أمام خيارات وصلت إلى حدود "تقليص الوجبات".

ويقول كبلو إن الحل في إسقاط الانقلاب العسكري وتكوين حكومة مدنية تتفاوض من منطلق سيادة وطنية مع المجتمع الدولي. وتابع: "لا أتحدث عن مقاطعة المجتمع الدولي لكن يجب التفاوض وفق كروت تفاوضية قوية يمتلكها السودان إذا اختار مفاوضين أكفاء ووطنين".

وأردف كبلو: "يجب أيضًا استغلال الموارد المحلية من الذهب والمحاصيل الزراعية وتوجيه الصرف الحكومي إلى القطاعات الضرورية".

يعتقد كبلو أن موقف السودان ازداد قوةً بعد الحرب الروسية الأوكرانية ويمكن أن يعرض زراعة مليون فدان من القمح شمالي البلاد

وأشار كبلو إلى أن "السلطة الانقلابية" زادت الرسوم والضرائب إلى درجة وضع رسم مالي لم يكن موجودًا من قبل في أقسام الشرطة والمحاكم. ويعتقد كبلو أن موقف السودان ازداد قوةً بعد الحرب الروسية في أوكرانيا ويمكن أن يعرض زراعة مليون فدان من القمح شمالي البلاد إلى جانب اكتشاف الغاز في البحر الأحمر.