انقضى شهران ونصف، فقط من عمر حكومة الفترة الانتقالية، وانطلقت سهام النقد توجه نحوها حول ما إذا كانت قد حققت إنجازات أم لا، ويتخذ البعض من الأوضاع الاقتصادية المتراجعة مدخلًا للنقد بهدف النيل من الحكومة، بينما يشدد آخرون من مناصري الثورة على عدم تحقيق العدالة في قضايا الانتهاكات التي صاحبت الثورة، وعلى وجه أخص أحداث فض الاعتصام من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران/يونيو الماضي، وينطلقون من نقدهم لتقويم المسار. تبقى هناك عدة أسئلة مركزية أبرزها: هل تعتبر فترة الحكومة من أداء القسم في 8 أيلول/سبتمبر الماضي وحتى الوقت الراهن كافية لإصدار أية أحكام عليها، وهل من الممكن أن يعتبر نقد أنصار النظام المخلوع مدخلًا وغطاءً لانقلابٍ عسكري على حكومة الثورة؟
أكاديمي: الحكومة الحالية وجدت مشكلات موروثة، والانتقاد من جانب عناصر النظام البائد يهدف للترويج لعجزها
تحليل الناقدين
ويقسم المحللون منتقدي الحكومة الحالية إلى قسمين. الأول، منتمٍ للنظام المخلوع ويعمل من خلال نقده على تسريب اليأس وسط الجماهير من فعالية الحكومة التي أتت نتيجة الثورة، ويستندون في نقدهم بتراجع الأوضاع الاقتصادية وتراجع قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، حيث وصلت قيمة الدولار مقابل العملة السودانية (81) جنيهًا في السوق الموازية. هنا يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بحري محمد أحمد شقيلة في إفادة لـ"الترا سودان"، أن الحكومة وجدت مشكلات موروثة، وأن الانتقاد من جانب عناصر النظام البائد يهدف للترويج لعجز الحكومة في أداء مهامها وبالتالي الحكم بفشلها لتأليب الجماهير من أجل إسقاطها، ووصف من يمنون أنفسهم بسقوط الحكومة بـ"الواهمين"، واستند على أنها تجد سندًا ودعمًا شعبيًا من فئات جماهيرية واسعة.
اقرأ/ي أيضًا: موسى هلال.. قصة رجل خلف القضبان قبل وبعد سقوط البشير
ويضيف شقيلة، بالنسبة للداعمين للثورة وبالتالي الحكومة التي أتت على ظهر الجماهير، فإنهم يستعجلون تحقيق العدالة فيما يتعلق بشهداء الثورة ومفقوديها ومصابيها، وفي قضايا الاغتصابات، بتحديد المسؤولية ومحاسبة الجناة، بجانب حل حزب المؤتمر الوطني المخلوع عن الحكم، وتفكيك سيطرته على مؤسسات الدولة، ومحاكمة الفاسدين المعتدين على الأموال العامة، واستعادة الأموال المنهوبة سواء كانت داخل السودان أو خارجه لخزينة الدولة، لإعادة التوازن للاقتصاد السوداني ومعالجة الأزمة الراهنة الموروثة من النظام المخلوع، والتي وصفها وزير المالية الحالي إبراهيم البدوي، بالتركة الكبيرة.
وأوضح شقيلة، أن أصحاب هذا الاتجاه يوجهون انتقاداتهم لكنهم يقدرون الظروف المعقدة التي تعمل فيها الحكومة، ويدركون أنه ما زال من المبكر الحكم عليها باعتبار أن عمرها لم يتجاوز ثلاثة أشهر، وأن هناك تحديات تواجهها. وأضاف: "هذا ما يقوله الضمير الجمعي للشعب السوداني".
دعم وتصحيح
وبرزت مطالب الداعمين للثورة والحكومة الحالية في أكثر من مناسبة، حيث تم تسيير موكب في 19 أيلول/سبتمبر الماضي إلى مقر وزارة العدل، بهدف محاسبة رموز النظام المخلوع، كما شهد ميدان الأهلية بأمدرمان في 21 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم تسيير مواكب احتشد عبرها الآلاف، وأُقيمت فيه ندوة من قبل لجان المقاومة بأمدرمان الكبرى، لدعم حكومة الفترة الانتقالية وتصحيح المسار، حيث تم الدفع بمطالب حل حزب المؤتمر الوطني وتصفية الدولة العميقة والقصاص لشهداء الثورة السودانية.
اقرأ/ي أيضًا: في محكمة المخلوع.. حساب رئاسي غير خاضع للمراجعة والحكم النهائي مع ذكرى الثورة
ويقلل من وجود المخاطر المحيطة بالثورة، التفاف الشباب من الجنسين حولها ودعمهم لها، وما يزيد التعاضد على أهمية مواجهة أي انقلاب محتمل، المقترح الذي شهدته ورشة مناقشة قانون النقابات لسنة 2019، التي أقامها تجمع المهنيين السودانيين في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بأن تتضمن ديباجة القانون ضرورة حماية النقابات للديمقراطية ومواجهة الانقلابات العسكرية، وتقوي إفادة شقيلة ذات التوجه، والذي أمن على أن تسيير المواكب أو أية فعاليات جماهيرية يؤكد على حماية الجماهير للثورة ضد أي انقلاب عسكري محتمل، وأردف أن "الانقلاب العسكري في السودان أمر غير وارد، وإن وقع فلن ينجح"، لأن تلك الفعاليات الجماهيرية تكون بمثابة الإجراءات الاحترازية للمحافظة على جذوة الثورة متقدة.
عدم واقعية
ووصف شقيلة أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري من يظنون أنه بالإمكان القيام بانقلاب عسكري على السلطة الراهنة بغير الواقعيين، وبرهن على ذلك بأن القارة الأفريقية مصممة على وداع الأنظمة التي تأتي عبر الانقلابات العسكرية إلى الأبد، واستدل على ما نعتها بالعزلة التي وُضِعَت فيها اللجنة الأمنية للنظام البائد عندما أعلنت انحيازها للثورة وحاولت التمسك بالسلطة، وأشار إلى تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي حينها، ولم تفك العزلة إلا بعد نقل السلطة للمدنيين. واعتبر شقيلة أن توازن القوى والظروف الراهنة محليًا وإقليميًا ودوليًا لا تسمح بانقلاب عسكري، لعدم الاعتراف بأي نظام يتسلم الحكم عبر انقلاب، وذكر أنه "في الفترة المقبلة الانقلابات العسكرية ممنوعة بأمر الشعب والديمقراطية محروسة بإرادة الجماهير".
اقرأ/ي أيضًا: استياء واشنطن من طرفي اتفاق السلام في جنوب السودان.. ما تداعياته المستقبلية؟
تصفية النظام السابق
وحول وجود دولة عميقة يمكن أن تهدد الفترة الانتقالية، قال الناطق الرسمي باسم تنسيقية قوى الحرية والتغيير وجدي صالح، لـ"الترا سودان" أمس الأحد، إن النظام السابق أسقط بفعل الثورة ولن يعود مجددًا، وشدد على عدم وجود دولة عميقة بمفهومها المعروف لأن البلاد ليست بها مؤسسات في عهد النظام المخلوع. وأضاف أن "هناك دولة خفية كانت تدير البلاد عبر رموز من النظام السابق موجودة حتى الآن في مؤسسات الدولة وبالولايات"، وأوضح أنه متى ما تم استئصالهم يمكن بعدها القول إنه قد تم القضاء على تلك الدولة الخفية، بالإضافة إلى حل حزب المؤتمر الوطني المخلوع عن السلطة، ولفت صالح إلى أن تصفية النظام السابق مستمرة.
مقاومة الانقلابات وعدم السماح بالردة
وردًا على سؤال حول إمكانية الانقلاب عسكريًا على حكومة الفترة الانتقالية، شدد الناطق الرسمي باسم تنسيقية قوى الحرية والتغيير، على أنه لن يتجرأ أحد على ذلك طالما أن الثوار الذين أسقطوا النظام موجودون وأحياء وأوفياء لدماء الشهداء والجرحى، وذكر أن الثوار قادرون على المحافظة على الثورة ووضع السودان في مساره الصحيح، وأن الفعاليات في ذكرى ثورة كانون الأول/ديسمبر المجيدة تجدد العزيمة والإصرار على السير قدمًا من أجل تحقيق أهداف الثورة، مضيفًا "إننا نردد المقولة المأثورة للشهداء: لن نستلقي في منتصف الطريق"، في إشارة إلى مقولة الشهيد عبد العظيم أبو بكر، "لقد تعبنا يا صديقي ولكن لا أحد يستطيع الاستلقاء أثناء المعركة". ومضى للقول "إن الثورة مستمرة حتى تتحقق كل أهدافها وشعاراتها".
وجدي صالح: "عيوننا مفتوحة، نبني ونراقب ونقاوم أية محاولات لإجهاض الثورة، ومقاومة الانقلابات العسكرية ستتخذ كل الصيغ الممكنة"
واعتبر صالح، أن الحديث عن إمكانية الانقلاب على الحكومة الانتقالية باتخاذ تردي الأوضاع الاقتصادية مدخلًا لتحقيق ذلك، هو محاولةً للتشكيك في مقدرة الثوار والسلطة الانتقالية في الحفاظ على الثورة والدفاع عنها، وأضاف "لكنها محاولات فاشلة، فالثوار لا يُحبَطون ولن تُزَعزِع ثقتهم مثل تلك الادعاءات". وتابع: "عيوننا مفتوحة، نبني ونراقب ونقاوم أية محاولات لإجهاض الثورة"، ونوه إلى أن مقاومة الانقلابات العسكرية ستتخذ كل الصيغ الممكنة، وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية موروثة من النظام المخلوع، وأنهم يعملون على معالجتها، ونبه إلى وجود تحديات وصفها بالكبيرة. وزاد بالقول: "بعزيمة الثوار سنجتازها ونحن متفائلون بأن القادم أفضل وأجمل وأروع، ورأى أن بلوغ غايات الثورة وتحقيق شعاراتها يتم بالصبر والعمل".
وتمسك الناطق الرسمي باسم تنسيقية قوى الحرية والتغيير بعدم السماح بأي انقلاب عسكري، قائلًا "لن نسمح بحدوث ردة على أهداف الثورة، وإن حدثت لن تجد من الشعب ومنا إلا المقاومة الشرسة، ونحن مستعدون للمحافظة على الثورة".
اقرأ/ي أيضًا