14-فبراير-2022

تعبيرية

ينظر إلى موسيقى الراب كنوع من الإيصال الصوتي ذو قافية محددة، وكلام له إيقاع باللغة الدارجية أو لغة الشوارع، يتم ترديدها على أنغام موسيقية بطريقة معينة، وتختلف موسيقى الراب عن شعر الموسيقى المنطوقة، ويعد الراب جزء من موسيقى الهيب هوب، مع أن جذور موسيقى الراب تعود لفتراتٍ تاريخية أطول من موسيقى الهيب هوب. 

 بعد دخول فن الراب للسودان أتخذ موضوعاته الخاصة بالثقافة والهوية السودانية

ويصنف الراب في أجزاء من العالم كنوع من الموسيقى الشعبية، نظرًا لأنه ينمو ويزدهر بالأحياء الفقيرة ويعتمد لغة الشوارع في إيصال رسالته للعامة. مع ذلك يحتل الراب منطقة رمادية وغير معرفة من قبل خبراء الموسيقى، مقارنة بالأغاني الطربية والشعر والنثر. 

واستخدمت موسيقى الراب للتعبير عن ثقافة الأمريكان السود في ستينات القرن الماضي، حيث استخدموا الكلمة والإيقاع السريع لوصف قضاياهم والتعبير عن نمط الحياة والصعاب التي تواجه المجتمع الأمريكي الأسود.

موسيقى تحت الأرض

على الرغم من انتشار موسيقى الراب في المحيط العربي والسوداني، إلا أنها لا تزال تصنف ضمن موسيقى ما تحت الأرض، وهي جميع الأشكال الفنية التي لا تظهر بصورة مباشرة في الإعلام الرسمي، وتصنف ضمن الثقافة الشعبية للمجتمعات، وينظر إليها كفن خارج الثقافة الرسمية، كما يتسم هذا النوع من الموسيقى بمقاومة ما هو سائد عن الفنون مدفوعة القيمة، وتعد موسيقى الراب ضمن هذا النوع من الموسيقى، بحيث إن الباحث عن الراب السوداني عليه أن يبحث تحت الأرض للعثور عليه، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي خرجت كثير من فنون ما تحت الأرض للجمهور، ونشرت أعمال الفنانين على موقع يوتيوب وغيره من الوسائط الاسفيرية، بحيث صار الوصول لفن تحت الأرض متاحًا للجميع.

ويصف مصطفى عبدالسلام مغني الراب بالمؤدي، لأنه يردد كلمات بإيقاع محدد. ويروي حول بداياته الفنية بقوله، إنه كان يؤدي الرقص منذ العام 2006 وتعرف على فن الراب باللغة العربية في العام 2010 تزامنًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ليعود وينطلق في العام 2012 حيث بدأ تسجيل الأغاني باستخدام الحاسوب وسماعات بسيطة، مؤكداً لـ"الترا سودان" إن تسجيل الأغاني ليست عملية معقدة، إنما لا تصنع فنان مشهور إلا في مجتمع ما تحت الأرض.

ويحكي مصطفى عن تاريخ الراب ودخوله للسودان بقوله، إن الراب انتشر في دول شمال أفريقيا لقربها من فرنسا، وامتد ليشمل دول الخليج العربي. وبحسب مصطفى لعب أبناء المغتربين دوراً هاماً في نقل ثقافة موسيقى الراب باللغة العربية إلى السودان في بدايات الألفية، يقول: "بعد دخول فن الراب للسودان، أتخذ موضوعاته الخاصة بالثقافة والهوية السودانية"، ودعا في ختام حديثه وسائل الإعلام المختلفة للاهتمام بهذا النوع من الفن، لما يلاقيه من رواج في الأوساط الشبابية.

موسيقى الراب.. وقضايا الثورة 

تعود جذور موسيقى الراب إلى أفريقيا، حيث كانت تروى القصص والحكايات والأساطير على أنغام الطبول بإيقاع موسيقي محدد، وفي أمريكا انتشر في الأحياء الفقيرة حيث حروب العصابات وتجار المخدرات، وكان يستخدم هذا النوع من الفن ليحاكي الواقع المعاش للأمريكان السود، لذلك اتسم في بداياته بالعنف واللغة القاسية.

ولاحقًا، استخدم فن الراب لعكس قضايا المجتمعات، ومع الثورة السودانية صار ينظر لفن الراب كقلب نابض بالحياة يعبر عن قضاياها، وهو ما يسرده الفنان محمد عماد، في المساحة التالية.

تحت شعار "ميكروفون للحق" لخص الفنان عماد القضايا التي يتناولها في موسيقاه، وسخر الميكروفون لنقل الحقائق وواقع المجتمع وقضايا الثورة السودانية.

قبيل اندلاع ثورة ديسمبر 2018 تغنى عماد بموسيقى عكست الظلم والفساد في عهد النظام المُباد، وبعد الثورة أخرج مجموعة من الأغاني مثل "تسقط بس" "جيب طلقة في الرأس" و"شمار في مرقة" واستغرقت الأخيرة مدة (6) أشهر من العمل، يقول محمد عماد الشهير بـ"تو ماكس" دخلت مرحلة إستياء، لكن عدت للعمل ولم استسلم.

وبعبارة "حلم حياتي" يصف عماد الاستديو الصغير الذي يملكه في المنزل، حيث بدأ العمل فيه منذ كان يبلغ من العمر (12) عاماً. ويستعيد ذكرى تلك الأيام بالقول، واجهت اعتراض من الأهل والمجتمع، وكان المجتمع حينها ينبذ هذا النوع من الفن، وكان مغنو الراب هم جمهوره ومستمعوه. ويكمل: "واصلت في العمل وأصبح الأهل هم أول الداعمين لي".

الراب قضية

اتسم فن الراب بالعنف خلال تاريخه، وتعرض المشاهير منه للقتل مثل الفنان "توباك". اليوم اختلفت المواضيع والقضايا التي تناقشها موسيقى الراب، وفي السودان تحول إلى قضية، كما يقول الفنان عبدالحكيم الشهير بـ"محمد كوبا".

ويمضي كوبا بالقول، إن موسيقى الراب قضية، وناقش في الأغاني مثل "خليك صاحي" "صفرجت" "قادرين" حال البلاد وأهم المواضيع التي يعيشها الشعب السوداني. يقول: "أوجه رسالتي للمواطن البسيط، وتحمل الأغاني رسائل التوعية مثل المطالبة ببناء السودان ليستعيد عافيته ويزدهر". على حد تعبيره.

ويشير كوبا إلى أهم التحديات التي تواجه موسيقى الراب، منها غياب شركات الإنتاج والتي تركز على الموسيقى التجارية، وتضع مغني الراب وبقية الفنانين في خانة واحدة، مع العلم أن مغني الراب يكتب ويخرج ويصور من موارده الخاصة. ويضيف بالقول: "إن غياب منصات في الإعلام الرسمي لعرض المواهب وعرض موسيقى الراب، يساهم في التقليل من انتشار موسيقى الراب". 

وقال كوبا لـ"الترا سودان" إن موسيقى الراب بعد الثورة، أصبحت تعالج مشاكل البلاد، مؤكدًا أن الراب المنتشر حاليًا لا يتسم بالعنف. ودعا لقيام اتحاد خاص بالهيب هوب، واصفًا إياها بالشجرة الموسيقية التي تحوي عدة فروع بداخلها.

اليوم تحتل موسيقى الراب مكانة واسعة في الأوساط الشبابية، وتعبر عن قضايا الشباب وطموحه ونظرته للمستقبل، وما يميز موسيقى الراب في السودان، تناولها لقضايا الوطن ومناقشة القضايا السودانية بلغة بسيطة تصل للمستمع بكل سهولة ويسر.

اقرأ/ي أيضا

الفن ومجتمع ما بعد الحرب.. معالجات ورسائل

حوار| أيمن بك: الرواية السياسية تصنع تاريخًا يمجّد الثورة وينبذ القتلة