بشكل مفاجئ، أعلنت قوات الدعم السريع تشكيل إدارة مدنية بولاية الجزيرة، في خطوة تزيد تعقيد المشهد السياسي في السودان. وقال رئيس السلطة المدنية المعلنة، إنهم بصدد تطبيق حكم اتحادي بعد انتخاب إدارة مدنية تتولى شؤون مدينة ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
رفضت لجان مقاومة ود مدني تشكيل الإدارة المدنية من قبل الدعم السريع، وقالت إنها لا تعترف بها أو بأي شخص تابع لها
وتتدفق الأسئلة حول الدوافع التي جعلت الدعم السريع يذهب في هذه الخطوة التي يعتبرها البعض تهدف لتهدئة المواطنين في ولاية الجزيرة بعد الانتهاكات الواسعة التي قامت بها قوات الدعم السريع، والبعض الآخر يعتبرها اختبارًا للذهاب في تشكيل إدرات مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
التأسيس المدني
ما خرج من المؤتمر الصحفي الذي أعلنت فيه الإدارة المدنية يقول إنه شُكِّل مجلس تأسيس المدني الذي انتخب رئيس الإدارة المدنية بولاية الجزيرة من (31) عضوًا يمثلون محليات الولايات، وقاموا بانتخابات رئيس الإدارة صديق عثمان أحمد.
حيث طالب رئيس الإدارة المدنية بولاية الجزيرة، والذي انتخب بإشراف قوات الدعم السريع التي تسيطر على أجزاء من ولاية الجزيرة - طالب المواطنين بالعودة إلى بيوتهم، ورفض القصف الذي يستهدف منازلهم من قبل ما أسماه بـ"طيران الفلول".
وحسب البيان المنشور على منصات الدعم السريع، يترأس المجلس البروفسور أحمد محمد البشير. ومن مهام الإدارة المدنية استعادة النظام الإداري وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية، بالتنسيق مع قوات الدعم السريع التي تسيطر على الولاية.
ووصف أحمد محمد البشير، خلال المؤتمر الصحفي، أسس الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة بـ"التجربة الفريدة". وناشد البشير المنظمات الدولية بالتعاون لتحقيق الأهداف المعلنة للإدارة المدنية.
اتهامات نارية
عقب ظهور الأسماء التي ترأست السلطة المدنية، قال البعض إنها تنتمي سياسيًا لحزب الأمة القومي. وقال الصحفي المهتم بملف حزب الأمة القومي، محمد الماحي الأنصاري، إن رئيس السلطة المدنية صديق أحمد، ينتمي إلى تيار الأمين العام لحزب الأمة، الواثق البرير. واعتبر تعيين صديق أحمد ترجمة لتحالف تقدم مع الدعم السريع الذي نص عليه إعلان أديس أبابا الذي وُقِّع مع قائد الدعم محمد حمدان دقلو، ونص على تكوين إدارات مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
وقال الأنصاري لـ"الترا سودان"، إن الإدارة المعلنة ترجمت هذا الاتفاق في ولاية الجزيرة، حيث رفع تيار الواثق البرير وصديق الصادق أسماء البروفسير أحمد البشير محمد القيادي في الحزب ليكون رئيس المجلس التأسيسي للإدارة المدنية، بالإضافة إلى صديق عثمان أحمد ليكون رئيس الإدارة في الجزيرة. وأضاف: "هذه ليست السابقة الأولى؛ فقد رفع تيار الواثق البرير وصديق الصادق - رفع رئيس حزب الأمة القومي بمحلية القطينة، اللواء معاش صديق سنادة، ليكون رئيسًا للإدارة المدنية في محلية القطينة التي تسيطر عليها المليشيا، كما تم تعيين القيادي بحزب الأمة القومي بالقطينة، محمد خورشيد، مستشارًا قانونيًا.
فيما وصف حزب الأمة القومي بولاية الجزيرة إعلان الدعم السريع الإدارة المدنية في ود مدني بـ"المسرحية سيئة الإخراج"، وقال إنها لن تنطلي على سكان ولاية الجزيرة. وأوضح أن الشخص المعين منبت عن القواعد ومنبوذ من الجماهير، ولا يمثل إلا نفسه. ونفى أن يكون له علاقة بحزب الأمة، وقال: "لا يشغل أي منصب في مؤسسات حزب الأمة"، موضحًا أن إعلان الإدارة المدنية محاولة لسرقة إرادة أهل الجزيرة، وتسعى لـ"شرعنه الغزو الأشم والاحتلال بولاية الجزيرة"، بحسب تعبيره.
وتقوم قوات الدعم السريع بانتهاكات واسعة في ولاية الجزيرة، واتهمتها لجان المقاومة في أكثر من سانحة بتهجير المواطنين من قراهم. وينهب منسوبو هذه القوات محاصيل المواطنين وممتلكاتهم في القرى التي يقومون باجتياحها بشكل دوري في الجزيرة.
ورفضت لجان مقاومة ود مدني تشكيل الإدارة المدنية من قبل الدعم السريع، وقالت إنها لا تعترف بها أو بأي شخص تابع لها. وقالت في بيان اطلع عليه "الترا سودان"، إنها ترفض بشكل قاطع أي تمثيل مباشر أو غير مباشر سواء كان عسكريًا أو مدنيًا. واعتبرت لجان المقاومة كل من يتعاون مع قوات الدعم السريع مرفوضًا بالنسبة لها، بسبب انتهاكات الدعم السريع التي طالت كل ولاية الجزيرة في استهداف واضح للمواطن.
وذكرت لجان مقاومة مدني أن قوات الدعم السريع على مدى (100) يوم لاجتياحها ولاية الجزيرة، استباحت جميع القرى والمحليات عدا محلية المناقل، ومارست كل أشكال الانتهاكات وعمليات السلب والنهب، مخلفة وراءها ما يقارب (400) قتيل أو يزيد، وأكثر من (500) جريح، بحسب التقارير المرصودة منذ كانون الثاني/ديسمبر الماضي.
مشاركة تقدم
أرجع البعض تشكيل الإدارة المدنية بولاية الجزيرة إلى أنه جاء على خلفية الاتفاق الذي وقع بين تنسيقية القوى المدنية "تقدم"، والدعم السريع في أديس أبابا، والذي نص أحد بنوده على تشكيل إدارات مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
إلا أن القيادي بتنسيقية القوى المدينة "تقدم"، شهاب إبراهيم، نفى وجود أي تنسيق بين القوى المدنية وقوات الدعم السريع في تشكيل الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة. وأضاف لـ"الترا سودان" أن تشكيل الإدارة المدنية التي نص عليها اتفاق أديس أبابا مع الدعم السريع لا ينفصل عن حزمة من التعهدات مثل حماية المدنيين وفتح مسارات آمنة، وهذا في حال توفرها يجعل الإدارة المدنية ذات جدوى، وليس أن تفرض الإدارة المدنية باعتبارها قضية سياسية.
غبار المعارك
ومنذ أيام تدور معارك كبرى في ولاية الجزيرة، غطت على تشكيل الإدارة المدنية من قبل الدعم السريع. المحلل السياسي محمد الإدريسي يقول إن الجيش يسعى لاستعادة مدينة ود مدني بالسبل كلها، خاصة بعد تشكيل تحالف سياسي عسكري مع حركات دارفور بقيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم. وأضاف لـ"الترا سودان": "المعارك على تخوم مدينة ود مدني سحبت الأضواء من تشكيل الإدارة المدنية التي من الواضح أنها كانت إعلامية في المقام الأول، وليس لها تأثير على الأرض من القيام بعمل إداري أو خدمي لصالح المواطنين نسبة لنوعية القوات التي تتبع للدعم السريع في ولاية الجزيرة، والانتهاكات الواسعة التي تقوم بها، والتي لم تترك المجال لأي مساعٍ من الدعم السريع لاستمالة مواطني المدينة".
وأضاف الإدريسي، أنه رغم سيطرة الدعم السريع على مساحات واسعة، لكنه يفتقد للكوادر المدنية التي تقوم بمهام إدارة المدن وتقديم الخدمات. والانتهاكات المرتكبة جعلت الأحزاب السياسية في "تقدم" تسحب أي غطاء سياسي لتشكيل إدارات مدنية كما منصوص عليه في الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وقائد الدعم محمد حمدان دقلو؛ لأنها لا تريد دفع فواتير تلك الانتهاكات، وقد تتراجع حتى عن هذا الاتفاق الذي جعلها في مواجهة الشعب السوداني، واستغلها أنصار النظام السابق في الترويج بأن أحزاب " تقدم" جناح سياسي للدعم السريع.
سيطرت قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الجزيرة، بما في ذلك العاصمة ود مدني في كانون الأول/ديسمبر 2023
وسيطرت قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الجزيرة، بما في ذلك العاصمة ود مدني في كانون الأول/ديسمبر 2023، وذلك عقب انسحاب مفاجئ للجيش من جسر حنتوب.
ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، شهدت القرى والفرقان انتهاكات مروعة بحق المدنيين، تسببت في موجة نزوح هي الأكبر منذ اندلاع الاشتباكات، حيث كانت ولاية الجزيرة تستضيف بالفعل مئات الآلاف من المواطنين الفارين من جحيم الحرب في العاصمة الخرطوم وغيرها من المناطق.