التر سودان - فريق التحرير
أعادت السعودية أكثر من (22) ألف رأس من المواشي السودانية إلى البلاد بعد أن فشلت وزارة الثروة الحيوانية السودانية في الإيفاء بالشروط السعودية لتصدير الماشية، وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي تعيد فيها السعودية مواشي سودانية لمخالفتها اشتراطات وقيود التصدير. وكانت السعودية قد استأنفت استقبال صادرات المواشي السودانية في شباط/ فبراير الماضي، بعد حظر استيرادها لما يقارب الأربعة أشهر حيث حظرت وزارة البيئة والزراعة السعودية استيراد الماشية السودانية في منتصف تشرين/أكتوبر 2019 على خلفية إعلان وزارة الصحة السودانية اكتشاف إصابة مواشٍ بمرض حمى الوادي المتصدع.
من أين أتت المشكلة؟ هل هي مؤامرة لضرب الاقتصاد السوداني أم أن هناك أيادٍ أخرى تدخلت وافتعلتها، هذا ما سيكشف عنه التحقيق
تحدث "الترا سودان" إلى مختصين ومسؤولين وخبراء في حقل الثروة الحيوانية وبيطريين واختصاصيي بوزارة البيئة والزراعية السعودية ووزارة الثروة الحيوانية والسمكية السودانية ليكشف ملابسات الواقعة، هل هي بالفعل مؤامرة لخنق الاقتصاد السوداني في أزمته الحالية أم أن الجهات السودانية تتحمل المسؤولية كاملة؟ وما هو الخطأ الذي وقع؟ وهل كان خطأً متعمدًا؟
اقرأ/ي أيضًا: "أنقذوا الأطفال" والعون الأمريكي والأوروبي يحاربون كورونا في دارفور وكردفان
الصحة السودانية تسيطر على الوضع
عقب إعلان وزارة الصحة السودانية اكتشاف إصابة حيوانات سودانية بحمى الوادي المتصدع، نشطت الوزارة في تكثيف جهودها لاحتواء المرض، حيث سُجل نفوق عددٍ محدود من المواشي في ولاية نهر النيل بقرى "فتوار وأرتولي والباوقة" وزار وفد من وزارة الصحة المنطقة في الثلث الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأخذ عينات من الحيوانات أكدت إصابتها بالحمى.
والأسبوع الذي سبق ظهور حالات حمى الوادي المتصدع في ولاية نهر النيل سُجلت حالات حميات بشرق السودان لأناس ونفوق لحيوانات، ولأن الحمى المذكورة تصيب الإنسان والحيوان أهتمت وزارة الصحة السودانية بمكافحتها والقضاء عليها، حيث زار وزير الصحة أكرم علي التوم بنفسه مناطق نائية بشرق السودان، لم يسبق أن زارها وزير صحة أو مسؤولٍ حكومي كبير منذ استقلال البلاد في عام 1956، قيل أن تلك المناطق سُجلت بها بحالات حميات ونفوق لحيوانات.
تمكنت وزارة الصحة السودانية بمجهودات متواصلة وذاتية من احتواء وباء حمى الوادي المتصدع ولم تسجل أي إصابات للإنسان أو الحيوانات منذ ذلك الوقت، وأعلنت الوزارة خلو السودان من الحمى.
الكرة في ملعب وزارة الثروة الحيوانية
جهود وزارة الصحة السودانية المضنية في القضاء على الوباء أعادت الكرة كرة ثانية إلى ملعب وزارة الثروة الحيوانية السودانية، لتعمل جهودها في إعادة الماشية السودانية إلى أسواق التصدير الإقليمية، وأهمها السعودية ومصر، حيث تبعت مصر خطوات السعودية وحظرت دخول المواشي السودانية بسبب الحمى المذكورة.
في 5 كانون الثاني/ يناير زار وزير الثروة الحيوانية والسمكية السوداني علم الدين عبد الله بشير، الرياض في محاولة لاستئناف تصدير المواشي السودانية للسعودية، نسبة للظرف الاقتصاد الحرج الذي تمر به الخرطوم وحوجتها لتوفير عملات صعبة لدفع فواتير واردتها.
اقرأ/ي أيضًا: نصر الدين مفرح: لم أعط لجان المقاومة أمرًا بحسم الأئمة المخالفين للحظر
السعودية تستأنف التصدير
وبالفعل استجابت السعودية للطلب السوداني بإعادة استيراد الماشية السودانية في أوائل شباط/فبراير الماضي، وفي مطلع آذار/مارس كانت المحاجر السودانية جاهزة لاستقبال أولى دفعات صادر الماشية بعد توقف، وساهم في قبول السعودية السريع إعادة استيراد المواشي السودانية مجددًا، المصداقية التي تجلت في أداء وزارة الصحة السودانية التي أعلنت فورًا على الوباء قبل أن تقضي عليه وتعلن بعد فحوصات عشوائية في بؤر الوباء خلو السودان من حمى الوادي المتصدع. أحد الخبراء البيطريين بالمملكة العربية السعودية تحدث لـ"الترا سودان". وهو يرى كذلك إن حالة تقطع أوصال العالم وتوقف الإمدادات بسب وباء كورونا الجديد ساهمت في القبول السعودي السريع للعرض السودان.
واستأنفت محاجر موانئ التصدير في السودان عملها ليبدأ السودان تصدير الماشية للسعودية في 28 آذار/مارس الماضي، وتصدير اللحوم المذبوحة لمصر في 6 نيسان/أبريل الجاري. لكن تصدير المواشي الحية للسعودية تضمن اشتراطات صارمة.
السعودية تفرض خياراتها
وفقًا لمصادر مسؤولة ومطلعة بوزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، فرضت المملكة شروطها على وزارة الثروة الحيوانية والسمكية السودانية ووضعتها أمام خياران لاستئناف تصدير المواشي السودانية للمملكة:
الخيار الأول: هو أن تُصدر المواشي السودانية إلى السعودية دون تحصين من أي مرض على أن تختبر السلطات الصحية السعودية الماشية القادمة من السودان عبر أخذ عينات عشوائية منها وتقبل كوارد من السودان في حال خلوها من المرض –حددت السعودية مرضي حمى الوادي المتصدع وحمى الوادي القلاعية التي تصيب الحيوانات بمناطق محددة بالسودان- أما في حال وجدت عينات موجبة من الحمى الأولى فسيعاد صادر الماشية إلى السودان.
الخيار الثاني: أن تقوم السلطات السودانية ممثلة في وزارة الثروة الحيوانية والسمكية بتحصين صادر الماشية السودانية للمملكة بمصلين ضد نوعين من المرض، وحددت المملكة أنواع الأمصال المستخدمة لحمى الوادي المتصدع بالمصل الجنوب إفريقي المسمى (Smith born) لحمى الوادي المتصدع.
اختار السودان شرطًا قاسيًا وصعب التحقق مع إنه كان بالإمكان اختيار الشرط الأفضل والأخف والأقل كلفة
إضافة إلى تحصين ذات المواشي ضد حمى الوادي القلاعية بنوع من الأمصال عالي النقاوة من إنتاج شركة فرنسية. علاوة على ذلك ستتأكد سلطات المملكة من إجراءات التحصين المتخذة في السودان عبر أخذ عينات بالمحجرين الوسيط ومحجر الوصول للمملكة على مرتين، على أن تؤكد نتيجة الفحصين إن المواشي المصدرة من السودان لا تقل مناعتها ضد حمى الوادي المتصدع عن (40%) وإلا سيتم رفض الإرسالية وإعادتها. طبقًا للمستند الحكومي السعودي الذي تحصل عليه "الترا سودان".
لماذا اختار السودان الشرط القاسي؟
من الواضح إن الشرط الثاني هو شرط قاسٍ جدًا على بلد كالسودان يعاني اقتصاده حالة أشبه بالانهيار مع أزمات مزمنة جعلته يعرض ثروته الحيوانية بأقل الأثمان، لكن مع كل هذا الحجم الكبير من التنازلات، يتم رفضها وإرجاعها ولا تحقق الفائدة المرجوة منها بل وتحصد المزيد من الخسائر.
اختار السودان الشرط الثاني مع علو كلفته، وعدم قدرته على تطبيق اشتراطاته، خصوصًا في مسألة الأمصال غالية الثمن ونسبة المناعة للمواشي التحي حددتها السعودية بـ(40%) عبر فحص عشوائي للشحنات.
مصادر موثوقة ومتطابقة في وزارتي البيئة والمياه والزراعة السعودية والثروة الحيوانية والسمكية السودانية اتفقت على أن الخبراء السودانيين الذين قدموا مع الوزير الجديد علم الدين بشير، هم من أشاروا عليه الالتزام بالشرط الثاني القاسي وصعب التحقيق. لكن لماذا؟
هل الشرط الأول سهل التحقيق؟
يجمع الخبراء الذين تحدثوا لـ"الترا سودان" وفضلوا حجب أسمائهم لحساسية مواقهم بالبلدين، على أن الشرط الأول هو الوحيد الذي يمكن للوزارة بكل بساطة أن تحققه لو كانت قبلت به، يقول مصدران متطابقان بالوزارتين بكل من المملكة والسودان، إن حمى الوادي المتصدع لا تنتشر في المواشي القادمة من كردفان ودارفور– تحتضن الولايتان المشار إليهما ثلثا رصيد السودان من الماشية وتعتبران رائدتي صادرات الماشية السودانية- فكردفان ودارفور هي مناطق لا تنتشر فيها حمى الوادي المتصدع ولم يسبق تسجيل حالات إصابة بالمرض من المنطقتين.
ويؤكد المصدران إن الشرط الأسهل بالنسبة للسودان كان هو الشرط الأول نسبة لخلو مواشي كردفان ودارفور من المرض، ولسهولة اتخاذ سلطات وزارة الثروة الحيوانية السودانية إجراءات فحص عينات أو حتى فحص كل المواشي السودانية من المنطقتين بعد حجرها لتأكيد خلوها من المرض ومن ثم تصديرها للسعودية، مع كل ذلك، لماذا اختارت وزارة الثروة الحيوانية السودانية الشرط الثاني القاسي والأكثر كلفة؟
اقرأ/ي أيضًا: حصري: لجنة إزالة التمكين فشلت في استرداد بعض الأصول التابعة للنقل النهري
لا تستبعد مصادر سودانية مختصة بمجال الثروة الحيوانية أن يكون مستشارو وزير الثروة الحيوانية السوداني ممن سافروا معه للسعودية مطلع هذا العام، وجددوا اتفاقية إعادة الصادرات هم من قاموا بتضليله وإقناعه بالخيار الثاني صعب التحقق.
يقول أحد المصادر، والمختص في الأحياء الدقيقة، والذي يعمل في المجال لما يزيد عن (15) عامًا، إن مستشاري الوزير من الشخصيات المعروف انتمائها للنظام البائد، واشتهرت بالفساد وأخذ العمولات عدا عن أن أحدها تمت إقالته بواسطة لجنة تفكيك التمكين –مدير محاجر الصادر- ولا يستبعد المصدر أن يكون المستشار الوزاري اتخذ القرار لإفساد العمل على من سياتي خلفًا له، كما لا يستبعد المصدر أن يكون الأمر جزءً من عملية تتعلق بشراء الأمصال وحصول هؤلاء المسؤولين على نسبة من الشركات البائعة، خصوصًا وإن الأمصال التي استخدمت للماشية السودانية كانت منتجة بواسطة شركة كينية، أي أنها بمخالفة للشرط السعودي الذي سمى مصلًا جنوب إفريقيًا محددًا، وإن الوزارة نفسها لم تقم بشراء الأمصال بل تم جلبها بواسطة شركة وسيطة. وأخيرًا لا يستبعد ذات المصدر أن يكون الأمر قد تم ضمن مخطط لمنسوبي النظام البائد بالوزارة لضرب اقتصاد البلاد.
هل فقد السودان فرصة تصدير ماشيته للسعودية؟
لم يفقد السودان بعد فرصة تصدير ماشيته للسعودية أو لغيرها من الدول، ما جرى هو إعادة بعض شحنات الماشية للسودان لعدم مطابقتها الشروط السعودية الصارمة، بينما الحل ما يزال في يد وزارة الثروة الحيوانية السودانية لتغيير مناطق اختيار الصادر السوداني بحيث تستبعد المواقع السابقة والتي انتشر فيها المرض وتركز على المواقع المعروفة بعدم ظهور المرض فيها.
الأمر يحتاج لتدخل مسؤولين رفيعين
ما جرى هو إرجاع لصادرات لكن لم يتم حظرها، ولا بد من تدخل مجلس السيادة أو الوزراء لاستعادة صادرات السودان من الثروة الحيوانية للمملكة
أحد المصادر السودانية المختصة في الشأن نبه إلى أن أحد أعضاء مجلس السيادة من المهتمين بالقضية أطلع أمس على رأي فني مختص، بغية الاسترشاد به في لجنة الطوارئ الاقتصادية، ويفيد المصدر إن مجلس السيادة السوداني بإمكانه التدخل لدى السلطات السعودية لاستئناف صادرات المواشي السودانية وفقًا للشرط الأول، وجزم المصدر بقدرة السودان على تحقيقه بشكل مرضٍ، لكنه نبه إلى أن أمر إعادة الاتفاق مع السلطات السعودية على تطبيق الشرط الأول ربما سيتطلب تدخل رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان أو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك شخصيًا.
اقرأ/ي أيضًا