12-مايو-2022
الأدب والسياسة

تعبيرية

كان للحركة الأدبية والمثقفين دور في الحركة الوطنية، فإلى جانب السياسية، لعب الأدب والثقافة الشعبية المنتشرة آنذاك أدواراً في صياغة الروح الوطنية، واستنهاض التاريخ والإبداع لمقاومة الاحتلال الاستعماري.

حول الحركة الوطنية

بدأت الحركة الوطنية الحديثة، باندلاع الثورة المهدية 1880 ضد الحكم الاستعماري، وبعد هزيمة الخليفة عبدالله التعايشي في معركة أم دبيكرات، أٌسدل الستار على أهم مراحل التاريخ النضالي، التي سطرها أبطال الثورة المهدية حين قابلهم الإنجليز بالأسلحة النارية.

كان للمقاومة العسكرية دور كبير، مثل حركة عبدالقادر ود حبوبة 1908 وعبدالله السحيني في دارفور

بروح تلك الثورة نشأ جيل يطمح لنيل الحرية، في عصر حديث من حيث المدارس التعليمية وحركة الطبع والصحافة. تدرجت مراحل الحركة الوطنية وتطورت أشكالها وأدوارها، من المقاومة المسلحة والثورات القبلية، والاضطرابات في المدن والمؤسسات العسكرية والتعليمية، إلى طباعة المقالات وتوزيع المنشورات وإنشاء الصحف، وإقامة الفعاليات الثقافية والغنائية المقاومة للاستعمار.

كان للمقاومة العسكرية -متمثلة في روح المهدية- دور كبير، مثل حركة عبدالقادر ود حبوبة 1908 وعبدالله السحيني في دارفور.

وتأسست جمعيات وطنية أدبية وثقافية بفعل الروابط الوجدانية المشتركة في المدن ومناطق الإنتاج، حيث تضافرت الجهود لقيام جمعية الاتحاد السوداني 1918 ومن ثم جمعية اللواء الأبيض 1922.

تيليغرام

شهدت الفترة التالية، إضراب كلية غردون 1931 وانخرط الطلاب في نشاطات سياسية، توجت بتكوين مؤتمر الخريجين 1938 ويعد من أسباب تكوين الأحزاب السياسية، التي تسلمت الراية في النضال إلى حين جلاء المستعمر ونيل السودان للاستقلال.

المثقفون السودانيون

في حي السوق بأم درمان 1918 نشأت أولى الجمعيات الأدبية عن طريق بعض طلاب المعهد العلمي، أبرزهم الشيخ مجذوب مدثر، والشيخ محمد المبارك الذي أصبح أستاذ في الأزهر الشريف. ثم جمعية الاتحاد السودانية، كأول جمعية ذات أهداف سياسية، وأسس بعض أعضائها جمعية اللواء الأبيض.

وللحديث حول هذه القضية، يقول الكاتب مهدي يس، بعد قمع ثورة اللواء الأبيض 1924 تسلم الراية التعليم الأهلي، الذي ابتكر الكثير من أشكال المقاومة، فتأججت المشاعر الوطنية ونُظمت الفعاليات الأدبية المختلفة، كان من أبرزها المسرح والإنشاد.

ويكمل يس بقوله، إن الاستعمار كان يهدف من نشر حركة التعليم والطباعة إلى رفد حكومته بالموظفين والكتبة والعمال، إلا أن الحركة الوطنية والأدبية استفادت من الوضع القائم، لتنشئ الصحف والمجلات مثل "الحضارة" و "الفجر"، التي ناقشت فيها مسألة الهوية والأدب. 

واستطرد قائلًا: "انتظمت بالخرطوم نشاطات أدبية وثقافية داخل الأحياء، مثل أحياء "أبوروف" "الموردة" "الهاشماب" فطردت الإدارة البريطانية الفاعلين والمؤثرين، فسافر البعض إلى ولاية الجزيرة وقاموا بتكوين جمعية ود مدني الأدبية". على حد تعبير يس.

ويمضي يس في الحديث، بعد 1936 وتوقيع معاهدة الجلاء بين مصر وبريطانيا دون ذكر السودان، انتظمت في الأندية سلسلة من الخطب والمحاضرات، أبرزها "واجبنا السياسي بعد المعاهدة" لأحمد الخير في نادي الخريجين بود مدني.

ويضيف يس لـ"الترا سودان"، إن المثقفين السودانيين شكلوا ملحمة وطنية، لاتنفصل أغراضها من الفعل السياسي والأدبي والفكري، أسهمت في بلورة الروح الوطنية. ويتابع قائلًا: "مسيرة الأدب السوداني، لم تحظ بالكثير من الاهتمام في الأروقة الأدبية العربية، وكان للأسماء القديمة دور تأسيسي مثل طمبل، معاوية نور، التجاني يوسف بشير".

وعي بالإبداع الأدبي

كان للنقد دور في تطور أساليب الكتابة وشكل العمل الروائي وثيمات الحكاية، مثل تشينوا أتشيبي، الذي بدأ من نقد ما كتب عن أفريقيا. رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد الذي استخدم أفريقيا كمشهد وخلفية.

وفي ذات الاتجاه، قال المهتم بالشأن الثقافي برعي محمد، إن الكتابة كانت تتم من وجهة نظر الأطراف الهامشية المثقلة بالأحاجي والألغاز، وزاد التغيير في مرحلة ما بعد الكولونيالية ليصبح انقلاب في الشكل والمضمون، لكن منطلقًا من النقد القديم، ونجده في الأدب السوداني عند إبراهيم إسحاق "عرضحالات كباشية" "ناس من كافا".

ويشير برعي في هذا الصدد، إلى أن الحكاية الشفاهية عند إبراهيم إسحاق لاتحكى بكافة تفاصيلها، فتنتقل الحكاية من فرد لآخر وتفقد التفاصيل وكأنها بناء كامل ينهدم مع كل تفصيلة منسية في الحكاية. 

وفيما يجري في التجربة الأدبية خلال مرحلة الحركة الوطنية، يذهب برعي قائلًا، إن ما يقوم في بنيتها الداخلية هو الذاتية، لأن التجربة سابقة على النظرية، هي الواقع والتاريخ القائم أولًا. ويستطرد في حديثه: "النظرية في الأدب، أمر يقع خارج عملية الإنتاج والإبداع الأدبي، ثم تعميمها في صياغة أرقى، والنظرية، استكمالًا هي خارج وظيفة الفنان والأديب، هي قراءة في تاريخ الأدب والفن، على ضوء نسيج متنوع من البنى والصيغ والعلاقات المتداخلة، قراءة تسمح -الحديث لبرعي محمد- في ظل النهج المستخدم، بالتجريد والتعميم على قدر ما هو متوفر في خصوصية لا يمكن نفيها، أو لنقل إنها خارج لحظة الابداع، أي أن اللحظة لاتستوعب الأمرين معًا وهما الابداع والنظرية". 

ويرى برعي، أن مضمون تلك المعادلة، هو أن الفنان لحظة الابداع لايعي طبيعة التجربة وشروطها وعلاقاتها، هو لا يعي تاريخ التجربة، بينما النظرية وعي للتجربة.

الأدب والحركة الوطنية

بحسب -باحثين ومهتمين بالشأن الثقافي- فإن أول من كتب مخطوطة في السودان، هو أحمد ابن الشيخ علي بعنوان: "مخطوطة كاتب الشونة" 1845. وفي 1920 صدر أول كتاب في السودان للأمين علي مدني، وكان كتابًا عن الشعر والمقالات.

وللحديث حول هذه الفترة، يقول الصحفي والمهتم بالشأن الثقافي، يوسف حمد، لاحقًا صدر ديوان شعر لعمر البنا وكتاب "نفثات اليراع" لمحمد عبدالرحيم 1936. وكتاب "أم الدنيا" لعبدالحليم محمد ومحمد أحمد المجذوب 1948. وبحسب ما يرى حمد، فإن حركة الكتابة لم تكن كبيرة خلال تلك الحقبة، وتمثل الأدب في الشعر سواء أشعار المقاومة أو الحقيبة أو الشعر الغنائي، كما ظهر في قصائد خليل فرح وأغنية "عزة في هواك".

ويمضي حمد بقوله، إن الكاتب معاوية نور نشط في كتابة المقالات في الصحف المصرية، خلال عشرينات و ثلاثينات القرن الماضي، ولعبت المجلات مثل "الفجر" دورًا، حيث ناقشت قضايا المرأة والتعليم والتغذية، بينما اقتصر الفن المرئي على الرقص الشعبي المحلي.

وتابع: "كتب شعراء عن الواقع السياسي، مثل قصائد البوشي، مع وجود مساهمات مسرحية، وكان أول من كتب المسرحية بابكر بدري، ولكن تظل المساهمات المسرحية في تلك الفترة خجولة".

برعي محمد: الكتابة كانت تتم من وجهة نظر الأطراف الهامشية المثقلة بالأحاجي والألغاز

وأردف: "من الصعب الحديث عن أدب أفريقي أثر على السياسيين تلك الفترة، إنما كانت المعايشة، وخاصة مع دول غرب أفريقيا، وحين دخول الأتراك للسودان، وجهوا الحركة رأسيًا ناحية مصر والدول العربية، فكان الأدب المقترح لعبدالقادر المازني، طه حسين، قاسم أمين، عباس محمود العقاد، وحمود المسعدي".

ختامًا، بدأت مسيرة الأدب في السودان بمناقشة قضايا ومسائل الهوية ومقاومة الاحتلال، عن طريق الأغنيات والقصائد الوطنية، وناقشت الذاكرة المثقلة بالحكايات الهامشية والألغاز.