"قاطعة عندنا" هذه هي العبارة السائدة في صيدليات ولاية الخرطوم عندما يسأل المرضى أو مرافقيهم عن الدواء، أما الولايات فواقعة تحت رحمة مافيا زادت أسعار الأدوية بشكل مضاعف وجنوني.
في ذات الوقت رفض مسؤولون تواصل معهم "ألترا سودان" التعليق على الأزمة، واكتفوا بمعلومات عن انعقاد اجتماعٍ بين وزير المالية ووزير الصحة ورئيس الوزراء الساعات الماضية لبحث الأزمة وتوفير (55) مليون دولار بشكل عاجل لاستيراد الأدوية بينما التزمت المالية بتوفير (20) مليون دولار شهريًا.
مصادر: أغلب مصانع الأدوية تنتج وتشحن صادراتها إلى دول إفريقية مجاورة لأنها مرتبطة بتعاقدات سنوية مع هذه الدول، وأزمتها مع الحكومة في التسعيرة الجديدة وتنتظر تراجع الصحة عن إلغاء التسعيرة الأولى
وعلم"ألترا سودان" من مصدرين تطابقت رواياتهم، استمرار الإنتاج المحلي من الأدوية، وأكدا لجوء المصانع إلى إيقاف توزيع الأدوية في السوق المحلي بينما استمرت في تلبية شحنات التصدير إلى دول أفريقية، موضحةً أنها: "في انتظار التسعيرة الجديدة التي طرحت أمام وزارة الصحة".
اقرأ/ي أيضًا: محاميو دارفور يكشفون عن اتصالات مع الجنائية الدولية لضمهم لهيئة الاتهام
وأشار المصدران بعد أن اشترطا حجب أسمائهم إلى أن: "مصانع الأدوية تعمل بنفس خطوط الإنتاج وتعهدت بإغراق السوق الصيدلاني بالأدوية فور إجازة التسعيرة التي رفضها وزير الصحة الاتحادي أكرم علي التوم في أيار/مايو الماضي بحجة أنها مرتفعة بنسبة (160)%".
وتابع المصدر: "حصلت دول مجاورة على شحنات من الأدوية من المصانع المحلية في الخرطوم خلال الشهر الماضي، والسوق السوداني جاذب لدول الجوار خاصة إثيوبيا وجنوب السودان".
من جهة أخرى، انخرط رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في اجتماعٍ مع وزارة المالية ووزارة الصحة الأربعاء الماضي في مكتبه، ودرس الاجتماع كيفية توفير (55) مليون دولار شهريًا لغرض التصنيع واستيراد الدواء.
ولم يتوصل الاجتماع إلى قراراتٍ نهائيةٍ رغم تذليل وزارة المالية للصعوبات جزئيًا بالموافقة على توفير (20) مليون دولار ورفضت توفير (55) مليون دولار شهريًا، إضافةً إلى موافقتها جدولة مديونية الشركات الخارجية بواقع خمسة مليون دولار من جملة (35) مليون دولار حجم المديونية.
وناقش الاجتماع كيفية إكمال المبلغ الشهري وهو (55) مليون دولار شهريًا، خاصةً بعد اعتذار وزارة المالية عن صعوبة تجاوزها لـ(20) مليون دولار شهريًا، مع تدابير تلوح في الأفق بوضع الأدوية ضمن السلع الساخنة والواجبة التوفير باستمرار.
وسأل "ألترا سودان" مسؤولًا اقتصاديًا مقربًا من مجلس الوزراء حول انعقاد الاجتماع ونتائجه، لكنه رفض التعليق على مخرجات الاجتماع وأكد انعقاده يوم الأربعاء الماضي لبحث الأزمة الدوائية.
اقرأ/ي أيضًا: بعد تجاذبات سياسية وفنية.. انطلاق مفاوضات سد النهضة بحضور المراقبين
ويقول خبراء في القطاع الصيدلاني أن هناك سبعة مصانع للأدوية وافقت على تسعيرة مجلس الأدوية والسموم بزيادة سعر الأدوية بنسبة لا تتجاوز (20)%، لكن شعبة مستوردي الأدوية ومصانع الأدوية تعتبرها زيادات غير منصفة.
خبير: يستوعب قطاع الأدوية مليار دولار، وجزء كبير منه يعود لمستثمرين من النظام البائد قاموا بإقصاء ستة مصانع وطنية منذ العام (2000) بإغراق السوق السوداني بالأدوية
بينما وجهت أطراف في القطاع الصناعي اللوم على وزارتي الصناعة والصحة بعدم تدارك مشاكل المصانع، خاصةً وأنها تشكو منذ شهورٍ من شرائها للنقد الأجنبي من السوق الموازي حتى وضعت الحكومة أمام خيارين إما بتحرير كامل لسعر الدواء لأنها تستورد المواد الخام بشراء الدولار الأمريكي من السوق الموازي، أو توفير الحكومة للنقد الأجنبي شهريًا بسعر الصرف الرسمي (55) جنيهًا لواحد دولار أمريكي، مقابل بيع الأدوية بسعر مخفض ومعقول.
ويعتقد الخبير في القطاع الصناعي للأدوية عبد الناصر خليل، أن الأزمة بين الطرف الحكومي والمصانع وشعبة مستوردي الأدوية بدأت منذ إلغاء وزير الصحة أكرم علي التوم، تسعيرة مجلس الصيدلة والسموم. ويرهن خليل حل الأزمة بتراجع وزير الصحة عن قراره والاعتذار لمصانع الأدوية وشركات الاستيراد وستنفرج الأزمة في ساعات.
وتابع "التسعيرة الملغاة زادت الأدوية. وضعت زيادة بنسبة (160)% في المتوسط وتتناسب مع تكلفة المصانع المحلية والاستيراد، لكن ما يحدث حاليًا أن وزير الصحة رفض الحل ويبحث عنه بعد فوات الأوان ولن يجده، لأن الأزمة الدوائية اتسعت جدًا".
ويعتزم ملاك (800) صيدلية بولاية الخرطوم عرضها للبيع مع توقف عملها نسبةً لشح الأدوية وتضاعف تكلفة التشغيل طبقًا لناصر خليل الذي يحذر من تفاقم الأزمة وسط تقاعس الحكومة الانتقالية في قطاعٍ يكتظ بمستثمري النظام البائد في الأدوية.
ويضيف خليل: "لا يمكن أن تواجه مصانع أدوية أغلبها مملوكة لأنصار النظام البائد، عليك أن تكون حذرًا وأنت تسير في حقل ألغامٍ، وذلك بالتوافق على الإجراءات وليس المواجهة، لأنك ببساطة لن تجد الأدوية على أرفف الصيدليات".
ويستوعب الاستثمار الدوائي في السودان نحو مليار دولار طبقًا لإحصائيات لشركات الأدوية والمصانع المحلية التي تبلغ (35) مصنعًا وأكثر من (40) شركة طبية لاستيراد الأدوية.
وسرحت نحو (25) شركة طبية تستورد الأدوية موظفيها وطاقم الشحن والنقل لشهرين مع سداد رواتبهم منذ أيار/مايو الماضي بعد تعطل المفاوضات بين وزارة الصحة والمصانع وشعبة المستوردين لزيادة أسعار الأدوية بنسبة (160)%.
ويعتقد ناصر خليل أن: "مصنع أميفارما لصناعة الأدوية يمكن أن يلعب دورًا كبير في ردم الهوة بين وزارة الصحة و شعبة المستوردين ومصانع الأدوية، لأن المصنع غير مملوك من أنصار النظام البائد ويعتبر من المصانع الوطنية العملاقة".
ويرى خليل أن: "وزير الصحة دخل في معركة غير متكافئة مع مصانع شيدت في عهد المخلوع من أموال السلطة، ويملكها نافذون بأسماء تجارية مخفية، بالتالي لن تتردد في خوض حربٍ مع الحكومة الانتقالية، وهي لن تتكبد خسائر لأنها تتعاقد مع ثمان دول إفريقية مثل إريتريا وجنوب السودان وإثيوبيا وتشاد ولديها أسواق خارجية".
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي تجاهلت وزارة الصحة السودانية عرضًا من مجموعة مصانع مصرية لتوريد أدوية بقيمة نصف مليار دولار إلى السودان، على أن تسدد التكلفة في نهاية السنة المالية.
اقرأ/ي أيضًا: العدل والمساواة: مثول "كوشيب" أمام الجنائية الدولية انتصار للعدالة
معركة "عض الأصابع" في قطاع الأدوية انتقلت إلى مراحل حاسمة بين مجلس وزراء يجد صعوبة في توفير (55) مليون دولار شهريًا، ومصانع وشركات أوقفت توزيع الأدوية بينما الصيدليات تعاني من ظاهرة "الأرفف الخالية" وتشهد بعضها طوابيرًا لم تعهدها الصيدليات منذ سنوات.
علم "ألترا سودان" أن شركة طبية عملاقة تستورد (270) صنفًا دوائيَا منقذًا للحياة، أوقفت البيع وسرحت موظفيها مؤقتًا إلى حين انجلاء الأزمة.
أزمة الدواء انتقلت إلى مؤشرات خطيرة وعلم "ألترا سودان" أن شركة طبية عملاقة تستورد (270) صنفًا دوائيَا منقذًا للحياة، أوقفت البيع وسرحت موظفيها مؤقتًا إلى حين انجلاء الأزمة.
ويقول ناصر خليل: "نظام المخلوع كان يضغط على المصانع وشركات الأدوية بالإجراءات الأمنية في بعض الأحيان، حاليًا الحكومة الانتقالية مبتورة اليد لا حل أمامها سوى الاتفاق مع هذه الأطراف الحيوية".
اقرأ/ي أيضًا
السودان يستأنف التبادل التجاري مع مصر بمعبر أشكيت
دخلوا أحياء وخرجوا موتى.. كوفيد-19 يلحق أضرارًا بالغًة بمستشفيات الخرطوم