في اعتصام القيادة العامة، وتحديدًا في ظهر الثاني عشر من نيسان/أبريل 2019، سأل أحد المتظاهرين صديقه الذي وصل معه إلى الساحة الواقعة قرب وزارة الدفاع: "من هو الجنرال عبد الفتاح البرهان؟". في ذلك الوقت لم تمر سوى ساعات من بيان تلاه رئيس المجلس العسكري السابق عوض بن عوف، والذي لم يستمر أكثر من (18) ساعة.
أجاب المتظاهر وهو يهز رأسه بالنفي: "لا أعرفه". لكن ما لم يعلمه هذا الثائر في تلك اللحظة أن البرهان هو الحاكم الفعلي للبلاد لأربع سنوات قادمة، مناصفًا المدنيين السلطة لعام ونصف، وحاكمًا عسكريًا بعد الإطاحة بالمدنيين.
عرف عن البرهان عدم اللجوء إلى التنازلات حتى في أحلك المواقف، وظهر ذلك عندما زاره المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان قبل أربع ساعات من الانقلاب
ربما كانت الرافعة القوية التي جعلت السودانيين يوافقون على البرهان في ذلك اليوم رفضهم الصارخ لعوض بن عوف نائب البشير في شهوره الأخيرة، بينما جاء البرهان بخلفية "الجياشي القح" فإن طبيعة حياته الخالية من مظاهر "الانتماء السياسي" جعلته موضع ثقة إلى حد ما بين السودانيين.
لم يكن البرهان بعيدًا عن ملف مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن ضمن التحالف بقيادة السعودية بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، في العملية التي أطلق عليها اسم "عاصفة الحزم".
ترجع جذور البرهان إلى ولاية نهر النيل الواقعة إلى الشمال من العاصمة الخرطوم، وقد ولد في عام 1960 في قرية (قندتو) في أسرة دينية تتبع الطريقة الختمية، وهي إحدى الطرق الصوفية الكبرى في السودان.
عندما تولى رئاسة المجلس العسكري في 13 نيسان/أبريل 2019، انخرط في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير رفقة أربعة أعضاء من المجلس العسكري، بينهم الجنرال محمد حمدان دقلو خصمه اليوم في حرب السودان المشتعلة منذ سبعة أشهر.
لم تكن المفاوضات بين العسكريين والمدنيين تحت رئاسة البرهان للمجلس العسكري والحاكم الفعلي للبلاد في ذلك الوقت تسير بشكل جيد كما توقعها المدنيون، أن يتم تسليم السلطة فورًا.
اتسم البرهان -حسب مقربين من محيط التفاوض منذ ذلك الوقت- باللجوء إلى التكتيكات والمناورات والتحالفات إلى درجة خروج حشود قرب القصر أغلبهم من الأحزاب الإسلامية والتيارات المتحالفة معها رفضًا للتفاوض، وطالبوا بحكومة قومية حينها.
لم تكتمل المفاوضات وقتئذ وانتهت إلى عقبة مجزرة القيادة العامة في الثالث من حزيران/يونيو 2019، بعد (58) يومًا من المفاوضات وتعليقها والعودة مرات أخرى إلى الطاولة.
أدت المجزرة إلى عملية تشبه الانقلاب العسكري على التفاوض نفسه حتى توقف، ثم بدأ التفاوض مرة أخرى بعد ضغوط دولية على البرهان وأعضاء المجلس العسكري على خلفية تظاهر ملايين السودانيين في 30 حزيران/يونيو 2019.
أبرم الاتفاق بين المدنيين والعسكريين ثم تحول البرهان إلى رئيس مجلس السيادة الذي يضم خمسة مدنيين وخمسة عسكريين.
لم يظهر البرهان مرونة في التنازل عن رئاسة المجلس حتى عندما انتهت المهلة المحددة في الوثيقة الدستورية، وقرر الرجل الذهاب إلى انقلاب جديد أطاح بالمدنيين في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
منذ الانقلاب وحتى اندلاع الحرب وما بينهما عام ونصف استمر البرهان حاكمًا على السودان عرف عنه التكتيكات والتحالفات المؤقتة، كما يقول خصومه.
وقال عضو من الشق المدني في مجلس السيادة لـ"الترا سودان"، إن البرهان لم يظهر أي مرونة في تسليم السلطة إلى المدنيين، وكنا نعتقد أنها ستنتهي إلى انقلاب ثم حرب؛ هذا ما توقعناه منذ وقت مبكر، وعملنا على تفادي ذلك بالاتفاق الإطاري، لكن الحرب عجلت بتدمير كل شيء.
ويصف مدنيون انخرطوا مع البرهان في اجتماعات أثناء الفترة الانتقالية، أنه لا يعرف لغة التنازلات وقليل الحديث عن الخطط الإستراتيجية كونه رجل تكتيكات.
ومع ذلك فإن ثمة رافعة تقود البرهان نحو التعامل مع جميع التحالفات بشكل مؤقت -حسب ما يقول المصدر المدني- ربما شعبيته داخل الجيش، إلى جانب شخصيته التي قد لا تجد مشكلة في فن التعامل مع جميع الأطراف في وقت واحد.
ربما تمكن البرهان من بناء رصيد سياسي خلال الفترة الانتقالية، لكنه أيضًا تمكن من معرفة أوضاع السودان من خلال عمله بالجيش، فهو يصنف على أنه "ضابط عظيم" بين بعض أقرانه.
وخلال الحرب تراجعت شعبيته بين السودانيين بسبب تطاول أمد القتال وتفاقم الأوضاع وخسارة الجيش لبعض المواقع العسكرية، ومع ذلك فالرجل ظل محافظًا على وضعه دون أي تأرجح.
يقول مراقبون إن الوقت الذي كان سيواجه البرهان فيه موقفًا حاسمًا ينتهي بعزله من موقعه - هذا الوقت قد انتهى
يقول مراقبون إن الوقت الذي كان سيواجه البرهان فيه موقفًا حاسمًا ينتهي بعزله من موقعه - هذا الوقت قد انتهى، ولم يعد بالإمكان حدوث ذلك، خاصة مع رغبة المجتمع الدولي جعله جزءًا من عملية السلام في السودان.
لقراءة شخصية البرهان، تمعن البعض في صورته وهو يجلس مع المبعوث الأمريكي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان مساء 24 تشرين الأول/أكتوبر 2021، حيث أرسلته واشنطن خصيصًا إلى الخرطوم لانقاذ الوضع في السودان وإيقاف الانقلاب العسكري، ولكن بعد أربع ساعات من اللقاء نفذ البرهان الانقلاب واستمر حاكمًا فعليًا على البلاد، بينما استقال فيلتمان من منصبه بعد شهرين من تلك الواقعة في كانون الثاني/يناير 2022.