"في بعض الأحيان يصل خمسة مرضى في حالةٍ حرجةٍ إلى قسم الطوارئ بمستشفى إبراهيم مالك بالخرطوم، ويغادرون على نقالة الموتى لأنهم استغرقوا ساعات وهم على متن السيارات في البحث عن مؤسساتٍ علاجية، وفي نهاية المطاف وصلوا إلينا في حالةٍ حرجةٍ بعد نفاذ فرص إنقاذ حيواتهم" تقول اختصاصية الباطنية بمستشفى إبراهيم مالك، سلمى منصور.
وتوضح اختصاصية الباطنية بمستشفى إبراهيم مالك، الأحوال المتردية بالمستشفى مع انتشار كوفيد-19 وفتكه ليس بالمصابين فقط، بل أن التأثير لحق بالمرضى الروتينيين من أمراض القلب والسكر والضغط وغسيل الكلى كما تقول هذه الطبيبة.
طبيبة: وزارة الصحة لا تفعل شيئًا ولا نشاهدها بيننا، ولا نعلم ماذا تخطط لتفادي الكارثة المحتملة، لأنها لا تريد أن تسمع لنصائح الأطباء والاستشاريين
وتحمل منصور المسؤولية لوزارة الصحة، وتعتقد أنها: "لا تفعل شيئًا للتدخل وإيقاف التدهور اليومي حتى اضطر الأطباء والطبيبات إلى تشكيل مبادرات جماعية".
اقرأ/ي أيضًا: توقعات بهطول أمطار غزيرة مصحوبة بالأتربة في أجزاء واسعة من البلاد
وفي نيسان/أبريل الماضي، أطلق العشرات من اختصاصيي التخدير مبادرة للعمل الطوعي في مراكز العزل لمرضى كوفيد-19 طرقوا أبواب الوزارة مرارًا حتى دب اليأس إليهم، وبعد انتظارٍ طويل تم توزيعهم في مراكز العزل في وقتٍ كان النظام الصحي يتداعى أمام الإغلاق الجزئي للعديد من المستشفيات الخاصة والعامة لتأخر خطة محاصرة فيروس كورونا.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلنت وزارة الصحة أنها بصدد تحويل مستشفى سوبا إلى مركز عزلٍ وأغلقته أمام خدمة الأمراض الروتينية منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم لا يزال مغلقًا ولم يتحول إلى مركز عزل لمصابي كوفيد-19.
وإزاء هذا القرار الذي لم ينفذ حتى الآن بقي (50) اختصاصيًا وطبيبًا ونواب اختصاصيين وكوادر تمريض في منازلهم في انتظار القرار عقب تسريحهم مؤقتًا من المستشفى الذي يقدم خدمة يومية للآلاف من سكان شرق وجنوب الخرطوم بالإضافة لمناطقٍ متاخمةٍ للعاصمة من ولاية الجزيرة، وولايات سنار والنيل الأزرق وكسلا والقضارف.
وضمن إجراءات توزيع الأطباء، يتقاسم أطباء مستشفى سوبا المناوبة في قسم طوارئ مستشفى إبراهيم مالك لعدم وجود قسم طوارئ في "سوبا"، لكن على خلفية قرار وزارة الصحة الاتحادية بتحويل "سوبا" لمركز عزل، ذهب الأطباء إلى منازلهم في انتظار تنفيذ الأمر حتى اليوم، بالتالي خسر مستشفى إبراهيم مناوبة أطباء سوبا في قسم الطوارئ لديه.
ولم يكن قسم الطوارئ في مستشفى إبراهيم مالك بضاحية الصحافة شرق جنوب الخرطوم محصنًا بالكامل أمام ضربات كوفيد-19 خاصة بعد إغلاق مستشفى سوبا وتردد سكان المناطق المحيطة إلى "إبراهيم مالك "، حتى تحرك أطباء وكوادر الطوارئ لتأسيس قسم للعزل يحتوي على ستة أسرة لمعالجة حالة شبه الانهيار الذي يلازمه حتى الآن، بحسب روايات أطباء لـ"ألترا سودان".
ورغم المجهودات الطوعية لأطباء "إبراهيم مالك"، لم تتفاعل معهم إدارة الوبائيات في إجلاء المشتبهين بالإصابة بفيروس كورونا من مركز العزل المؤقت بالمستشفى في الوقت المناسب والحضور بعد أسبوع كامل، وهو ما فاقم وضع مركز العزل الذي أسس بنفقات وتبرعات أفراد.
وتقول اختصاصية الباطنية بمستشفى إبراهيم مالك، سلمى منصور لـ"ألترا سودان" : "في بعض الأحيان كان يتم نقل خمسة مرضى في حالاتٍ حرجة ويغادرون المستشفى على "أسرة الجثامين" لأنهم لم يجدوا المستشفيات وحينما وصلوا الى مستشفى إبراهيم مالك تكون حالتهم قد تأخرت جدًا".
ولم يكن مستشفى ابن سينا بضاحية العمارات شرق الخرطوم والمتخصص في علاج أمراض الجهاز الهضمي والكبد الوبائي والأمراض الباطنة والنزيف المعوي بأحسن الأحوال بالتزامن مع هجمات كوفيد-19 على المستشفيات في الخرطوم، بل أن ست عيادات تستقبل يوميًا مئات المرضى أغلقت وبقي المرضى في منازلهم في انتظار العناية الإلهية.
وتشير منصور إلى أنها تعمل مناوبات أسبوعية في عيادات مستشفى ابن سينا ولم تجد مفرًا من الاستجابة لإجراءات الإغلاق وترك مرضاها يواجهون مصيرًا غامضًا ومحفوفًا بالمخاطر، ولم تجد إجابة مقنعة لسؤالها "إلى أين سيتوجهون؟".
ومن ما أدى إلى تفاقم مشاكل القطاع الصحي بالتزامن مع هجمات كوفيد-19 في الخرطوم، عدم وجود تعاقدات بين الأطباء ووزارة الصحة، وبالتالي فضّل بعض الأطباء البقاء في منازلهم، سيما مع تأخر تسليم الملابس الواقية والمعينات الطبية وتركيب بوابات الفرز وعدم توفر التعقيم والسكن والترحيل.
اقرأ/ي أيضًا: "حميدتي": توقيع اتفاق السلام الشامل في 20 حزيران/يونيو الجاري
ويلقي الأطباء والاستشاريين باللائمة على وزير الصحة د. أكرم علي التوم قائلين إنه لا يستجيب لنصائحهم بوضع خطة مصغرة منذ ظهور أول حالة بفيروس كورونا في 12 آذار /مارس 2020.
طبيبة: لقد وصلنا مرحلة أخذ عينة المشتبه من المنزل بالواسطة لأن إدارة الوبائيات لا تستجيب مبكرًا، خاصةً عندما تكون شخصًا كادحًا لا تستطيع الوصول إلى متخذ القرار داخل إدارة الوبائيات
وتكمن الخطة في عزل الأطباء عن عائلاتهم وتخصيص مساكن جماعية وتوفير ملابس واقية على مدار الساعة وتجهيز الوجبات والحافلات وتخصيص مراكز لعلاج الأطباء والكوادر التي تصاب بكوفيد-19، سيما وأن كثرة تردد المرضى على المستشفيات تلحق أضرارًا فادحًة بالأطقم الطبية.
وتوضح منصور أنها: "أصيبت بكوفيد-19 من خلال عملها في قسم طوارئ مستشفى إبراهيم مالك وعزلت نفسها وأبلغت إدارة الوبائيات، لكنهم لم يستجيبوا وعالجت حالتها بالأدوية المسكنة وغادرت العزل المنزلي".
وتشدد هذه الطبيبة على أن وزارة الصحة الاتحادية تعتبر آخر جهة يلجأ إليها الأطباء لحل مشاكل القطاع الصحي، لأنها لا تعمل ولا تقدم معلومات عن خطتها للتصدي لفيروس كورونا، أو عن شلل المستشفيات الخاصة التي تشكل (60)% من النظام الصحي بالعاصمة.
وتضيف: "كان ينبغي على وزارة الصحة أن تسرع إلى المستشفيات الخاصة بمجرد إكتشاف أول حالة بفيروس كورونا قبل ثلاثة أشهر بوضع إمكانيات وزارة الصحة تحت تصرف هذه المستشفيات مثل الملابس الواقية والمعينات المتعلقة بمكافحة الفيروس مقابل استمرار الخدمة الطبية، وبهذه الإجراءات تضمن تردد المرضى إلى هذه المؤسسات الخاصة عوضًا عن شلل القطاعين العام والخاص".
وتتابع منصور: "نحن عمال بأجور زهيدة، لم نوقع عقودات مع وزارة الصحة وهذا نظام يسري منذ سنوات لم تغيره الوزارة الجديدة التي جاءت بعد الثورة الشعبية، ومع تدني الأجور هل يمكن للطبيب أن يعمل دون معينات لينقل الفيروس لعائلته".
وتشير منصور إلى أن البلاغات التي ترد إلى إدارة الوبائيات لا تتم الاستجابة لها سريعًا إلا بتدخلات من مسؤولي وزارة الصحة، أي استخدام النفوذ وهو مايطلقون عليه "الواسطة" في العرف الشعبي. وتضيف: "عندك واسطة يأتون لأخذ العينة، ما عندك تنتظر وبس".
ومع اتساع رقعة انتشار فيروس كورونا في ولاية الخرطوم، أغلق مركزين للعزل هما مركز جبرة جنوبي الخرطوم لمشكلة تتعلق بتعطل الجهاز المركزي للأوكسجين، وبعد تحويل المصابين إلى مركز مستشفى المعلم شمال الخرطوم قبالة وزارة الدفاع لم يتسع هو الآخر لأعداد المصابين، وتم تحويلهم إلى مركز يونيفرسال الذي يضم بعض رموز النظام السابق ومركز مستشفى الخرطوم.
وتفاديًا لشبح إغلاق مستشفى إبراهيم مالك بسبب الضغط اليومي جمع الأطباء والكوادر تبرعات وقاموا بشراء أجهزة طبية صغيرة وتم افتتاح مركز العزل في أيار/مايو الماضي كان هذا المشروع يشكل خط الدفاع الأول للمستشفى بالاستجابة لعزل الحالات المشتبهة بفيروس كورونا، كما أن هذه الخطة لم تصممها وزارة الصحة فهي مبادرة من الأطباء فقط.
وتقول منصور إن: "الغرض من إنشاء مركز العزل في مستشفى إبراهيم لحمايته من الإغلاق جراء تردد الآلاف من المرضى الذين ينقسمون بين أعراض فايروس كورونا والأمراض العادية والحالات الحرجة، وكل الجهود التي تمت كانت بفعل الأطباء والكوادر الطبية من ممرضين وممرضات".
اقرأ/ي أيضًا: في يومها الثاني.. تعثر مفاوضات سد النهضة بسبب الاختلاف في مرجعية التفاوض
وتكشف منصور أنها: "تلقت معلومات من مستشفى مدني بتوفير سبعة آلاف جنيه يوميًا تخصص كحوافز للاختصاصي والأطباء والنواب والممرضين لتسيير المستشفى بعد أن تخلت عنهم الجهات الحكومية تمامًا" مضيفة أن :" التبرعات تجمع من السودانيين بالخارج من أبناء الولاية".
حاول "ألترا سودان " الاتصال بوزارة الصحة الاتحادية لمعرفة رأيها حول الوضع الصحي، ولم يجد استجابة
إزاء العجز البائن لوزارة الصحة الاتحادية في التصدي لشلل المستشفيات بحسب الأطباء والاستشاريين، استمرت المستشفيات الخاصة والعامة في الإغلاق الجزئي والكلي، فيما ضاعفت المستشفيات الخاصة من رسومها لمقابلة نفقات المعينات الطبية التي تجنبها التوقف عن الخدمة.
بينما كان من المأمول أن تقوم وزارة الصحة بهذا الدور بوضع خطة تجمع القطاعين العام والخاص بإعتبار أن حملات الانقاذ لاتستثني أحدًا في مثل هذه الظروف، وعندما حاول "ألترا سودان " الاتصال بوزارة الصحة الاتحادية لمعرفة رأيها حول الوضع الصحي، لم يجد استجابة، لأن مسؤولي الإدارات بوزارة الصحة لا يستجيبون لطلبات الصحفيين.
اقرأ/ي أيضًا
المدعي العام للجنائية تردد تصريحًا مثيرًا للجدل منسوب لعضو لجنة إزالة التمكين
في يومها الثاني.. تعثر مفاوضات سد النهضة بسبب الاختلاف في مرجعية التفاوض