لا يمكن النظر إلى واقع المرأة السودانية دون دراسة القضايا الاقتصادية المؤثرة عليها، حيث تعتمد كثير من الأسر السودانية على المرأة العاملة. وبعد الثورة فُتحت أبواب العمل للنساء بنسب قدرتها المواثيق والعهود السياسية، و مثلما برزت المرأة كمشارك أصيل في صناعة الثورة السودانية، ظلت تشارك وتساهم في نهضة البلاد اقتصاديا. في المساحة التالية يناقش التقرير عبر إفادات نسوية، رؤيتهن لواقع النساء الاقتصادي وأبرز القضايا والحلول.
أخصائية نفسية: المرأة هي المتأثر الأول بالضائقة الاقتصادية
أهمية تثقيف النساء
مع بدايات الثورة السودانية، قدمت المرأة ذاتها كجزء أصيل من الفعل الثوري، ومشارك قوي في الإطاحة بالأنظمة. ولاحقاً وبعد ثورة ديسمبر المجيدة، شهد الاقتصاد السوداني بدايات انفراج انعكست على واقع النساء السودانيات، ودار النقاش حول النهوض بالاقتصاد ورفع مستوى الدخل للفرد، و شاركت فيه مجموعات وكيانات نسوية.
تذهب الأخصائية النفسية نمارق فتح الرحمن بالقول، إن الحديث حول وضع المرأة اقتصاديًا يتطلب بحوثًا ودراسات عميقة حول مسألة الاقتصاد وقضايا النساء والمجتمع، لإنتاج فرضيات مؤكدة تربط بين العلوم الاجتماعية والإنسانية مع بعضها، لدعم العاملين في قضايا المرأة بالأدلة العلمية الموثوق فيها. وعزت نمارق أغراض البحث العلمي الاقتصادي، للمساهمة في وضع قوانين وسياسات اقتصادية جديدة، بالإضافة لاستمرار الندوات والفعاليات للحديث حول قضايا المرأة والاقتصاد. وتضيف قائلة في تصريح لـ"الترا سودان": "تشعر النساء بإن كلمة الاقتصاد كبيرة وهنَ لسن جزء منها"؛ في إشارة منها لأهمية التوعية الاقتصادية للنساء، وفهم سياسات الدولة وتأثيرها على المجتمع، عبر القنوات الرسمية.
وتابعت بقولها: "يتوجب على النساء العاملات الإحاطة بقوانين العمل"، وشرحت نمارق، إن حقوق مقاضاة جهة العمل والمعرفة بالحقوق والواجبات، يقي المرأة من هضم الحقوق. ودعت لتثقيف النساء حول قوانين العمل وسياسات قروض البنوك المتعلقة بالنساء وعللت دعوتها قائلة: "تعاني المرأة من الحصول على قروض صغيرة، و تصطدم بشروط قاسية مفروضة على النساء تقف حاجزاً أمام مشاريعهن".
وتمضي الاخصائية النفسية نمارق بالقول، إن المرأة هي المتأثر الأول بالضائقة الاقتصادية، ويترجم التأثير بالتوتر اليومي لسد الاحتياجات الضرورية، وقلة التركيز وتشتت الانتباه، ومشاعر الحزن، والقلق والاكتئاب، واختفاء الشغف أثناء تأدية الواجبات اليومية. واكملت: "ينعكس تأثير الضغوط الاقتصادية الملقاة على المرأة في جميع أفراد العائلة والأطفال".
اقرأ/ي المزيد من المواضيع المشابهة:
موازنة 2022.. الاضطراب يسيطر على وزارة المالية
الذهب في السودان..موت مجاني ومقابر مفتوحة
مراجعة الخطاب النسوي
تفهم قضايا المرأة ونضالاتها في سياق القضية الوطنية ومشروع التحرر السوداني بعد ثورة ديسمبر 2018، باعتبارها قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية، تبلورت في ظل ثورة اجتماعية وطنية ساهم فيها كل السودانيين، بمختلف الخلفيات الإثنية والانتماء الجندري والتحيزات الثقافية والدينية.
وترى عضوة تيار المستقبل لبنى عابدين صالح، إن الأجندة النسوية بعد ثورة ديسمبر ركزت على الجانب الحقوقي والقانوني للمرأة، من منظور علمي تفكيكي باعتماده على الوثائق الدولية مثل اتفاقية "سيداو"؛ وأهملت الشروط الداخلية والوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه المرأة في السودان.
وأردفت لبنى قائلة: "في الوقت الذي ركزت فيه الأجندة النسوية على حقوق المرأة في الإجهاض ومنع ختان الإناث، نجد بعض النساء لا يستطعن الوصول إلى مستشفيات الولادة، ناهيك عن التفكير في حق الإجهاض"، وتكمل حديثها: "إن الأجندة النسوية تعاملت مع كل النساء وحقوقهن من منظور مدني دون الانتباه إلى الجوانب البيئية والجغرافية والاقتصادية، التي تضر بالمرأة وفاعليتها في المجتمع ككل.
وبحسب ما تشير إليه لبنى، إن التركيز الآخر كان على وجود المرأة في المجال السياسي ودورها فيه، بمبادرات تطالب بوجود المرأة مناصفة في المناصب السيادية والوزارية مع الرجل، و إهمال القواعد النسائية الحية في المجتمع، التي تساهم مساهمة فعالة دون وجودها في مناصب قيادية -الحديث لعضوة تيار المستقبل- وحتى تلك المناصب تأتي في إطار المحاباة والإرضاء الحزبي، والفرص لم تفتح لجميع النساء للمشاركة على أساس الكفاءة، بل نجد كثير منهنَ من خلفيات اجتماعية وسياسية واقتصادية، أتاحتها لهن فرص الوجود داخل المجال العام السياسي.
تفهم قضايا المرأة ونضالاتها في سياق القضية الوطنية ومشروع التحرر السوداني بعد ثورة ديسمبر 2018 باعتبارها قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية
وتمضي بقولها، إن الخطاب النسوي الذي يطرح في المركز لا يتناسب ويتوافق مع قضايا وهموم النساء في الأقاليم، وبعد كل حراك اجتماعي وسياسي، هناك تغيرات مطلبية تغير شكل الخطاب، هنا أهمل الخطاب الوضع الاقتصادي للمرأة وتأثيره على فرص وجودها في المجال العام. وشددت لبنى على اختلاف البيئة والجغرافيا للمرأة ودورها الكبير على فعاليتها، داعية النسويات لضبط ومراجعة الخطاب النسوي بحيث يكون منصة لمساهمة المرأة في القضية الوطنية من موقع المساواة. كما تقول لبنى عابدين صالح.
المرأة في سوق العمل
لا توجد تحديات اقتصادية تواجه المرأة دون الرجل، هي في الأغلب نفس الطابع من المشكلات من نقص التمويل وعدم استقرار السوق وغيرها من القضايا التي تواجه كل عمل له طابع اقتصادي، كما أن النساء عمومًا يتجهن للاستثمار الاقتصادي قليل المخاطر، أو المختص بتقديم خدمات أكثر منها منافسة معرضة للمخاطر، مثل مراكز التجميل ومراكز الاستشارات والتنمية البشرية.
وقالت الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سارة عصام، إن الفترة الانتقالية منذ بدايتها لم تقدم واقع مختلف وملموس فيما يختص بأوضاع المرأة، بالرغم من أن نضال المرأة مستمر على كافة الأصعدة الاجتماعية والقانونية والاقتصادية لانتزاع الحقوق، وكانت في المخيلة النسوية أن الثورة ربما تحمل تغيرات جذرية بشأنها، إلا أن الحال ظل على سابق عهده.
وذكرت سارة عصام، إن التحركات النسوية في الشارع السوداني لا تمس جوهر القضية النسوية في السودان ومشكلاتها، مثل التعليم والوضع المعيشي والحقوق الأساسية. وتابعت قولها بأن الحركات النسوية التي كان لها حراك ما بعد الثورة، بدأت من أعلى الهرم مبتعدة عن جوهر المشكلة: "ربما يكون هذا أحد أسباب ضعف الاصطفاف حول هذا النوع من الحراك النسوي". على حد تعبيرها.
وتضيف بأن التغريد خارج التسلسل المنطقي محليًا لحل المشكلات، سيجعل أوضاع المرأة بعد أربعة أعوام لا يختلف كثيرًا عن ما هو عليه اليوم، وإن حققت مكتسبات فإن صداها سيكون ضعيفًا، لأنه لا يمثل الغالبية صاحبة القضية.
وفيما يختص بقضية الاستقلال الاقتصادي؛ ترى سارة أن نجاح المرأة في هذا الجانب أصبح حق منتزع، نسبة لتدني الواقع المعيشي والحوجه لمجابهة طحن الحياة الاقتصادية. تقول سارة عصام لـ"الترا سودان": "إن ظاهرة رائدات وسيدات الأعمال أصبحت جزء أصيل من سوق العمل، بالرغم من أن ظهور العنصر النسائي لم يكنَ مرهونًا بالثورة، مع ملاحظة أن ثمة زيادة في التواجد النسائي فيه".
دخلت كثير من قطاعات النساء أسواق العمل بمجهودات وقدرات فردية لمجابهة الظروف الاقتصادية
نجحت المرأة السودانية في خلق مساحات تخصها في سوق العمل، و دخلت كثير من قطاعات النساء أسواق العمل بمجهودات وقدرات فردية لمجابهة الظروف الاقتصادية، من أجل تحقيق ذواتهن وتوفير احتياجات الحياة الضرورية. مع ذلك تقع مسؤولية تثقيفهن ماليًا وتقديم العون الكافي مسؤولية الجهات ذات الصلة بموضوع النقاش.
اقرأ/ي أيضًا