21-يونيو-2024
منطقة الجريف غرب التي تقع على ضفاف النيل الأزرق بالعاصمة الخرطوم، تعيش حاليًا في ظروف صعبة للغاية، حيث تجتاحها أزمات متعددة ومركبة تمثل تحديات كبيرة للسكان الذين يعيشون تحت وطأة حالة حرب

تمر منطقة الجريف غرب بأزمات عديدة وشح في الخدمات الأساسية (لجان مقاومة الجريف غرب)

منطقة الجريف غرب التي تقع على ضفاف النيل الأزرق بالعاصمة الخرطوم، تعيش حاليًا في ظروف صعبة للغاية، حيث تجتاحها أزمات متعددة ومركبة تمثل تحديات كبيرة للسكان الذين يعيشون تحت وطأة حالة حرب مُستمرة. تشهد المنطقة انتشارًا واسعًا للأمراض المعدية ونقصًا في الموارد الأساسية مثل المياه النظيفة والرعاية الصحية، مما يضعف فرص البقاء ويزيد من ضعف السكان أمام واقع حرب 15 أبريل المؤلم.

يتسم الوضع الصحي في الجريف غرب بحالة خطيرة، حسب إفادة عضو المكتب الصحي بغرفة طوارئ الجريف غرب لـ"الترا سودان"

التقرير التالي يستعرض التحديات التي تواجه سكان الجريف غرب في ظل النزاع المستمر، ويسلط الضوء على دور التضامن والمساعدة الإنسانية متمثلة في غرفة طواريء الجريف غرب في تخفيف الآثار السلبية للحرب على المجتمع المحلي، بهدف تحقيق الاستقرار والتحسين في المنطقة المنكوبة بالحرب، والتي تقع ضمن مناطق سيطرة الدعم السريع منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاشتباكات في العام 2023.

أوضاع صحية متدهورة

يتسم الوضع الصحي في الجريف غرب بحالة خطيرة، حسب إفادة عضو المكتب الصحي بغرفة طوارئ الجريف غرب الذي قال لـ"الترا سودان" بعد أن فضل حجب اسمه لأسباب أمنية، إن المنطقة تشهد تفشيًا كبيرًا لأنواع من الحميات التي تصحبها تشنجات. ويُرجح أن سبب هذا التفشي يعود إلى استخدام مياه غير صالحة للشرب، و"أن الأهالي يحملون الأواني ويذهبون إلى النيل مباشرة للحصول على المياه"، على حسب وصفه.

وأضاف: "خلال فترة قصيرة جدًا، توافد 251 شخصًا إلى المركز الصحي في الجريف غرب، ومن بينهم 228 شخصًا مصابين بالملاريا من نوع (Vivax) التي تفشت حتى في الأحياء المجاورة مثل بري وأركويت والمعمورة، مما يوحي بكارثة صحية وشيكة يجب التحرك لاحتوائها".

وفي ذات الصدد نوه إلى الصعوبة في الحصول على الأدوية وعدم توفرها، وأن الأنسولين يفسد بسبب عدم وجود كهرباء أو ثلاجات، وأن المركز يعمل حاليًا بالوقود "المكلف جدًا" على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، في أواخر أيار/مايو الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها. فيما تدمر المرافق الصحية وتتعرض للنهب وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات.

وكانت قد حذّرت "أطباء بلا حدود"، عبر رئيسها كريستوس كريستو، من "مستويات شديدة من المعاناة في جميع أنحاء البلاد"، ما يجسّد "إحدى أسوأ الأزمات التي عرفها العالم منذ عقود، إلا أن الاستجابة الإنسانية غير كافية على الإطلاق"، على حد وصفه.

وذكرت الجبهة النقابية السودانية في بيان لها 19 أيار/مايو 2024، أن  15 مليون سوداني يفتقرون إلى الرعاية الصحية، ولا تعمل 80% من المرافق الصحية.

انقطاع الكهرباء وأزمة المياه

أكد منسق البرامج بغرفة طواريء الجريف غرب، أن الكهرباء منقطعة تمامًا عن المنطقة منذ منتصف رمضان -أي ما يقارب الثلاثة أشهر ونصف- مما أدى إلى أزمة حادة في المياه، نظرًا لارتباط الآبار بالكهرباء التي تعمل الآن بالوقود، حيث يتراوح سعر جركانة الوقود ما بين 60 - 80 ألف جنيه سوداني، وسعر برميل المياه إلى 12 ألف جنيه، مما يشكل تحديًا كبيرًا للحصول على مياه الشرب والطباخة.

في هذا الصدد، ذكرت لجنة مقاومة الجريف غرب في بيان لها بتاريخ 5 حزيران/يونيو عودة الكهرباء للمنطقة بعد انقطاع دام 107 أيام. وقد أكد منسق البرامج بغرفة طوارئ الجريف غرب لـ"الترا سودان" أن الكهرباء عادت لمدة يوم واحد فقط وانقطعت مرة آخرى حتى هذه اللحظة.

انقطاع للإنترنت وصعوبة في التواصل

أكد عضو لجنة مقاومة الجريف غرب أن جميع شبكات الاتصالات متوقفة في المنطقة منذ حوالي ثلاثة أشهر، عدا شبكة سوداني التي تعمل "اتصال فقط"، وأنهم يلجأون إلى الستارلنك للحصول على الإنترنت بثلاثة آلاف جنيه للساعة، وأنهم يعانون في التواصل بسبب انقطاع الكهرباء أيضًا، حيث وصل سعر شحن الهاتف إلى 500 جنيه.

وفي هذا السياق، كانت قد انقطعت خدمات الاتصالات عن السودان منذ شباط/فبراير الماضي، وقد عادت في بعض مناطق السودان ولم تعد في معظم مناطق الخرطوم. وأفاد مواطنون في الجريف غرب أنهم واجهوا صعوبات في تبادل تهاني العيد والاتصال بذويهم.

الجدير بالذكر أن هنالك نحو 10 ملايين شخص شرّدتهم الحرب، 8 ملايين منهم نزحوا داخليًا، ونحو مليونين غادروا البلاد كلاجئين حسب وكالات أممية.

سوء التغذية

أفاد منسق المكتب الطبي في غرفة طوارئ الجريف غرب، بأن حالات سوء التغذية تفشت بشكل مخيف خلال الأسابيع الماضية، مما أدى للعديد من الوفيات، وأن الناس لا يعرفون أعراض المرض المتمثلة في هبوط حاد في الدورة الدموية، وانخفاض في درجة الحرارة، وهبوط في مستوى السكر، مما فاقم الوضع، ويعتبرون أن "الموت حدث لأسباب طبيعية" على حد وصفهم.

في هذا السياق قال مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، جاستن برادي إن الصور التي ترد من بعض المناطق في السودان تذكر بالأسوأ في أي مجاعة شهدوها في أي مكان، منبهًا إلى وجود مجموعة كاملة من المخاوف هناك بما فيها النزوح، وخطر المجاعة، والحماية، وسوء التغذية الحاد بين الأطفال.

ومع ازدياد الأوضاع الإنسانية في السودان تفاقمًا، وجّهت الأمم المتحدة تحذيرًا جادًا من وقوع مجاعة في البلاد. فبحسب التقارير الأممية، 4.9 ملايين شخص استنفدوا كل آليات التكيف مع انعدام الأمن الغذائي.

وقد اشارت وكالات أممية إلى أن حوالي 3.8 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، ويعاني ما يقدر بنحو 730 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم.

جهود متطوعي غرف الطوارئ

أفاد منسق البرامج في غرفة طواريء الجريف غرب، بأن "مجموعة من المتطوعين الإنسانيين يعملون في منطقة الجريف غرب على قدم وساق لتقديم المساعدات لأكثر من 1500 أسرة"، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة بسبب النزاع المستمر منذ نيسان/أبريل 2023، حيث يبذل هؤلاء المتطوعون جهودًا بارزة في غرفة الطوارئ لضمان توفير الغذاء والمساعدات الأساسية للمواطنين المحاصرين وسط نيران الحرب.

منسق البرامج في غرفة طواريء الجريف غرب: تقدم المطابخ المؤلفة من 24 وحدة في الحارات الست بالجريف غرب، وجبات تتضمن العدس، الفاصوليا، الأرز، الدخن، والعدسية

 وأضاف: "تقدم هذه المطابخ المؤلفة من 24 وحدة في الحارات الست بالجريف غرب، وجبات تتضمن العدس، الفاصوليا، الأرز، الدخن، والعدسية كأساس لتغذية الأسر المتأثرة"،  كما يُضاف إلى ذلك "تحدي الذهاب إلى سوق الحاج يوسف لضمان توفير المواد الغذائية بشكل مستمر في حالات انقطاعها".

وقد ذكرت الأمم المتحدة أن نحو 25 مليون شخص بحاجة ملحة إلى المساعدات في 2024، بينما المستهدفون بالمساعدات يناهزون الـ15 مليوناً فقط، بسبب ضعف تمويل الاستجابة الإنسانية.

التضامن يبعث الأمل

جهود متطوعي غرفة طوارئ الجريف الحيوية ضرورية لبقاء السكان، ولكنها أيضًا مثال حي على الإنسانية والتضامن الباعث للأمل في وجه التحديات التي فرضتها حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023. بفضل تفانيهم وإخلاصهم، تمكن المتطوعون في هذه الغرفة من تقديم المساعدات الغذائية لمئات الأسر المتأثرة بالحرب، وسط عدد من المخاطر ونقص في الموارد وصعوبة في التواصل.

وأنشأ هذه الغرف متطوعون من الشباب الناشطين ولجان المقاومة لتيسير الخدمات الأساسية للسكان العالقين في المناطق التي تشهد اشتباكات نشطة بين الجيش والدعم السريع، في ظل ملاحقات واعتقالات وأوضاع أمنية خطيرة يواجهونا من القوات والمليشيات المسلحة المنتشرة بالعاصمة الخرطوم.